هذه العبارة هي التي تؤكد حالة الدهشة التي نعيش فيها جميعا, والعبارة جاءت في نهاية هذا الكتاب الذي صدر أخير( اسرائيل في النيل) حيث راحت د. زبيدة عطا تعرض بوعي فائق لهذه العلاقة التي تبدو كأنها أمر جديد. وهي ليست كذلك, حين تثار مشاكل المياه بين دول النيل ودول المصب, فهناك تسع دول ترتبط بها مصر عن طريق النيل شريان الحياة, سبع دول منبع ودولة مصب مع مصر هي السودان.. وهناك سعي دائم في تجسيد المشكلة وإثارتها في الدول الغربية, سواء الاستعمارية علي اعتبار أن التاريخ كان يشهد سيطرة دول الغرب علي المنطقة أو الإمبريالية وحليفتها إسرائيل' الجماعة الانحيازية' في المنطقة.. ويكون علينا ونحن نعرض لكثير من مواقف كتابنا المثقفين أو المراكز البحثية الغربية التنبه إلي هذه الاتفاقات التي قامت بين إسرائيل وإثيوبيا وعدد من دول حوض النيل لبناء سدود وهو مدعم بالوثائق والمصادر التي نتعرف عليها في الدوريات والمواقع الفضائية.. وحين تعكس لنا فترة قيام الثورة في عهد عبد الناصر حيث بدا الموقف المعادي لنا في رفض تمويل السد وتأميم القناة وما تلاه من عدوان, في هذه الفترة التي نلاحظ فيها أن علاقة مصر بدول حوض النيل تمر بمراحل: المرحلة الأولي مع إنشاء السد ومواقف دول حوض النيل منه, ثم مرحلة أخري حيث أصبح عبد الناصر رمزا للنضال ضد الاستعمار, وظهرت الفكرة القومية.. الموقف الغربي المعادي بدأ مبكرا.. في هذه الفترة التي شهدنا فيها تحرك المصالح الغربية والإسرائيلية ضد الفكر الثوري في منتصف القرن الماضي... نجد هذا في كتابات بن جوريون وليفي أشكول وعبر أفعال الاستراتيجيات والمواقف الإسرائيلية; فقد كان اهتمام الغرب_ بعديد من ألوان الطيف فيه- بأفريقيا يعود إلي محاولة شغل مصر عن مواقفها النضالية ومشروعها القومي الصاعد طيلة الخمسينات والستينات, وهي الأهداف التي تصاعدت ضد المنطقة علي اعتبار السعي إلي سيطرة المعادي علي أفريقيا_ عسكريا أو ماليا- مع دول كإرتيريا أو أثيوبيا أو ليبريا أو زائير أو كينيا أو عديد من جزر البحر الأحمر.. لم يأت الخطر من حوض النيل اليوم قط.. لقد سعت مصر منذ الخمسينات_ وهو ما كان يتنبه إليه الغرب- لتوطيد علاقاتنا بأفريقيا ففي مؤتمر باندونج1955 يلاحظ رفض الدول مجتمعة السماح لإسرائيل بالمشاركة في المؤتمر, وبعد تأميم القناة_ كما لاحظت د. زبيدة_ قامت انجلترا وفرنسا وإسرائيل بالاعتداء علي مصر, وعبرت إسرائيل أن جمال عبد الناصر هو العدو الأول, وفي الوقت نفسه اتجهت أنظار أمريكا وإسرائيل لأفريقيا حينما شرعت مصر في بناء السد العالي, بل قامت أمريكا في الخمسينات باتخاذ قاعدة جوية لها بالقرب من أسمرة, واستخدمت محطة مراقبة لكل من منطقة البحر الأحمر والمحيط الهندي فضلا عن التنبه لإقامة مشاريع ضخمة لتطوير النيل الأزرق وعدد من المشاريع الأخري في أثيوبيا حيث شهدت هذه الفترة خاصة بين عامي1957 و1963 إجراء دراسة مفصلة لصالح إثيوبيا, وهي هي الفترة التي شهدت التوتر المتزايد بين مصر الخمسينات والستينات والغرب المعادي لنا حتي اليوم.. لم يكن الخطر