حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنشاد في الحضرة الصوفية
وفقا للطريقة الحامدية الشاذلية
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 08 - 2010

هذه دراسة مجهولة للفنان والموسيقي الراحل سليمان جميل ، قدمها في المؤتمر الدولي للموسيقي الذي انعقد بالقاهرة في ديسمبر 1969، وتعتبر الدراسة الأولي لمصري يتعرض للجانب الموسيقي في الحضرة وعلاقته بالمضمون الصوفي. وتهدف حسب تعبير الدكتور سيد عويس الذي كتب مقدمة للدراسة إلي " التعرف إلي بعض سمات طابعنا القومي في الفترة الحالية". المعروف أن سليمان جميل ولد بالإسكندرية في ديسمبر 1924 درس الموسيقي العربية والعزف علي ألة القانون بمعهد الموسيقي العربية بالقاهرة بين عامي 1940 1945. ما بين عامي 1945 1950 درس سليمان جميل العزف علي ألة البيانو...الكونترباص ..
والتوزيع الموسيقي علي يد البروفيسير الإيطالي
Minato Campizi و Hekman وآخرين. في عام 1950 سافر جميل إلي باريس لدراسة التأليف الموسيقي لمدة عام بمعهدEcole Normale theحصل علي عدة جوائز محلية وعالمية. له أبحاث عديدة في الموسيقي الفرعونية... وأسس أوركسترا للموسيقي الفولكلورية المصرية. وضع العديد من الموسيقي التصويرية للافلام التسجيلية خاصا أفلام كامل التلمساني عن القاهرة المملوكية توفي عام 1995
إن أنغام لحن الأذان هي الأنغام الأولي التي تفتحت عليها أذني منذ الطفولة، فقد كنت أعيش في منزل عائلتي الذي يقع بالقرب من قلعة صلاح الدين الأيوبي في حي الخليفة وسط عشرات المساجد، وأضرحة الأولياء، كنت استمع إلي لحن الأذان أكثر من مرة يومياً، وأستمع إلي أنشاد مواكب الطرق الصوفية في مواسم الاحتفال بموالد الأولياء، وكان من أهمها مولد »سيدي البهلول« لأن ضريحه كان لصيقاً بمنزلي.
ولم أكن أعرف وأنا طفل أن تلك الألحان التي عشقت الاستماع إليها كانت ضمن ألحان دينية أخري عديدة هي أساس جوهري للتعليم الموسيقي السائد في مصر، لقد كان الشيخ الذي يقرأ القرآن بصوت جميل هو في نفس الوقت أستاذ علم مقامات الموسيقي العربية، وأوزانها الإيقاعية.. وهكذا كانت المدرسة التقليدية للتعليم الموسيقي في مصر هي مدرسة المشايخ.. وأهدافها التعليمية
أولا: تلاوة القرآن بعبارات أنغام غير موزونة إيقاعياً تلتزم قواعد علم قراءات القرآن وتجويده.
ثانياً: تربية أصوات المقرئين والمنشدين علي أداء حركات الألحان الموروثة.
ثالثاً: أداء الإنشاد المصاحب للذكر في الحضرة الصوفية.
رابعا: أداء القصائد والموشحات وابتكارات ألحان الموال الدينية الخاصة بالمدائع النبوية.
ولا ينطبق المفهوم المعاصر للمدرسة علي مدرسة المشايخ الموسيقية. إذ كان تعليم الموسيقي علي يد الشيخ يتم علي شكل لقاءات منتظمة أو غير منتظمة تضم الشيخ وعشاق الاستماع إلي صوته في جلسة خاصة بمنزله أو في المسجد، وأثناء فترات الراحة بعد الإنشاد أو تلاوة القرآن كان يدور حديث الشيخ عن آداب الإستماع إلي الإنشاد المنفصل عن الذكر أو تلاوة القرآن، أو عن أنواع النغم أو الأوزان الإيقاعية التي صيغت منها ألحان قصائد الشعر، وكما كان يدور حديث الشيخ عن الموسيقي، فقد كان حديثه
يدور أيضاً حول تفسير بعض آيات القرآن، أو تقديم بعض الحكم والمواعظ للحاضرين في الجلسة.
في إطار هذه الجلسات الموسيقية الدينية نشأ كبار المغنين المصريين الذين ذاعت شهرتهم، وجلسوا علي عرش الغناء خلال النصف الثاني من القرن الماضي ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر رائد المسرح الغنائي المصري »الشيخ سلامة حجازي.
كما نشأت في إطار هذه الجلسات الموسيقية الدينية سيدة الغناء في مصر والبلاد العربية »السيدة أم كلثوم إبراهيم«.
