حصاد جامعة حلوان الأسبوعى    سويلم: الحضارة المصرية رائدة في وضع تقنيات للري تعد الأقدم بالتاريخ    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد عبدالحليم محمود بالشرقية    عيار 21 يصعد الآن 75 جنيهًا.. زيادة جديدة ل سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 10-5-2024    ارتفاع طفيف في أسعار الدواجن اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    وزارة التموين تسلم 2.3 مليون طن قمح محلى من المزارعين حتى الآن    إزالة التعديات على أراضى أملاك الدولة والأراضى الزراعية بكفرالشيخ    البيئة تنظم الجلسة التشاورية الأولى للشراكة بين القطاعين العام والخاص في إدارة المخلفات الصلبة    سرايا القدس: سيطرنا على مسيّرة إسرائيلية في رفح    قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف منطقة اللبونة في بلدة الناقورة جنوبي لبنان    "باير ليفركوزن ضد أتالانتا".. تعرف على موعد نهائي الدوري الأوروبي    نهضة بركان يعلن طرح تذاكر مباراة ذهاب نهائي الكونفدرالية أمام الزمالك    "لديه ذبذبة".. مهاجم الزمالك السابق يتحدث عن فرص الزمالك للفوز بالكونفدرالية    رحلة مبابي في باريس تنهي بمكالمة الخليفي    الحكومة تنفي انتشار عصابات لتجارة الأعضاء تستدرج الأطفال    نيران حتى الفجر.. كيف أخمدت 15 سيارة إطفاء حريق الإسكندرية للأدوية؟ - صور    وضع رجلها في صندوق القمامه.. مكالمة هاتفية وراء القبض على قاتل «سيدة النهضة»    ضبط سيدة بسوهاج لقيامهما بإدارة كيان تعليمى بدون ترخيص للنصب والاحتيال على المواطنين    "يا عزيز عيني" فانتازيا أسطورية تحكي عن إيزيس وأوزيريس بطنطا    40 صورة لنجوم الفن في حفل زفاف لينا الطهطاوي.. بينهم "تامر حسني وهنا الزاهد"    الفنانة يسرا اللوزي تشيع جنازة والدتها عقب صلاة الجمعة    إلهام شاهين: أعتز بدراستي للمسرح في أكاديمية الفنون المصرية    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    6 تخصصات.. "صحة مطروح" تطلق قافلة طبية في العلمين    ترفع الكوليسترول وتضر القلب.. 5 أطعمة احذر تناولها على الإفطار    بمكونات بسيطة.. طريقة عمل البطاطس البيوريه في المنزل    تجنب 4 أطعمة لتقليل خطر الإصابة بالسرطان    اليوم.. آخر فرصة للتسجيل الإلكتروني لاستمارات امتحانات الدبلومات الفنية 2024    ضبط قضايا اتجار بالنقد الأجنبي ب 15 مليون جنيه خلال 24 ساعة    وزير العمل يتابع إجراءت تنفيذ مشروع "مهني 2030" مع "اللجنة المختصة"    10 علامات ابحث عنها.. نصائح قبل شراء خروف العيد    «التنمر وأثره المدمر للفرد والمجتمع».. موضوع خطبة الجمعة اليوم بالمساجد    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    فريدة سيف النصر ضيفة عمرو الليثي في «واحد من الناس».. الإثنين    د. الخشت يترأس لجنة اختيار المرشحين لعمادة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    مصرع ضابط شرطة إثر اصطدام «ملاكي» ب«جمل» على الطريق ببني سويف    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    القسام تعلن مقتل وإصابة جنود إسرائيليين في هجوم شرق رفح الفلسطينية    سعر متر التصالح في مخالفات البناء بالمدن والقرى (صور)    نشوب حريق بمصفاة نفط روسية بعد هجوم أوكراني بالمسيرات    حماس: لن نترك الأسرى الفلسطينيين ضحية للاحتلال الإسرائيلي    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    تاو يتوج بجائزة أفضل لاعب من اتحاد دول جنوب إفريقيا    دعاء يوم الجمعة لسعة الرزق وفك الكرب.. «اللهم احفظ أبناءنا واعصمهم من الفتن»    أول مشاركة للفلاحين بندوة اتحاد القبائل الإثنين المقبل    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    رئيس الحكومة اللبنانية يبحث مع هنية جهود وقف إطلاق النار في غزة    طبق الأسبوع| مطبخ الشيف رانيا الفار تقدم طريقة عمل «البريوش»    هل قول زمزم بعد الوضوء بدعة.. الإفتاء تجيب    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    عبد الرحمن مجدي: أطمح في الاحتراف.. وأطالب جماهير الإسماعيلي بهذا الأمر    ما حكم كفارة اليمين الكذب.. الإفتاء تجيب    إصابة 5 أشخاص نتيجة تعرضهم لحالة اشتباه تسمم غذائي بأسوان    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا قال عن مذگراته؟!
