كلمة نوح اسم سامي ويعني بالعربية »راحة« وهو من نسل شيث الابن الثالث لآدم بعد قابيل وهابيل وكان نوح بارا مؤمنا إيمانا مطلقا بالله إلا أن قومه كانوا قد فسدوا وخرجوا عن الطريق القويم فأرسل الله نوحا لينذرهم ودعاهم إلي طاعته وعبادة الله الواحد وترك ما يعبدون واستغفار الله ولكنهم ازدادوا عنادا »وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا« (23) (نوح)، وهذه كانت أهم الأصنام عندهم وظلت تعبد في الجاهليات وقصة نوح حافلة بالآيات والعبر، فهو عليه السلام شيخ الأنبياء لأنه أطولهم عمرا (ألف وخمسين سنة) فقد بعث في الأربعين من عمره وأخذ يدعوا قومه 950 سنة ولكنهم لم يؤمنوا وعاش بعد الطوفان ستين عاما ورغم ذلك ازداد قومه عنادا وقالوا إنا ما نراك إلا واحدا منا لا مزية لك علينا ونحن لا نتبع من آمن به من لا يفكرون وهم الفقراء أما نحن فأكثرهم ثراء وشككوا في نبوته وأثاروا حول رسالته الشكوك، ورد عليهم نوح بالقول لا اطلب منكم أجرا إنما أجري عند الله ونوح عليه السلام هو النبي الثالث ممن ذكروا في القرآن بعد آدم وجده الأكبر إدريس وهو أول الرسل الخمسة من أولي العزم (الذين صبروا علي مَا كُذِّبُوا) وهم نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد، كما ذكر عليه السلام في ثلاثة وأربعين موردا في القرآن وذكرت قصته بشيء من التفصيل في كل من سور الأعراف وهود والمؤمنون والشعراء والصافات والقمر ونوح، كما أشير إليها في سور أخري حسب السياق والعرض الذي جاءت فيه ولكن أكثرها تفصيلا ما جاء في سورة هود يقول تعالي اوَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَي قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ(25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ(26)« (هود)، ولما لم يستجب قوم نوح للإنذار حقت كلمة الله وأمر نوحا بصناعة الفلك وقصة سفينة نوح مليئة بالدروس فيقول تعالي »وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ« (هود:37) أي اصنع الفلك في رعايتنا وتحت نظرنا لأن أي خطأ بشري في هذا العمل العملاق نتائجه وخيمة ولا تحادثني فيمن ظلموا أنفسهم وهم لا محالة مغرقون ويقول تعالي في الآية 40 من السورة نفسها»حَتَّي إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ« بمعني أنه إذا جاء ماء من التنور وهو ما يخبز فيه الخبز وهذه علامة بين الله ونوح لبدأ الطوفان وأمرًا بتحميل السفينة بمن اختارهم الله فقط لأن من أهله كافرين وهم في هذه الحالة ليسوا من أهله والله أعلم بالسرائر، وسارت السفينة باسم الله مجريها ومرساها وفي الموعد المعلوم (بعد أربعين يوما وليلة) كان أمر الله بوقف الطوفان ورست السفينة علي الجبل الذي يقول فيه بعض المفسرين أنه جبل آراراط وهو لفظ عبري وقد أطلق علي منطقة جبلية شمال آشور ويقال أنها تقع بالقرب من مدينة الموصل بمحافظة نينوي العراقية علي الحدود التركية بينما يذكر القرآن أنها رست علي الجودي وهنا تبرز الأسئلة التي تطرح نفسها وهي هل الجودي هو نفسه آراراط وهو الاسم القديم له أم هل يعتبر الجودي جزءا من آراراط أم أنه مكان آخر؟ لذلك قامت مجموعة من الباحثين الأجانب بالدراسة باستخدام الباحث الأرضي جوجل لاستجلاء الأمر فتبين أن الجودي يقع ضمن الحدود التركية حسب التقسيم الحالي وتمكن الباحثون من الوصول إلي قمته فوجدوا أن هناك بقايا متحجرة من سفينة نوح وهذا يتطابق مع ما ذكره القرآن وهكذا نزل نوح عليه السلام من السفينة وليس من بني آدم أحياء إلا الذين معه حيث غرق جميع من علي الأرض وجعل الله سبحانه وتعالي كل من كانوا معه عقما ولم يولد إلا لنوح وزوجته حيث مات الباقون وبالتالي لم يبق علي الأرض إلا ذرية نوح ولذلك يسمي نوح آدم الثاني أو أبو البشر الثاني لأن جميع الناس ينتسبون إليه وهذا مذكور في القرآن »وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)« (الصافات) كاتب المقال : استاذ بمركز البحوث الزراعية