كان التعليم الموسيقي يتم في جلسات المشايخ عن طريق التلقين الشفوي ذلك لأن التدوين الموسيقي علي الطريقة الأوروبية - العالمية - لم يكن معروفاً عند هؤلاء المشايخ وهكذا كان التلميذ يستمع إلي اللحن من الشيخ ثم يردده مرات ومرات حتي يتمكن من أدائه، ويثبت اللحن صحيحاً في ذاكرته السمعية، وبنفس الطريقة الشفوية فإن التلميذ كان يتعلم التطبيق العملي للأوزان الإيقاعية فيقلد خبطات الشيخ بكف يده علي ركبته« مرة وكف اليد مبسوطة، ومرة أخري وكف اليد مقبوضة وذلك لتوضيح ضغوط الإيقاع القوية، والضعيفة، وضبط المدة الزمنية لكل نغمة يتكون منها اللحن.

إن التعليم الموسيقي في إطار جلسات المشايخ ظل حتي الآن يسير علي طريقة التلقين الشفوي. وإننا لو رجعنا إلي تاريخ مصر في عهد محمد علي لوجدنا أن - هذا الحاكم هو أول من أنشأ مدارس موسيقية تابعة للجيش، وكانت هذه المدارس هي البداية الأولي لدخول التعليم الموسيقي علي الطريقة الأوروبية في مصر، ولكن هذا التعليم تحدد نوعه بحدود مناهج الدراسة المتعلقة بالموسيقي العسكرية، كذلك انحصر أثر هذا التعليم الموسيقي في نطاق محدود هو نطاق العازفين علي آلات النفخ النحاسية والخشبية الذين تكونت منهم الفرق الموسيقية العسكرية اللازمة لجيش محمد علي.
ومنذ عهد محمد علي حتي عهد الخديوي إسماعيل كانت المدارس الموسيقية المدنية بصفة أساسية هي مدارس المشايخ السابق ذكرها، ولقد أنشأ الخديوي إسماعيل داراً للأوبر)، ولكنه لم ينشيء مدرسة موسيقية مدنية للشعب...
وهكذا ظلت مدرسة المشايخ ذات تأثير فعال في الحياة الموسيقية المدنية علي المستوي الشعبي، وإن كان قد بدأ يشاركها في هذا التأثير في عهد الخديوي إسماعيل - ولكن علي مستوي جمهور الأجانب وأعداد قليلة من العائلات الأرستقراطية المصرية - عدد من الفرق الموسيقية التي جاءت إلي مصر من اليونان وفرنسا وإيطاليا علي وجه الخصوص واستقرت معظم هذه الفرق الموسيقية في مدينة الأسكندرية، فإذا أضفنا إلي ذلك الموسم الغنائي الإيطالي الذي جرت عادة دار أوبرا القاهرة علي تقديمه كل سنة فإننا نكشف بوضوح عن بداية ظهور تيار المؤثرات الموسيقية الأوروبية في الحياة الثقافية في مصر.
وعلي سبيل المثال فلقد انعكس هذا التيار الموسيقي الأوروبي علي الأداء الغنائي للشيخ سلامة حجازي في كثير من القصائد الغنائية التي قدمها علي خشبة المسرح الغنائي المصري خلال أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي.
إن أعمال الشيخ سلامة حجازي بالذات تقدم لنا مثلا يوضح بداية اختلاط تيار المؤثرات الموسيقية الأوروبية بتيار موسيقي المشايخ.. وكان التأثر بالتيار الموسيقي الأوروبي يدخل إلي الغناء المصري عن طريق السماع وليس عن طريق دراسة تكنيك، وأشكال الموسيقي الأوروبية والسبب كما ذكرنا سابقاً أن مصر لم يكن بها غير مدرسة المشايخ الموسيقية التي يعتمد التعليم فيها علي التلقين الشفوي..
ولقد ظلت الحياة الموسيقية في مصر لا تعرف طريقها إلي العلوم الموسيقية العالمية حتي أنشيء معهد فؤاد الأول للموسيقي العربية سنة 9291 وإن كانت برامج التعليم في هذا المعهد قد اشتملت علي المباديء الأولية في قراءة وتدوين الموسيقي، إلا أنها خلت إلي أبعد الحدود من دراسة تكنيك الغناء وعلوم التأليف الموسيقي الأوروبي إلخ...