تروي أسرار الضاحك الباكي نجيب الريحاني
نشر في الأخبار يوم 18 - 08 - 2010

علي يد الشيخ بحر تگشفت موهبته في الإلقاء والتمثيل.. وضج منه إخوته في البيت
في السادسة عشر ترك مدرسة الفرير ونافس علي يوسف في غرام صالحة قاصين
»قبل أن أسمح لنفسي بنشر مذكراتي، فكرت في الامر كثيرا، لا لشيء الا لانني خلقت صريحا، لا اخشي اللوم في الحق، ولا أميل إلي المواربة والمداراة، فهل يا تري اظل فيما أكتب متحليا بهذه الخليقة؟، أم يدفعني ما درج عليه الناس من مجاملة إلي المواجهة والتهرب.. ذلك هو موضع التفكير الذي لازمني قبل أن أخط في مذكراتي حرفا واحدا، أما وقد ارتضيت، فقد آليت علي نفسي أن أملي الواقع مهما حاقت بي مرارته، واسجل الحقائق مهما كان فيها من الم ينالني قبل ان ينال غيري ممن جمعتني بهم أية جامعة،وربطتني بهم اقل رابطة، ومضيت في مذكراتي علي هذه الوتيرة، فاذا بي أشعر في دخيلة نفسي انني اؤدي واجبا مفروضا، هو في الحقيقة تسجيل صحيح لناحية من نواحي تاريخ الفن في بلادنا العزيزة، وأصارح القراء الافاضل بأنني كنت كلما سردت واقعة فيها ما يشعر بالاقلال من شأني، كنت أحس السعادة الحقة، سعادة الرجل الصادق المؤمن حين يقف أمام منصة القضاء فيدلي بشهادته الصحيحة، ويغادر المكان مستريح الضمير، ناعم البال، هاديء البال.. علي أنني في مذكراتي هذه تناولت الكثيرين بما قد لا يرضيهم، ولكن احدا لا يستطيع ان يناقضني في حرف واحد مما أثبت هنا، لأنه إن حاول ان يفعل، وقفت الحقائق حائلا بينه وبين ما يريد، فهناك الزميل القديم علي يوسف مثلا... لقد شرحت الكثير مما كان بيني وبينه من مواقع حربية في ميدان الغرام والهيام، وكذلك الحال مع السيدة (ص. ق ) -الريحاني يقصد الممثلة صالحة قاصين - التي بلغ تنازعنا عليها حد شك المقالب، وتدبير الفصول الساخنة.. كل ما ذكرته عنهما حقائق صادقة، ولعل بعض من تحدثت عنهن قد يسوؤهن ان اكشف عن حقيقة رابطتهن الاولي بالمسرح بعد أن أصبحن في سمائه كواكب لامعة، وقد سبق لهن ان تحدثن إلي الصحف كثيرا، وشرحن تاريخ حياتهن كثيرا، ودبجن المقالات كثيرا، فشرحت كل منهن كيف كانت تمثل امام المرآة، وكيف شغفت بالتمثيل منذ الصغر، وكيف عشقت الفن لذاته... وكيف، وكيف مما لست أذكره، ولكن هل ذكرت في أحاديثها ولو من باب تقرير الواقع (وبلاش المجاملة حتي ) شيئا عن كيف وقفت علي المسرح، ومن علمها نطق أبجديته؟، ابدا.. وكأنه من العار عليها اذا اعترفت بأنها كانت ممثلة في فرقة الريحاني.. وبلاش مبتدئات يا سيدي!!«
نجيب الريحاني
»لست في حاجة إلي ان ارجع بالذاكرة إلي التاريخ الذي تلقفني فيه كف العالم ، فأقول مثلا أنني ولدت في شهر كذا.. عام كذا.. أو ان ولادتي اقترنت بظهور كوكب دري في الافق أعتبره أهلي طالع يمن واقبال ... أو .. أو .. مما لا أري فيه للقراء من فائدة، ويكفي ان اقفز بهم إلي سن السادسة عشر، حين غادرت مدرسة الفرير بالخرنفش بعد ان تزودت بالمئونة الكافية من تعليم وخبرة«.
