الآية التالية تنص علي أن الله أوحي إلي محمد، كما أوحي إلي نوح، ثم قال والنبيين من بعده أي من بعد نوح، ثم ذكر إبراهيم وبقية الأسماء، مع أنهم أيضا جاءوا من بعد نوح، ولكن الآية فصلت بينهم وبين النبيين الذي جاءوا من بعد نوح، لأن الذين جاءوا من بعد نوح ليسوا كلهم أنبياء بل كان فيهم رسل أمثال: إبراهيم وإسماعيل وعيسي وأيوب ويونس وهارون، وهؤلاء لم يكونوا أنبياء قبل مجيء الرسالة إليهم، بل اكتسبوا النبوة بعد تكليفهم بالرسالة، والأنبياء الوحيدون الذين ذكرتهم الآية هم: إسحاق ويعقوب وداود وسليمان، لأن رسالة التكليف جاءتهم بعد اكتسابهم النبوة، وسوف نفصل هذا في مقالاتنا القادمة عند حديثنا عن الرسل، قال تعالي: (إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوْحَينَا إِلَي نُوحٍ وَالنَّبِيينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَينَا إِلَي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَي وَأَيوبَ وَيونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيمَانَ وَآتَينَا دَاوُودَ زَبُورًا). (163- النساء). والآية التالية تنص أيضا علي أن إسحاق ابن إبراهيم وحفيده يعقوب كانوا أنبياء قبل أن يكلفوا بالرسالة، ولم يأت ذكر إسماعيل ابن إبراهيم الأكبر في نص الآية، وذلك لأن إسماعيل جاءته النبوة بعد الرسالة، ولم يكن نبيا قبل الرسالة كأخيه إسحاق وابنه يعقوب علي ما سنبينه فيما بعد، قال تعالي: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيا). (49- مريم). وفي آية أخري، قال تعالي عن إسحاق، (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيا مِّنَ الصَّالِحِينَ). (112- الصافات). ومن الذين كانوا أيضا أنبياء قبل التكليف بالرسالة كان النبي يحيي عليه السلام، قال تعالي: (أَنَّ اللّهَ يبَشِّرُكَ بِيحْيي مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيدًا وَحَصُورًا وَنَبِيا مِّنَ الصَّالِحِينَ). (39- آل عمران) أما الآية التالية فتنص علي أن الله يجيء بالنبيين يوم القيامة وليس بالرسل، قال تعالي: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِي بَينَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يظْلَمُونَ). (69- الزمر). أما الرسل فسيجمعهم الله يوم القيامة كما قال تعالي: (يوْمَ يجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيوبِ). (109- المائدة). أما الآية التالية فتنص علي الكتاب الذي هو التكليف والرسالة وأنه يرثه الأنبياء من آبائهم الذين كانوا رسلا وأنبياء بعد اكتساب الأبناء النبوة، فجعل الله اكتساب النبوة في الأبناء أولا، ثم يرثوا الكتاب الذي هو التكليف ثانيا، قال تعالي: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ). (26- الحديد). أما الآية التالية فتنص علي أن الرسالة التكليفية التي كلف الله بها أنبياء بني إسرائيل من بعد موسي هي الحكم بالتوراة، وقد جاءهم التكليف بأن يحكموا بالتوراة بعد أن اكتسبوا النبوة، قال تعالي: (إنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًي وَنُورٌ يحْكُمُ بِهَا النَّبِيونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيهِ شُهَدَاء) (المائدة- 44). إذن نتبين من الآية السابقة أن أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا من بعد موسي كانت رسالتهم التي كلفهم الله بها هي: أن يحكموا بالتوراة بين اليهود والربانيين والأحبار، وتلك كانت رسالتهم. ونتبين أيضا أنهم كانوا أنبياء قبل أن يكلفهم الله بالحكم بالتوراة. مما سبق نتبين أن الله أرسل أناسا كانوا أنبياء ولم يكونوا أشخاصا عاديين، وبعد اكتسابهم النبوة كلفهم الله برسالته إلي الناس، أما في الحال الثانية وهي حال الرسل، فقد بعث الله أشخاصا عاديين ولم يكونوا أنبياء، وبعد تلقيهم الرسالة وتصديقهم بها يكتسبون النبوة، ومن هؤلاء الأشخاص الذين اصطفاهم الله رسلا إلي الناس ثم اكتسبوا النبوة بعد ذلك كما جاء في القرآن الكريم هم: نوح وإبراهيم وإسماعيل ولوط وهود وصالح وشعيب وإلياس وأيوب ويونس وموسي وعيسي ومحمد عليهم السلام، إذن النبي هو من اكتسب النبوة قبل الرسالة، والرسول هو من اكتسب النبوة بعد الرسالة، ونفصل ذلك في المقال القادم.