وفي اعتقادي أن حرمان مصر في ماضيها البعيد والقريب من الأخذ ببرامج التعليم الموسيقي الأوروبية - العالمية - في إطارها التعليمي والتثقيفي المتكامل، هو الذي أدي إلي ظهور نوع من التفاعل غير الخلاق بين الموسيقي المصرية، والموسيقي الأوروبية، التي ازداد دعمها في الحياة الثقافية في مصر منذ عهد الخديوي إسماعيل.
ويكفي لتوضيح ذلك أنه رغم زيارات الأوركسترات السيمفونية الأجنبية المتكررة واستمرار تقديم مواسم الغناء الإيطالي في دار أوبرا القاهرة وظهور أنواع أخري من الموسيقات الأوروبية في المحلات المصرية العامة فقد ظلت أجيال جديدة من الموسيقيين المصريين تضاف إلي حياتنا الموسيقية حتي وقتنا الحاضر وقد ارتبطت أعمال هؤلاء الموسيقيين في الغناء والتلحين بطريق مباشر أو غير مباشر بالتعليم الشفوي في مدرسة المشايخ.
- إن انعزال كثير من أبناء الأجيال الموسيقية المعاصرة في مصر عن أسس التعليم الموسيقي العالمي جعل أعمالهم الموسيقية تعكس خليطا مشوها من الموسيقي الأوروبية والمصرية.. ولقد بدأت وزارة الثقافة بالجمهورية العربية المتحدة العمل علي علاج الفجوة بين مدرسة المشايخ والعلوم الموسيقية العالمية وذلك بإنشاء كونسرفتوار القاهرة عام 9591.
ولاشك أن هذا العمل العظيم هو الأساس لحل التناقض بين العمل الموسيقي المعتمد علي الفطرة وهو السائد في حياتنا الموسيقية الآن وبين العمل الموسيقي المعتمد علي العلم والموهبة وهو النادر..

ورغم ذلك فإن أمامنا طريقا شاقا من الدراسات الموسيقية التي يجب أن نقوم بها علي الطبيعة لمعرفة الأصول الموسيقية التي يتكون منها تراثنا الموسيقي المصري في مختلف مجالاته، وأحب أن أؤكد أن هذه الدراسات تمثل جزءاً حيوياً من اهتمامنا العميق باستكمال مناهج التعليم الموسيقي في المعاهد المصرية.. وعندئذ سوف يصبح التفاعل بين تراثنا الموسيقي والمدارس الموسيقية الأوروبية تفاعلا خلاقا يثري الثقافة الموسيقية المصرية الأصيلة علي المستوي العالمي المعاصر.
- إن دراسة الموسيقي المصرية في إطار مدرسة المشايخ مرتبطة بالألحان داخل الكنيسة المصرية كما أنها في بعدها التاريخي السابق علي انتشار المسيحية في مصر مرتبطة بالألحان في المعبد المصري الفرعوني.
ولقد وضعت أبعاد دراسة الموسيقي الدينية في مصر في
الاعتبار، وأنا أحاول جاداً تناول موضوع »الإنشاد في الحضرة الصوفية« بالبحث وكان من الضروري وأنا أجمع المواد الموسيقية اللازمة لهذا البحث أن أقف طويلا أمام الألحان داخل الكنيسة المصرية. وفعلا فلقد جمعت بعض الألحان من الكنيسة المصرية وقرأت بعض المراجع التي تحتوي علي نصوص كلمات هذه الألحان باللغة العربية وساعدني في ذلك مشكوراً رائد البحث في مجال موسيقي الكنيسة المصرية »الأستاذ راغب مفتاح رئيس قسم الألحان بمعهد الدراسات القبطية«.
وفي عام 7691 إلتقيت بالباحثة الموسيقية المجرية »إلونا بورشاي« في جلسة عائلية في منزلي، وكانت الباحثة »ألونا« تقوم بإعداد بحث عن:
Melodies Tradittonnelles des Egyptiens et Leur importance dans la recherehe de lancienne musique Pharonique
ولقد دار الحديث بيننا حول أهمية دراسة الموسيقي القبطية وكذلك الإسلامية في ضوء المقارنة بينهما وساعدني هذا الحديث علي أن أواصل العمل في إعداد بحثي عن »الإنشاد في الحضرة الصوفية«.
ولقد اخترت هذا البحث بالذات لأنه في اعتقادي يكون مادة حلقة مفقودة في سلسلة الدراسات والأبحاث التي تحاول الكشف عن الجذور الموسيقية الفرعونية من خلال الألحان التقليدية التي يستخدمها المصريون حتي الآن علي وجه الخصوص داخل الكنيسة.