بهذه الكلمات يبدأ نجيب الريحاني سرد مذكراته تحت عنوان »أول الطريق«، لم يذكر شيئا عن اسرته، او ميلاده، او طفولته، قفز بنا مرة واحدة إلي عام 1905 عندما بلغ من العمر السادسة عشر، في هذا العام كان يجلس علي عرش مصر الخديوي عباس حلمي الثاني الذي تولي الحكم في 1892 خلفا لوالده للخديوي توفيق وكان عمره وقتها 17 عاما، تسلم الحكم في العام العاشر من الاحتلال الانجليزي لمصر وظل يحكم حتي 19 ديسمبر 1914 وقد شهد عصره المزيد من السيطرة الاجنبية والتدخل الانجليزي في شئون البلاد، وتعددت الازمات بداية من أزمة الحدود وتشكيل المحكمة المخصوصة، وحملة السودان وحادث دنشواي ومشروع مد امتياز قناة السويس وقد تنازل عن الحكم مقابل 30 الف جنيه دفعتها له الحكومة المصرية، وكان يرأس الوزارة في هذا الوقت مصطفي فهمي باشا نجل حسين افندي البكباشي التركي الاصل وقد رأس الوزارة لمدة 13 عاما بداية من 1891 حتي 1908م.
في هذا العام كان متاحا لسكان القطر المصري قراءة عشر صحف يومية في مقدمتها "الأهرام، والبصير، والجوائب المصرية، والشرق، والظاهر، واللواء، والمؤيد، ومصر، والمقطم، والوطن، إلي جانب اثني عشر صحيفة اسبوعية كان اغلبها يصدر بالاسكندرية وهي الاخلاص، والاكسبريس، والامل، والحرية، والخلاعة ، والصاعقة ، و الصباح، والعمران، والممتاز، والنيل، والنافع، والواعظ.
مصر عام 1905
قفز بنا نجيب الريحاني لعام 1905 دون ان تشير مذكراته ولو بلمحة بسيطة عن الاجواء الاجتماعية والثقافية والسياسية التي كانت عليها مصر في هذا العام الذي جاءت فيه سلطانة الطرب منيرة المهدية للقاهرة وقد استأجرت "مقهي نزهة النفوس" بحي الازبكية وسرعان ما اصبح المكان ملتقي الفنانين والادباء والسياسيين والمفكرين ، وفي هذا العام ايضا بدأ العمران بالانتشار في حدائق القبة علي مساحة 96 فدانا علي يد شركة بناء ارض حدائق القبة واشرف علي المشروع منصور شكور باشا ، وفي منتصف العام عُين طلعت باشا حرب مديرا لشركة العقارات المصرية ولشركة كوم أمبو خلفا للمدير اليهودي، وفي نفس العام تخرج المناصل الوطني عزيز المصري من كلية اركان الحرب ، وقتها كان المسرح الوحيد للتمثيل في القاهرة هوالتياترو المصري في شارع عبد العزيز وكان الشيخ سلامة حجازي هو مطرب الفرقة التي كان يملكها إسكندر فرح ولكن بعد انتشار السينماتوغراف تحول المسرح إلي سينما أوليمبيا ، في نفس العام تأسس النادي الاوليمبي ،وباعت الحكومة 5952 فداناً صحراوياً إلي باغوص نوبار باشا والي مصر ، والبارون أمبان لإنشاء مشروعات إسكان وتشغيل خط مترو لربطها بالقاهرة ، وفي هذا العام افتتح السلطان حسين كامل قصر البارون ، الذي كان نواة لإنشاء مدينة هوليوبولس او ما تعرف الان بمصر الجديدة ، وقد يدهش البعض عندما يعرف ان تعداد سكان حي الزمالك في 1905 كان 250 نسمة فقط لا غير!
