في سلسلة مقالاتي عن العمق الاستراتيجي لمصر في جنوبها الأفريقي، بل في كل أرجاء أفريقيا، ضمن ملف هام جدًا هو ملف حوض النيل وعلاقة مصر العميقة مع هذه الدول، وكل الأدوار الوطنية المصرية التي تقوم بمد الجسور بين هذه الدول ومصر، منذ عشرات بل مئات السنين نأتي إلي «الأزهر الشريف» ودوره العظيم حيث كان يفد إلي مصر مسلمو الحبشة لتلقي العلم في الجامع الأزهر، وقد خصص لهم رواق عرف باسم (رواق الجبرتية) وبرزت منهم طائفة من العلماء وأمثال الشيخ الإمام «الزيلعي فخر الدين عثمان بن علي شارح الكنز» وتوفي عام 1343 والعارف بالله الشيخ «علي يوسف بن محمد» المتوفي في 1361ميلادية والشيخ «علي الجبرتي» وتوفي عام 1493 ميلادية. كذلك وصلت (الكارمية) بمتاجرهم إلي بلاد الحبشة وبلاد الصومال، ولعل الأقمشة المصرية الحريرية والقطنية هي التي يستخدمها ويتاجر فيها الحبشيون مع المصريين. ولقد استمرت تلك العلاقات علي مر السنين وكان ازدهارها في عصر الامبراطور «هيلا سلاسي» والرئيس «جمال عبدالناصر» وإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية في أثيوبيا مقرها، وكذلك كانت العلاقات التجارية تسير جنبًا إلي جنب مع العلاقات الدينية التي كانت فيها الكنيسة القبطية المصرية هي التي تُرسِّمْ الكرادلة الأحباش، حتي عام 1959 حينما استقلت الكنيسة الأثيوبية في احتفالية كبيرة حضرها الرئيس والامبراطور في الكنيسة القبطية في القاهرة والإسكندرية والأكثر من ذلك تلك البعثات التعليمية في الجامعات المصرية - حيث يفد إلي مصر مئات وآلاف الطلاب لكي ينالوا تعليمهم الجامعي والدراسات العليا في مصر في منح من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية. ولقد كانوا هؤلاء الطلاب والخريجين فيما بعد هم سفراء مصريون من أصل أثيوبي في بلادهم وكانت شركة مصر للتصدير والاستيراد والمنتشرة فروعها في كل العواصم الأفريقية هي الكوبري العظيم بين منتجاتنا المصرية والأسواق الأفريقية وكذلك رؤساء أفريقيا وتصاهرهم مع مصر في زيجاتهم من مصريات مثل (كوامي نيكروما) والسيدة فتحية، تلك العلاقات والمصاهرة بين مصر والأفريقيين كانت هي الاستراتيجية المصرية من قديم الزمان والحديث من الزمان ومازلنا في طريقنا لإعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه علي يد مجموعة محترمة تقودهم بفكر عالٍ السيدة السفيرة «فايزة أبو النجا». ونرجو أن تجد المعاونة الإدارية والسياسية والاجتماعية لكي تعيد ما فقدناه خلال حقبات الستينيات وإنهاء الإغماء العام الذي أصابنا وإعادة تلك الاستراتيجية المهمة للعمق الأفريقي للوطن الأم مصر «أم الدنيا»!!