ولقد لاحظت أثناء إعداد البحث وجود شبه واضح بين بعض الألحان التي يؤديها المنشدون في الحضرة الصوفية وبين بعض الألحان الكنسية، ووجه الشبه يتمثل بصفة خاصة في طريقة الأداء الغنائي وعموما في بعض أجزاء التكوين الميلودي.
وبجانب ذلك توجد فروق واضحة بين الموسيقي داخل الكنيسة والموسيقي داخل المسجد من أهمها تكامل الشكل الموسيقي للانشاد والذكر في الحضرة الصوفية وارتباطه بالمضمون الروحي.
وأحب أن أوضح أن هذه الملاحظة التي ذكرتها عن وجود الشبه بين موسيقي الكنيسة المصرية والموسيقي
الصوفية أو أوجه الخلاف بينهما خارجة عن نطاق بحثي المحدد »بالإنشاد في الحضرة الصوفية«.
- وإني أرجو أن يكون هذا البحث خطوة تساعد في المستقبل علي إعداد بحث مقارن في الموسيقي داخل الكنيسة - والإنشاد الصوفي داخل المسجد.
- وعندما تبلورت في ذهني أهمية البحث في موضوع الإنشاد الصوفي. اتصلت بحلقات الإنشاد الخاصة بأكثر من عشر طرق صوفية وتبين لي أن الإنشاد الصوفي داخل المسجد يختلف عن الإنشاد الصوفي خارج المسجد، كما يختلف أيضا عن ألحان المدائح النبوية، وأضيف إلي ذلك أن عدد الطرق الصوفية في الجمهورية العربية المتحدة نحو مائة طريقة، ولكل طريقة تكوين خاص للحضرة والإنشاد التابع لها..

وأمام تعدد الطرق الصوفية وتنوع أشكالها الخاصة بالإنشاد.. وجدت من الضروري أن أركز جهدي علي اختيار الإنشاد في الحضرة وفقا لطريقة صوفية واحدة.. وفي ضوء بحثي الواقعي في مجال الإنشاد في إطار طرق صوفية متنوعة، اتضح لي أن الإنشاد في الحضرة الصوفية للطريقة الحامدية الشاذلية. أكثر تكاملا - من حيث الشكل الموسيقي وعلاقته بالمضمون الصوفي - ولعل اختياري هذا الإنشاد موضوعاً جزئياً محدداً لبحثي أن يساعد علي دراسة الانشاد في الطرق الصوفية الأخري تباعاً، ويمهد الطريق لدراسة شاملة عن الإنشاد الصوفي عموماً.
- ولم يكن من السهل الحصول علي مادة البحث لأنها أصلا موجودة في الواقع وليست موجودة في الكتب، ولقد حصلت علي بعض الكتابات التي تناولت موضوع الحضرة ولكنها سواء كانت لمستشرقين أو مصريين لم تتعرض لدراسة الجانب الموسيقي في الحضرة وعلاقته بالمضمون الصوفي..
- وبجانب الأعباء المالية والوقت اللازم لمواصلة البحث، كان العبء الأكبر هو الحصول علي إمكانية اللقاء بالذاكرين والمنشدين، والمسئولين الروحيين في الطريقة والحصول علي الإذن منهم للدخول إلي صفوف اتباع الطريقة أثناء الحضرة داخل المسجد.. ولكني وفقت في
التغلب علي كثير من العقبات بفضل صديقي المنشد المنفرد ورئيس المنشدين في الطريقة »الليثية« الذي عرفني علي أحد الشخصيات الروحية المسئولة في الطريقة الحامدية الشاذلية وكان لهذه الشخصية الفضل في إتاحة الفرصة لي لكي ألتقي بقطب الطريقة الحامدية الشاذلية »الشيخ إبراهيم سلامة الراضي« (رضي الله عنه) حيث تفضل بتفسير المضمون الصوفي للحضرة وفقاً للطريقة الحامدية الشاذلية ثم سمح لي بللقاءات مع الذاكرين والمنشدين في الحضرة داخل مسجد »الحسين« ولقد ذهبت إلي مسجد »السيدة زينب« و»الحسين« 9 مرات لأستمع وألاحظ الشكل الموسيقي وعلاقته بإيقاعات الذاكرين في أداء النصوص الصوفية وحركاتهم في صفوف الحضرة جلوساً ووقوفا. كما اشتركت بالذكر والانشاد في حضرة كاملة. وإني أذكر أنه عندما ذهبت لأول مرة إلي مسجد »الحسين« لتسجيل الإنشاد لم أستطع تنفيذ لك لشدة تأثري بألحان الإنشاد التي استمعت إليها من حوالي ألفي منشد وذاكر. ولكني بعد ذلك التقيت بحوالي خمسين »منشدا« في مقر المشيخة وقمت بتسجيل بعض »ألحان الإنشاد الصوفي« كما حصلت علي تسجيل للإنشاد والذكر في الحضرة كاملا من مسجد »الحسين«.