مدرسة الفرير
هكذا كانت القاهرة في العام الذي ترك فيه نجيب الريحاني مدرسة الفرير بالخرنفش وهو في السادسة عشر من عمره ، ودون ان يقول لنا معلومة عن المدرسة التي تلقي فيها تعليمه بالفرنسية ، ومن جانبنا نقدم لمحة بسيطة عن تلك المدرسة، ففي عام 1847 أبحر من تركيا الي ميناء الأسكندرية أربعة أخوة لانشاء مدرسة لتعليم الفقراء في مصر فأفتتحوا مدرسة مجانية بشارع الراهبات بالمنشية في الأسكندرية ضمت 120 تلميذا من أولاد العمال والفقراء، وفي يوليو 1848 افتتحوا مدرسة ثانية بمصروفات لأولاد الأسر الثرية استجابة لطلب ذويهم ولمواجهة مصاريف المدرسة المجانية ، وفي فبراير 1854 انشأوا مدرسة صغيرة انتظم فيها أولاد حي الموسكي ، وفي 1858أهداهم خديوي مصر سعيد باشا قطعة أرض في حي الخرنفش لبناء مدرسة سميت بمدرسة القديس يوسف التي عرفت بمدرسة الفرير والتي تلقي فيها الريحاني دراسته ، وتخرج منها بشارة واكيم وانور وجدي وعبد الفتاح القصري وفريد الاطرش وداوود حسني، د. بول غليونجي، والمطران بولس انطاكي.. وآخرين.
الشيخ بحر
نستكمل مع الريحاني ما توقفنا عنده ليحدثنا عن الشيخ الذي اكتشف فيه موهبة التمثيل فيقول:
" كنت في عهدي هذا اميل إلي دراسة آداب اللغة العربية ، واتوسع في الحصول علي أكبر قسط من فنونها ولاسيما الشعر وتاريخ الشعراء ، لم اكتفي اذاك بما كنت اتلقي في المدرسة فجيء لي بمدرس خاص اسمه الشيخ بحر ، كان يسر كثيرا حين كنت القي بعض المحفوظات بصوت جهوري ، ونبرات تمثيلية ، واشارات تفسيرية ، وما إلي ذلك مما كان يعتبره الشيخ بحر نبوغا وعبقرية.
أما كيف تولدت عندي هواية التمثيل فقد نشأ ذلك من اعجاب استاذي الشيخ بحر بي وبالقائي ، كذلك كانت المدرسة تكلف طلابها بين وقت وآخر بتمثيل بعض الروايات علي مسرحها ، وكثيرا ما كنت اندب لتمثيل الادوار الهامة في هذه الروايات . وحين هجرت المدرسة اندمجت في سلك موظفي البنك الزراعي بالقاهرة . وتشاء المصادفات الغريبة ان يكون بين موظفي البنك في ذلك العهد الاستاذ عزيز عيد الذي لم يكن عمله هذا يمنعه من موالاة التمثيل .
أول غرام
وهنا اري ان اشير إلي اول رواية اشتركت في تمثيلها وهي رواية " الملك يلهو " وكان قد ترجمها اديب اسمه احمد كمال رياض بك ، واذا كنت قد اشرت إلي اول رواية فليسمح لي القاريء العزيز ان اعرج علي اول غرام علق به قلبي ، كنا نجلس في قهوة اسكندر فرح المجاورة لمسرحه بشارع عبد العزيز »التي تحولت لسينما اوليمبيا«، وكان بين الممثلين من زبائن هذه القهوة الممثل القديم علي افندي يوسف الذي اصبح بعد ذلك من عتاة متعهدي الحفلات . وكان لعلي " قطقوطة " من بين الممثلات ما تزال حتي كتابة هذه المذكرات في عنفوان .. " الشيخوخة " تحتل احد اركان قهوة الفن ، كما كانت في الماضي تأوي إلي مثل هذا الموضع من قهوة اسكندر فرح ، وتلك القطقوطة هي السيدة " ص . ق " . كان علي يوسف يعتز بصداقة هذه " الفتاة " باعتبار ما كان ، فلما كنت اذهب لأشاركهما الحديث ، كانت نظرة .. فابتسامة .. فمش عارف ايه ..فشبكان !!
