ملف العلاقات المصرية - الإفريقية، هو الملف الأكثر أهمية والأكثر خطورة لمستقبل الأمة المصرية - ليس فقط منذ توتر العلاقات بين مصر والسودان ودول حوض النيل السبع، وليس فقط منذ عصر الثورة المصرية منذ 1952 وحتي وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مساء يوم الاثنين 28 سبتمبر 1970، وانتهاء زعامة وطنية مصرية وعربية وافريقية بل وعالمية حرة، حيث كانت افريقيا علي رأس أجندة العمل الوطني المصري خلال تلك المرحلة الناصرية. بل تمتد تلك العلاقة إلي عصور قديمة، لعل أهم ما ورد في المراجع العربية عنها في العصور الوسطي بعد الفتح الإسلامي لدول شمال أفريقيا وعلي رأسها مصر، وقيام دويلات إسلامية مختلفة منذ الدولة العباسية وأهمها (مراكش) (788 إلي 985 ميلادية) وتونس (800 ، 909 ميلادية) والجزائر (1007 ، 1072 ميلادية) والمغرب (1556 ، 1147 ميلادية) والأندلس (أسبانيا) 1130 ، 1269 ميلادية، وقبل كل تلك الدويلات الإسلامية كان الفتح العربي والإسلامي لمصر عام (640 ميلادية) وهي مفتاح الدخول ونشر الإسلام في قارة إفريقيا شمالها وغربها وجنوبها، وكانت أول أواصر العلاقات المصرية الإفريقية بجانب العوامل الجغرافية، وامتداد نهر النيل من الجنوب الشرقي للقارة، دول إثيوبيا ودول حوض النيل إلي شمالها، كانت قوافل الحجيج إلي مكةالمكرمة، ولظروف جغرافية شديدة الصعوبة ووعورة الطرق الصحراوية المؤدية إليها من «مصر»، ولوجود دروب صحراوية عرفناها تاريخيًا باسم «درب الأربعين» و«درب الغباري» و«درب غات»، وكلها طرق موصلة إلي «مصر» - من غرب إفريقيا - وأشهرها دولة (مالي)، وكانت القوافل المقبلة للحج عبر الأراضي المصرية التي كانت تصل لأعداد غفيرة.. وصلت مرة - حسب ما جاء في المراجع العربية الملك (منسا ولي بن ماري جاظه).. وذلك في عهد السلطان «بيبرس» عام 724 هجرية الموافق 1323 ميلادية أكبر مشهد لوفد الحجيج المسجل، إذا بلغ عدد الحجيج في هذا الموكب إلي أكثر من عشرة آلاف حاج حسبما ذكره (إبن الوردي)، مما أتاح للمصريين فرصة عظيمة لمعرفة الكثير من أحوال تلك البلاد، وقد ذكر «العمري» في كتاب (مسالك الأبصار) ما بلغه عن أنباء ذلك الركب (المالي)، واستمر الحديث عنه وعن أخباره بعد رحيله سنين عديدة، وقد ندب السلطان «الناصر محمد» للإشراف علي ضيافة (ملك التكرور «المالي») الأمير «أبي الحسن علي» و«الي مصر». ولعل السرد التاريخي السابق يذكر لنا عمق الإهتمام المصري بالشعوب الإفريقية ولن نعود إلي الملكة (حتشبسوت) وأسطولها البحري الذي كان ينقل التجارة من وإلي «الصومال والحبشة» في الجنوب الشرقي من القارة. ولعل التجارة كانت هي الوسيلة الثالثة في العلاقات، حيث بعد العلاقات التي حتمتها الطبيعة كالنيل ومجراه الطبيعي والدروب الطبيعية للحجج والتجارة والمقايضة بين تلك الدويلات «ومصر»، كل هذه العلاقات توطدت عبر السنوات الطويلة في ربط مصائر شعوب القارة ببعضها.. وإلي حديث آخر في هذا الملف!!