كما التقيت مع بعض أتباع الطريقة المسئولين عن تفسير قانونها.
- ولقد اخترت بعض النماذج من إلقاء الذاكرين وبعض الألحان من الإنشاد ودونتها بالنوتة الموسيقية حتي أستطيع توضيح نماذج للجانب اللجي للإنشاد في الحضرة الصوفية. والفرق بينه وبين الشكل الإيقاعي لإلقاء الذاكرين.
- ولم اختر كل نماذج الألحان لتدوينها حتي يكون ما اخترته ملائما لنقطة ارتكاز البحث الحالي.
- ويتضمن هذا البحث:
أولا: الطريقة الحامدية الشاذلية.
ثانياً: الحضرة
ثالثاً: الذكر والإنشاد
رابعاً: القالب الموسيقي للحضرة
خامساً: النتائج
سادساً: اقتراحات
سابعاً: خاتمة.
الطريقة الحامدية الشاذلية
- طريقة صوفية مؤسسها في مصر هو »السيد سلامة حسن الراضي« »رضي الله عنه« المكني بأبي حامد »7681م - 9391م«، وجوهر تعاليمها ينتمي إلي الطريقة »الشاذلية« ومؤسسها »أبوالحسن الشاذلي« »رضي الله عنه« وأصله من بلاد المغرب، وقد استقر في مصر فترة طويلة من حياته.
- لقد تعددت مناهج التصوف، ولكل طريقة من الطرق الصوفية منهج خاص في السلوك، والمعرفة، والأخلاق، والآداب، والأذكار، والأوراد، وأسرار النفس الخ، ولكن رسالة هذه الطرق جميعاً تستهدف القلب والروح والوجدان والسلوك الإنساني في طريقه إلي الله.. ولقد اجتهد علماء التصوف وشيوخه، وأقاموا معارفهم وعلومهم في العبادات والأخلاق، ومناهجهم في السلوك وأمراض القلب، وعلل النفوس، ونوازع الخير والشر، وأنوار الذكر والطاعة. ولذلك فإن الطريقة في الاصطلاح الصوفي هي الطريق الموصل إلي الله.. والطريقة معناها المنهج الذي يرسمه شيخ الطريقة المريدية، ومما يشتمل عليه هذا المنهج.
نظام الحضرات واختيار »أسماء الذكر« ولكل طريقة صوفية مظاهر لنشاطها الروحي. وأهم هذه المظاهر في الطريقة الحامدية الشاذلية:
1- »المجلس« أو مدرسة المجلس حيث يلتقي المريدون بشيخ الطريقة.. ومادة الدرس في هذا المجلس هي »علوم الحقيقة« و»علوم الشريعة« وللمجلس هيبته وجلاله، وحتي يتحقق ذلك فإن شيخ الطريقة لابد أن يتمتع بقوة سلطان الروح في قلوب المريدين، فإذا أقبل عليه مريد أو زائر فما أن يحتويه مجلسه حتي يري نفسه واقعاً تحت حب شخصية عظيمة وجاذبية طاغية.
2- الاشتراك في مواكب الطرق الصوفية، مثلا للاحتفال »بمولد النبي« »صلي الله عليه وسلم«، وفي هذه المواكب يجتمع أهل الطريقة الحامدية الشاذلية في صفوف منتظمة وقد لبس كل واحد منهم وساماً مصنوعاً من القماش الأخضر كتب عليه باللون الأصفر اسم الطريقة، ويتقدم الموكب حملة الأعلام واللافتات والبيارق، وقد كتب عليها »لا إله إلا الله محمد رسول الله« وأيضاً اسم الطريقة.
3- الاشتراك في احتفالات المناسبات الدينية المختلفة مثلا موكب الهجرة وموكب رؤية هلال رمضان.
4- إقامة »الحضرات« جمع حضرة، وهي اجتماع يضم مجموعة من المريدين في ميعاد معين »لذكر الله« وسنتناول الحديث عن »الحضرة« بالتفصيل لأنها داخلة في نقطة ارتكاز البحث.
- ومعروف عن الطريقة الحامدية الشاذلية أنها في مواكبها واشتراكها في الاحتفالات الدينية العامة خالية من تلك المظاهر الاستعراضية المنحرفة مثل مظاهر »أكل الزجاج« أو »ابتلاع النار« أو »ثقب جلد الوجه بالدبابيس الخ«، كما أنها أكثر الطرق الصوفية انتشاراً في أحياء القاهرة ولها تأثير روحي قوي في أوساط الحرفيين
والفلاحين في القري.