وظلت اواصر الصداقة تنمو بيني وبين فتاة علي يوسف هذه ، بينما كانت تتراخي بينها وبين صديقها ، دون ان يعلم الرجل من امرنا شيئا !!
وآخيرا " لعب الفار في عبه " .. وقاتل الله الفئران كلها من اجل خاطر هذا الذي لعب في عب ابي يوسف . اقول ان الشك بدأ يساوره ، لكنه كان علي جانب كبير من اللؤم ، فلم يبدي لنا شيئا مما في نفسه وعمل علي مراقبتنا من حيث لا نشعر !!
يا مولاي
كنت في ذلك الوقت ظبيا في السادسة عشر او السابعة عشر من عمري ، ومع عدم المساس بفضيلة التواضع اري ان لامانع من الاعتراف ان " خلقتي " لم تكن تقارن ب .. استغفر الله العظيم خلقة الصديق اللطيف علي يوسف ، زد علي ذلك انني كنت موظفا مضمون الايراد ، في حين كان منافسي " يامولاي كما خلقتني ".
كل هذه العوامل شدت ازري وقوت سببي فاتفقت مع الغزال النافر ، علي تمضية نهاية الاسبوع في الاسكندرية بعيدا عن علي يوسف ورقابته القاسية.
ومعروف ان يوم الاحد هو موعد العطلة الاسبوعية في البنوك ، فحصل الرضا والاتفاق بيني وبين .. محبوبتي !! ، علي ان نغادر القاهرة ظهر السبت إلي الثغر ، ثم نعود منه صباح الاثنين ، ولكن اسمع ما حدث...
قبل موعد الخروج من البنك زارني في مكتبي الصديق علي يوسف والح علي في ان اقرضه شيئا من المال لأنه دعا بعض زملائه إلي نزهة خلوية ، ولذلك يحتاج إلي كذا »من الفلوس «! .. فأعطيته ما طلب وانا احمد الله " علي زحلقته " وادعو بطول العمر لاصدقائه اولئك الذين شغلوه عني في هذا الظرف السعيد . وودعت ابا يوسف إلي الباب وعدت إلي مكتبي مطمئنا. وفي الموعد المحدد قصدت إلي محطة سكة الحديد فوجدت »الكتكوتة« علي احر من الجمر في انتظاري علي رصيف القطار الذي امتطيناه وقلوبنا ترقص فرحا.
وسار القطار بنا ينهب الارض نهبا ونحن نحلم بالسعادة التي سترفرف علينا بأجنحتها في الثغر الباسم!
ووصل بنا القطار إلي الاسكندرية فنزلنا نسير وخلفنا »الشيال« يحمل حقيبتنا المشتركة وما كدت اسير خطواط متأبطا ذراع المحبوبة ، حتي برز امامي عزرائيل! .. في ثياب الصديق الملعون .. علي يوسف !! ، لقد اقترض اللعين مالي .. واشتري منه تذكرة السفر وجاء معنا في عربة اخري في القطار نفسه ، وراح يستقبلنا هاشا باشا مرحبا ، وهو يمد يده لي بالتحية شاكرا اياي علي قيامي بدفع نفقات السفر ، لحضرته ولحضرة بسلامتها " الست المصونة والجوهرة المكنونة ".. التي استلبها مني وتركاني اعض بنان الندم . واصارحك ايها القاريء الحبيب بأن الدنيا اظلمت في عيني في تلك اللحظة واحمد الله اذ كنت خاليا من السلاح . ولم اكن احمل حتي ولا سكينة تقشير البصل ، فأغسل بها الشرف الرفيع من الاذي!!، وذهب العاشقان بينما ظللت واقفا في مكاني ، حتي دنت ساعة القطار العائد إلي القاهرة فامتطيته وجئت اضرب اخماس في اسداس .!!

