لاشك أن الاتحاد السوفيتي فوجئ بنتائج عدوان إسرائيل عام 1967 التي أدت إلي استيلائها علي سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس، كان الاتحاد السوفيتي يراقب تطور الأوضاع قبل نشوب الحرب بعد اغلاق مصر لخليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية ومعارك الطيران بين سوريا وإسرائيل والغاء مصر وجود قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة وطلب سحبها، كانت الولاياتالمتحدة تعلم بالتحركات الإسرائيلية وتدعمها خاصة أن الرئيس الأمريكي جونسون كان مواليا إلي أقصي حد لإسرائيل ودفعه اللوبي الإسرائيلي إلي مباركة التحركات الإسرائيلية. الاتحاد السوفيتي كان أقل نشاطا من الولاياتالمتحدة وإن كان في تصريحاته العلنية مؤيدا للعرب ومدينا لسياسات إسرائيل. في الحلقة السابقة تعرضنا إلي الخطاب (السري في وقته) الذي ألقاه برجينيف أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي يوم 20 يونيو 1967 أي بعد العدوان وآثاره بأسبوعين وحاول أن يشرح فيه لكوادر الحزب وقادته موقف موسكو إذ كان هناك نوع من الاستياء بين بعض أوساط الحزب والرأي العام السوفيتي وإن كان غير ظاهر من نتائج هزيمة العرب، علي الاتحاد السوفيتي نفسه. شرح برجينيف موقف موسكو من التطورات التي سبقت الحرب والخطوات التي اتخذتها من أجل دعم الجمهورية العربية المتحدة (مصر) وسوريا لإجهاض نوايا إسرائيل العدوانية، قائلاً أن بلاده كانت تراقب بدقة هذه التطورات خلال الشهور السابقة علي الحرب حيث كانت هناك شواهد أدت بالاتحاد السوفيتي إلي استنتاج أن أزمة دولية كبيرة ستشب وأن إسرائيل تستعد لشن عدوان بمساعدة القوي الغربية، وتلقي الاتحاد السوفيتي في منتصف مايو، وهو يريد أن يؤكد مغزي هذا التاريخ، معلومات أنها ستقوم بهذا العدوان ضد سوريا والدول العربية الأخري، لاحظ هنا أنه لم يذكر اسم مصر وإنما خص سوريا فقط وهذا يتوافق مع ما قيل أنه هو الذي أبلغ عبد الناصر بنية إسرائيل مهاجمة سوريا وهو ما دفع عبد الناصر إلي اتخاذ سلسلة الإجراءات الداعمة في رأيه للموقف السوري والتي أشرنا لها في بداية المقال، وحتي الآن لم تحسم المسألة هل كان الاتحاد السوفيتي يريد توريط مصر التي صدقت معلوماته أو أنه كان يريد مجرد دعم سوريا بواسطة الدول العربية الأخري خاصة أنه كان يعتبر أن النظام الحاكم في دمشق في تلك الفترة كان أقرب إلي الاتحاد السوفيتي من مصر. أضاف برجينيف أن المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي قرر تحذير كل من مصر وسوريا اللتين ابلغتا موسكو انهما تتخذان الخطوات الضرورية وأن قواتهما المسلحة قد وضعت في أقصي حالات التأهب. ولكنه قال عبارة مهمة: إنني يجب أن أقول لكم أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة اتخذت عدة خطوات غير مدروسة وغير جيدة لأنها فجأة في 19 مايو 1967 طلبت من قيادة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أن تنحسب من خط وقف اطلاق النار، وقد فسر لنا المشير عامر نائب الرئيس، أن تعبئة القوات المسلحة علي طول حدود إسرائيل الجنوبية تهدف إلي ردع إسرائيل من تكثيف قواتها علي الحدود السورية والقيام بعمليات عسكرية ضد سوريا، وفي 22 مايو 1967 ابلغ الرئيس عبد الناصر السفير السوفيتي في القاهرة فينوجرادوف أن الوضع في الشرق الأوسط يتحسن بسرعة نتيجة الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها مصر، وأعرب عبد الناصر عن تصميمه علي مساعدة سوريا في حال هاجمتها اسرائيل، وابلغ السفير أن القاهرة اغلقت خليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية وسفن الدول الأخري التي تحمل سلعا استراتيجية إلي إسرائيل، وللأسف فان حكوماتنا لم يتم اخطارها مسبقا بهذا العمل الذي أدي إلي نتائج خطيرة». وبذلك يكون برجينيف قد ألقي باللوم علي عبد الناصر مباشرة وبأن مصر هي المتسببة دون داعٍ في تصيعد الموقف وأنها لم تتشاور كما يجب مع القيادة السوفيتية قبل اتخاذ هذه الاجراءات المتسرعة والخطيرة. في الحقلة المقبلة نري ما ذكره برجينيف أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، الذي عمم فيما بعد عن طريق وارسو علي الأحزاب الشيوعية الرئيسية في شرق أوروبا التي كانت أعضاء في الحلف. أمين عام الجمعية الأفريقية