والمركز الرئيسي لشيخ الطريقة هو القاهرة وله خلفاء ونواب ونقباء ومرشدون في القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنوفية وأسيوط والمنيا وبني سويف، والفيوم والجيزة.... الخ. وفي كل هذه المحافظات توجد للطريقة مساجد وزوايا ويبلغ أهل الطريقة نحو »06 ألفا« من المواظبين والمعروفين للمشيخة.
- وشيخ الطريقة يلقن الراغبين في الانضمام للطريقة صيغة معينة - تسمي صيغة التلقين. وهذا التلقين مستمر من سنة 0091 حتي الآن، ويمكن أن يقوم بالتلقين من ينوب عن شيخ مشايخ الطريقة بمقتضي إجازات خلافة، وإذا كانت معظم أقاليم الجمهورية العربية المتحدة بها فروع للطريقة الحامدية الشاذلية إلا أن هذه الفروع تزداد في »الدلتا« كما تتبع الطريقة فروع في لبنان والسودان والجزائر والكويت.. الخ.
ولا يستطيع المريد أن يسير وحده في الطريق إلي مرضاة الله، ولذلك فإن شيخ الطريقة أو من ينوب عنه هو الذي يساعده علي تحقيق ذلك.
الحضرة
- الحضرة تأتي في المرتبة الثانية بعد مدرسة مجلس الشيخ إذ هي اجتماع أهل الطريقة للذكر والإنشاد بحضور شيخ الطريقة أو من ينوب عنه.. يقال إن الحضرة »اجتماع فاتباع« بمعني أنها اجتماع لأهل الطريقة يتبعون فيه أداء شيخ الطريقة للذكر والإنشاد.. وقد تقام الحضرة في بيت أحد أبناء الطريقة وهي في هذه الحالة تضم عدداً من الحاضرين ملائم لمساحة الحجرة في البيت عادة، وتقام الحضرة في القري داخل الزوايا وهي أماكن مخصصة للعبادة تابعة للطريقة..
والحضرة موضوع البحث هي الحضرة التي تقام في المسجد، و»مسجد الحسين« بالذات. وهي تقام مساء يوم الثلاثاء أسبوعياً بعد صلاة العشاء. وهذه الحضرة تضم حوالي »ألفين« من أهل الطريقة وقد تضم ذاكرين من غير أهل الطريقة بشرط احترام النظام والتقاليد الروحية للحضرة.. ويشترط أن تقام هذه الحضرة الكبيرة تحت إشراف شيخ مشايخ الطريقة ويلقب أيضا بشيخ السجادة أو صاحب السجادة بمعني شيخ الطريقة.
- والحضرة كشكل لتجمع أهل الطريقة بقصد الذكر تخضع لنظام معين في ترتيب أماكن جلوس الحاضرين داخل المسجد، وشكل الحضرة علي هذا الأساس يأخذ شكل مستطيل بداخله صفوف الذاكرين من أهل الطريقة.. وفي أول صف للمنشدين علي يسار موقع الشيخ يوجد موقع رئيس فرقة المنشدين بالقرب منه ثم صفان من المنشدين وخلفهما صفوف الذاكرين، وما وصفناه من صفوف المنشدين والذاكرين علي يسار موقع الشيخ يوجد ما يطابقه تماماً في عدد الصفوف علي يمين موقع الشيخ، وفي منتصف الصف الأول للمنشدين علي يمين موقع الشيخ يوجد موقع رئيس فرقة المنشدين، وبين صفي المنشدين علي يمين موقع الشيخ يوجد موقع خليفة خلفاء السجادة أي خليفة الشيخ.. وحول صفوف الحضرة يوجد عشرة نقباء للأشراف علي نظام الحضرة
ويساعد النقباء في مهمتهم »61 منظما« يقف كل اثنين منهم عند طرفي كل صف من صفوف الذاكرين والمنشدين.
ومن وظائف النقباء في الحضرة - بجانب إشرافهم علي النظام - توصيل إشارات الشيخ إلي الذاكرين من قيام وقعود وسكوت وذكر، وانتقال من درجة سرعة إلي درجة أخري في أداء الذكر والإنشاد، وهنا في هذه الحالة الأخيرة فإن الشيخ هو الذي يضبط إيقاع الذكر والإنشاد من أول الحضرة إلي آخرها ووسيلته في ذلك هي التصفيق، كما أن الشيخ هو أول من يبدأ بصوته افتتاح الحضرة، كما سنبين عند حديثنا عن الذكر.