تلك كانت رواية نجيب الريحاني عن »القطقوطة« التي اعتبرها اول غرام في حياته ، واشار لها في مذكراته ب " ص . ق " لأنه لم يشأ ان يذكر اسمها صراحة لأنها كانت علي قيد الحياة وقت نشر مذكراته ، ما لم يفصح عنه نجيب الريحاني ان من وصفها بالغزال النافر تكبره باحدي عشر عاما ، فهي من مواليد 18 مايو 1878 لعائلة يهودية تسكن القاهرة ، كانت تتمتع بجمال صارخ في مرحلة المراهقة والصبا ، وقد اكتشفها محمود حجازي ، شقيق الشيخ سلامه حجازي ، وتعتبر أول أمرأة تمثل علي المسرح بدلا من الرجال ، وقد عملت في عام 1904 مع الشيخ سلامه حجازي في مسرحية »ضحية الغواية«، كما عملت في فرقة عزيز عيد في مسرحية »الملك يهوب«، وعملت في مسرح نجيب الريحاني ، وقد أشهرت إسلامها عام 1929 بينما هاجرت أختها جراسيا الي إسرائيل التي دخلت مثلها في مجال التمثيل، وشاركتها في تمثيل عدد كبير من الافلام قبل هجرتها لاسرائيل، بينما بقيت صالحة قاصين بالقاهرة تمثل للسينما حتي رحيلها عن الدنيا عام 1964 عن عمر يناهز السادسة والثمانين وكانت قد اصيبت بداء الزهايمر في اواخر حياتها ، وقد مثلت للسينما اكثر من 180فيلما.
أحببت الميلو دراما
نعود لنجيب الريحاني الذي يواصل سرد عشقه وغرامه بالتمثيل التراجيدي فيقول : " لنعد إلي غرامي بالتمثيل.. فلم اكن في هذا الوقت اميل للكوميديا ، بل كانت كل هواياتي منصبة علي الميلودراما الجادة وحدها ،وكم كنت استظهر قصائد هيجو واشعار المتنبي ولزوميات ابي العلاء المعري، ثم اخلو بنفسي في المنزل، وهات ياالقاء، وخد يا تمثيل، حتي ضجت والدتي وكاد » يهج« من البيت اخوتي. ومع ذلك فإنني لم اكن اعبأ بمثل هذه العراقيل مادمت ارضي هوايتي وبعدها الطوفان. وفي سنة 1908 استقال الاستاذ عزيز عيد من عمله في البنك والف فرقته التمثيلية الاولي، مشتركا مع الممثل القديم سليمان الحداد. وقد احتلت هذه الفرقة مسرح اسكندر فرح بشارع عبد العزيز. وكانت رواياتها تترجم عن الفرنسية وكلها من نوع الفودفيل، ولعل القراء الافاضل لم ينسوا بعد روايات » ضربة مقرعة« و»الابن الخارق للطبيعة« و»عندك حاجة تبلغ عنها« و »ليلة زفاف«. والمسرحية الاخيرة ترجمها الاديب الكبير الياس فياض. وقد كنت بحكم ارتباطي برابطة الزمالة مع الاستاذ عزيز عيد في البنك عضوا في الفرقة ، وكانت تسند لي في هذه الروايات ادوار ثانوية صغيرة، ولم يكن هذا ليضيرني لأني كما قلت لم اكن اميل لهذا النوع اطلاقا.
وهنا كان اهمالي لعملي في البنك قد بلغ حدا لا يحتمله احد والشهادة لله. فكم من ساعات بل ايام كنت اتغيبها وكم من ممثلة كانت تقتحم علي مكتبي في البنك ذ وخصوصا منية القلب الست بص. ق ا ولم تجد ادارة البنك إزاء هذه الحالة الصارخة إلا ان تستغني عن عملي. واي عمل يا حسرة ؟ .. هو انا كنت بشتغل ؟!
السنافور مفتوح
لم يكن لي مأوي بعد هذا »الرفت« القاطع إلا قهوة الفن - أمام تياترو اسكندر فرح - أو منزل »حبيبة الفؤاد« في غيبة »صديق الطرفين« الاخ علي يوسف !.
ومدام الحديث قد جرنا إلي هذين الصديقين فلنعرج عليها بحادثة اخري كاد يغمي علي بعدها. ذلك ان الفتاة - بأعتبار ما كان - اتفقت معي علي اشارة معينة هي انها اذا وضعت نورا في النافذة كان معني ذلك ان عليا ابن يوسف غائب عن البيت ، وان في وسعي ان ازورها ، والعكس بالعكس.
