الشيخ نصر الدين طوبار، الذي غيبه الموت عن العيون دون القلوب والأرواح، في السادس عشر من نوفمبر سنة 1986، من علامات ورموز دولة الإنشاد الديني في مصر.. صوت عذب، وإحساس مرهف، وخشوع يتسرب إلي سامعيه فيشعرون بالصفاء وتغمرهم الراحة والسكينة. ولد الشيخ الجليل الفنان في مدينة المنزلة، من أعمال مديرية الدقهلية، سنة 1920، وللعائلة تاريخ وطني حافل، فالجد حسين طوبار من قادة المقاومة الشعبية الباسلة ضد الحملة الفرنسية، أما العمر حسن فهو من زرع في ابن أخيه إحساسًا مبكرًا بفن التلاوة والإنشاد، ذلك أنه كان مولعا باستضافة كبار القراء والمنشدين لإحياء ليالي رمضان. انصرف نصر الدين عن التعليم المدني، علي الرغم من التحاقه بالمدرسة الخديوية الثانوية، وبعد أن حفظ القرآن كاملا، حاول أن يجرب حظه في الإذاعة، لكنه أخفق كقارئ ونجح كمنشد، وسرعان ما تحول صوته إلي واحد من ألمع ما تضمه الإذاعة المصرية من أصوات. للذين يصنعون التناقض المزعوم بين الدين والفن، تبدو تجربة طوبار ردًا عمليًا عليهم، فقد درس المنشد الكبير في معهد الموسيقي العربية، وأتقن العزف علي العود، واستعان بالموسيقي في إضفاء أجواء روحية تبرهن أن الفن الجميل يسير مع الدين والقيم الروحية في درب واحد. لم تقتصر شعبية المنشد الفذ علي مصر وحدها، في أكثر عشاقه ومريديه في البلدان العربية وإفريقيا وآسيا، بل إن إنشاده في قاعة «ألبرت هول» بلندن، ترك أثرًا بالغًا عند من لا يعرفون العربية، وواحد من هؤلاء قال بعد الحفل إن صوته العبقري يغزو المستمعين، ويضرب مباشرة علي أوتار القلوب. تحتاج القلوب المرهقة والأرواح المتعبة، في ظل إيقاع تغلب عليه الماديات والصراعات، إلي أمثال نصر الدين طوبار، أولئك الذين يحققون التصالح ويصنعون الانسجام ويمنحون المرهقين المعذبين ساعات يلتقطون فيها الأنفاس ويعودون إلي الإحساس بآدميتهم المهدرة.