الذكر والإنشاد
الذكر هو مجموعة نصوص قدسية وهذه النصوص قسمان:
الأول منهما هو »الأوراد الحامدية« ومجموع هذه الأوراد من اختيار شيخ الطريقة ولها ثلاث وظائف.. الأولي »للاستغفار« وعلي المريد أن يؤديها مائة مرة كل يوم صباحاً ومساء.. والثانية »للصلاة علي النبي« »صلي الله عليه وسلم« ولها صيغة معينة وعلي المريد أداء هذه الصيغة مائة مرة صباح ومساء كل يوم.. والثالثة »للتوحيد« »لا إله إلا الله« وأيضا يؤديها المريد مائة مرة صباح ومساء كل يوم.
أما القسم الثاني من نصوص الذكر فهو خاص »بالأحزاب« والحزب معناه مجموعة دعوات وابتهالات
وصلوات، وهي من تأليف شيخ الطريقة، وبعضها من تأليف غيره من مشايخه السابقين.
والأحزاب التي ألفها شيخ الطريقة الحامدية الشاذلية المؤسس، ومنها علي سبيل المثال: حزب »الجوهرة« وحزب »تفريج الكروب ومن الأحزاب المختارة، حزب الوظيفة مثلا أو حزب النصر تأليف »أبوالحسن الشاذلي«.
إن الذكر أي ذكر النصوص القدسية من »أوراد« و»أحزاب« هو المضمون الصوفي للحضرة، بمعني أنه وسيلة المريد في الطريق الذي يبتغي بها تقوية روحه بالجهاد الأكبر وهو جهاد النفس لمحو الصفات المذمومة ويأمل الوصول إلي الحضرة العلية ولذلك أخذ اجتماع المريدين للذكر »اسم الحضرة«.
إن الذكر كركيزة صوفية وجد التعبير الملائم له في التكوين الموسيقي للحضرة، وهذا التكوين ينقسم إلي قسمين يجب التمييز بينهما بدقة.
القسم الأول:
هو إلقاء نصوص الذكر - وهذه النصوص تحتوي علي ذكر الجلالة واسم الله.. الخ وفي اعتقاد الصوفي أن هذه النصوص القدسية لا يجب أن تحتويها الألحان ولذلك فإن الذكر بالنصوص القدسية يعتمد موسيقياً علي عنصر
الإيقاع، ويختفي منه عنصر »المقام الموسيقي« ولنأخذ مثلا بداية الذكر في الحضرة، إذ يؤدي الشيخ ومن بعده جميع الحاضرين »أعوذ بالله من الشيطان الرجيم باسم الله الرحمن الرحيم«.
إن الأداء هنا يبدأ من نغمة »درجة دو الوسطي« وينتقل إلي مسافة رابعة علي نغمة »درجة فا« وعند »الرحيم« يحدث الركوز علي نغمة درجة السيكاه »مي« نصف بيمول أنظر التدوين الموسيقي.
إن مثل هذا الأداء لنصوص الذكر يعتمد علي عنصر الإيقاع ويخلو منه عنصر »المقام الموسيقي« وإن استعان بالنغمات الثلاث السابق ذكرها، وعلي هذا الأساس فإني أصف إلقاء الذاكرين بأنه »إلقاء إيقاعي« شبه منغم وأن ضغوطه الإيقاعية - القوية والضعيفة - نابعة من نطق اللغة السليم الذي يراعي فيه ضبط خصائص الصوت والنبرات في الكلمات وذلك لأن هذه الخصائص جوهرية في تحديد معني الأسماء والألفاظ القدسية التي تتكون منها نصوص الذكر«.
أما القسم الثاني: في التكوين الموسيقي للحضرة فهو »الإنشاد« والإنشاد عند الصوفي معناه أداء الشعر والمعني المقصود هنا هو أداء الشعر بالنغم، وهكذا فإن إنشاد الشعر الصوفي جماعياً في الحضرة أو بالحوار بين المنشد
المنفرد وجماعة المنشدين إنما يحتوي علي عنصر الإيقاع وعنصر المقام الموسيقي ومن هذين العنصرين تتكون ألحان الشعر الصوفي.
إن التكوين الموسيقي للحضرة الذي يشتمل علي الذكر والإنشاد يحتويه قالب موسيقي خاص تحدده الوظيفة الروحية للحضرة.