وفي احدي الليالي تراءي لي ان نورا يشع من النافذة ، فعرفت ان الطريق خال وان السنافور مفتوح، فخلعت حذائي وتأبطته ثم صعدت درجات السلم بلا بصوت مسموع، وطرقت الباب طرقا خفيفا جدا .واذا الفاتح !! .. الفاتح هو غريمي العزيز علي يوسف !! الذي تناول الحذاء من يدي، وتركني اعدو، إلي الشارع ببدلتي حافي القدمين !!
أربع جنيهات
أعود إلي قهوة الفن اياها . فأقول انني اتخذت منها - بعد فصلي من البنك - محلا مختارا. وبعد ايام صادفني فيها الاستاذ امين عطا الله فعرض علي ان اسافر معه إلي الاسكندرية بدال اللطعة اللي انا ملطوعها، لأن اخاه الاكبر سليم عطالله الف فرقته هناك وهي محل عطف البلدية التي تساعدها باعانة مالية ، وقبلت بالطبع هذا العرض ولا سيما ان المرتب كان مغريا جدا.. أربعة جنيهات مصرية في الشهر!. وهو اول مرتب ذي قيمه تناولته من التمثيل.
كانت فرقة المرحوم سليم عطا الله معتزمة تمثيل رواية " شارلمان الاكبر«، ولما كان العرف يقضي في ذلك الوقت بأن يسند دور البطولة إلي مدير الفرقة - سليم عطا الله- فقد كان نصيبي هو الدور الثاني وهو دور »شارلمان« نفسه.!
وتهيأت لي الفرصة التي كنت ارقبها من زمن وهي ان يسند لي دور في احدي المسرحيات الميلودرامية . وفي نهاية الفصل الثالث من الرواية مشهدرائع وحوار بديع ، بين »شارلمان« وبين بطل الرواية - سليم عطا الله - وقد اجهدت نفسي في اداء هذا المشهد وبذلت قصار جهدي. فكان لي ما ابتغيت . اذ حالفني النجاح بشكل لم اكن انتظره، حتي لقد افهمني الكثيرون انني طغيت علي البطل نفسه واغرقته في لجة الاعجاب التي سبحت فيها ظافرا.
وحين اسدل ستار هذا الفصل، هالني ان جمهرة من الفضلاء والأدباء -بهم من اصدقاء مدير الفرقة- صعدوا إلي كواليس المسرح وقابلوا المدير في غرفته وطلبوا استدعائي حيث اجزلوا تهنئتي، ونصحوا المدير بالاحتفاظ بي، لأنني سأكون -علي حد قولهم - ممثلا لايشق لي غبار. وفرحت، لا " بل زقططت " بعد هذا المديح الذي انهال علي من حيث لا احتسي. وفي صباح اليوم التالي استدعاني الاستاذ سليم مديرنا »رحمه الله« فقلت يا واد جاك الفرج ! ، وظللت اخمن واحذر مقدار العلاوة التي سيتحفني بها وان كنت انا شخصيا قانعا بالجنيهات الاربعة التي ربطت لي.
الفشل الزؤام
وحبكت ازرار جاكتتي ، ودخلت علي مديري باسما متهلالا معللا نفسي بالامال قائلا في سري ... انه يكفيني ان تكون العلاوة جنيها واحدا " وخليني لطيف«، لأن »الطمع يقل ما جمع«. وبعد هذا الحوار الظريف بيني انا نجيب الريحاني وبين نفسي التي هي أمارة بالسوء ، ابتدرني المدير قائلا بتلك الجملة المأثورة التي لا يزال صداها يرن في اذني: " انا متأسف جدا يا نجيب افندي لأن الفرقة استغنت عنك..!! "
يا نهار زي الحبر يا ولاد!!.. استغنت عني!!.. وهل يعتبر النجاح جرما يعاقب عليه الممثل ؟ ، واذا كان الامر كذلك فلما لم تصدر لي الاوامر قبل التمثيل حتي كنت الجأ إلي السقوط التام والفشل الزؤام.!
نهايته .. لم اجد فائدة من الاخذ والرد فأخذتها من قاصرها وعدت ادراجي إلي القاهرة ، وفي قهوة الفن متسع للجميع !!
ومن فات قديمه تاه !!!

تري ماذا سيفعل الريحاني في القاهرة .. هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.