الذي يتربص بنا بعيدا في هذه الفترة من منتصف القرن الماضي فقد كانت مصر تساعد حركات التحرر الأفريقية وتشجع فكرة الصومال الكبير كما أسهم عبد الناصر-وهو يعي أهمية ما يقوم به وخطورته-.. في تحرير عدد من الدول الأفريقية ونهضتها, ويلاحظ حينئذ أنه مع تحرر دول حوض النيل في الستينات بدأت فكرة رفض الاتفاقيات التي أبرمتها مصر والسودان فيما يتعلق بحصص المياه وذلك بإيعاز من الغرب والتأثير الصهيوني; وهي الفترة التي شهدت بدايات العديد من القضايا والإشكاليات التي تعاني منها المنطقة اليوم حيث تم عقد اتفاقات مع عديد من الدول الأفريقية ضد مصر كما شهدنا في السودان بدايات التدخل الغربي في الجنوب حيث تم دعم الحركات الاثنية والانفصالية في شابا بالسلاح ولدي شعب الهوتو في بوروندي فضلا عن تدعيم جنوب السودان ضد الشمال, والتعاون الغربي مع الحركات المناهضة في دارفور ومراجعه ما كتب في هذه الفترة يوضح هذا الدور المريب منذ فترة مبكرة لاتساع الشقاق بين الجنوب والشمال في السودان, وكيف تم مد المتمردين بالسلاح والتدريب والمشورة ضد السودان بشكل واضح وعنيف.. المتأمل لما يحدث اليوم يدرك أن ما يحدث من بعض دول المنبع ليس جديدا.. وأن ما يحدث في جنوب السودان ليس جديدا.. وأن ما يحدث في حوض النيل من حروب أهلية ليس جديدا.. ولا يخلو هذا من هدف السعي لإحياء مشروع مثل مشروع سد بحيرة تانا لتخزين المياه للتأثير في حركة المياه إلي الشمال ويلاحظ هنا أكثر من باحث_ محمد عوض محمد ومحمد عز العرب وكامل زهيري وسيد احمد خليفة وجميل عارف.. وغيرهم- أن هذا النشاط المعادي انعكس في مساندة إسرائيل ضد العرب خاصة إبان العدوان علي مصر في67 حيث لم يتخذ الأفارقة موقفا حاسما مؤيدا للعرب, وحيث أنه من بين38 دولة أفريقية غير عربية في الأممالمتحدة في ذلك الوقت كانت هناك16 دولة تؤيد إسرائيل بينما أيدت10 دول فقط الموقف العربي.. وهو ما انعكس أيضا في عديد من مواقف الدول الأفريقية التي حركت أمامها نغمة أن اليهود والأفارقة كلاهما تعرض للاضطهاد' وان التجربة النفسية متشابهة بينهما تمثلت في تجارة الرقيق للأفارقة, وما تعرض له اليهود من اضطهاد', وبدأت تثار موضوعات غريبة مثل ممارسة العرب لتجارة الرقيق في أفريقيا.. وما إلي ذلك مما يسهم في تأكيد العداء العربي للدول الأفريقية واتخاذ هذه الدول_ بالتبعية_ موقف العداء من الدول العربية خاصة ومن دول الشمال: مصر والسودان بشكل أخص.. وهو ما انعكس كذلك في الفترة الأخيرة في إثارة قضية قديمة حول حقوق مصر بمياهها وعلاقتها بدول الحوض وما يرتبط بهذا من اتفاقات تاريخية يعلن عن الارتباط ببعضها أو الرفض لأغلبها.. ** ورغم الخطوات الإيجابية التي تلتزم بها مصر اليوم إزاء موقف دول المنابع السبع, فإن ما يقال أو يكتب حولنا هنا يدفعنا إلي الدهشة: هل ما يحدث الآن في حوض النيل مع- أو ضد- مصر جديد حقا؟ وهل ما نعانيه ونعاينه من ردود أفعال مثقفينا وكتابنا جديد حقا؟ وهل ما نكتشفه اليوم- ونحن نسعي إلي المستقبل- جديد حقا؟ أسئلة بدهية لا تحتاج إلي إجابة واحدة...