القالب الموسيقي للحضرة
إن الحضرة هي نظام الذكر الجماعي، وهي لذلك أهم التقاليد الروحية ممارسة في الطريقة الصوفية. أولا: لأنها جماعية، ثانيا: لأنها ذكر بحضور شيخ الطريقة. وما يقابل الحضرة وهي الذكر الجماعي، هو الذكر المنفرد الذي يؤديه المريد في خلوته- إن المريد في الطريق إلي الله يلتزم قراءة نصوص الذكر من أوراد إلخ بعدد المرات المنصوص عليها في قانون الطريقة، وهي تترواح بين »المائة« و»الألف« والمريد يقرأ هذه الأوراد بأنواعها المختلفة صباح ومساء كل يوم، كما أنه لا يقرأ أورادا تابعة لشيخ طريقة اخري، وهو بذلك يمارس تجاه نفسه يوميا وبتكرار منتظم عملية إيحاء ذاتي قوية تربطه بشيخ الطريقة الذي حدد واختار له نصوص »الأوراد« التي عليه أن يقرأها كل يوم في الصباح والمساء، وبهذا الايحاء الذاتي أيضا فإن المريد يدعم اعتقادا في أعماق نفسه وهو أن »المدد«
الروحي يأتيه من عند الله ومن خلال شيخ الطريقة الذي اختار له نصوص »الأوراد« المنصوص عليها في قانون الطريقة، ولا يكفي أن يؤدي المريد الذكر بمفرده، وإنما يجب عليه أداء الأوراد وغيرها من النصوص القدسية مع »الأحباب«... وهكذا كنت أذهب إلي »مسجد الحسين« و»مسجد السيدة زينب« قبل صلاة العشاء ألاحظ حالة الاستعداد لإقامة الحضرة وكنت أكتشف تهافت المريدين علي الاشتراك فيها، وناقشت كثيرا منهم وقالوا... إننا لانكتفي بالذكر بمفردنا، ونحن ننتظر تلك الساعة في ذلك اليوم المحدد لاقامة الحضرة حتي نأتي لنشترك في الذكر مع »الأحباب« ونكون بالقرب من »حضرة الشيخ« ونحن نأتي إلي الحضرة مهما كلفنا الأمر من مشاق... وكنت أشاهد بعد أن تبدأ الحضرة بعض الأشخاص يأتون في حالة لهفة لأنهم قد تأخروا قليلا أو كثيرا عن ميعاد بدء الحضرة، ثم يبحثون عن مكان لهم للانضمام إلي صفوف »الأحباب« ويساعدهم في الحصول علي المكان الملائم نقباء الحضرة المسئولين عن النظام.
ونحن قد فرقنا بين الذكر الجماعي و»الذكر المنفرد« لأن الثاني، لايدخله عنصر الايقاع أو النغم، وقد يحدث »للمريد« أحيانا وهو، في جلسته منفردا أن يتمايل برأسه وكتفيه بخفة إلي اليمين واليسار. وبتكرار يحقق نوعا من الايقاع المنتظم، ورغم ذلك فإننا نعتبر »الذكر المنفرد« خارجا عن نطاق حديثنا عن القالب الموسيقي للحضرة.
وحديثنا عن القالب الموسيقي للحضرة يتحدد في قسمين: أولا: الشكل العام أو الاطار الخارجي لهذا القالب الموسيقي.
ثانيا: ما يحتويه هذا القالب من عناصر موسيقية مرتبطة بمعاني نصوص الذكر.
الشكل الموسيقي العام للحضرة
-إن الإلقاء الايقاعي شبه المنغم المرتبط بنصوص الذكر هو المحور الذي يحدد الشكل الموسيقي العام للحضرة، وهذا المحور الايقاعي شبه المنغم يتخلله انشاد ألحان الشعر الصوفي.
-وهكذا تقوم نصوص الذكر بالربط بين فقرات إنشاد ألحان الشعر الصوفي وأيضا الاستمرار في شكل وحدة ايقاعية مسموعة في خلفية هذا الانشاد، وكذلك فإن »قراءة جزء من القرآن« هي التي يقوم بها مقريء خاص، وهي الفقرة التي تقسم الشكل الموسيقي العام للحضرة إلي قسمين، الأول يكون فيه أداء الذكر بالإلقاء الايقاعي شبه المنغم، بينما في القسم الثاني فإن الذكر يدخل في صميم ألحان انشاد الشعر الصوفي، بحيث تأخذ ألحان الانشاد شكل الحوار اللحني مع الذاكرين »الله الله« ثم »الله الله لا إله إلا الله مولانا«... والذكر هنا يصبح جزءاً من تكوين قصيدة الشعر الصوفي ويتحول إلي جملة لحنية تأخذ شكل المذهب الذي يردده الذاكرون بعد ترديد المنشدين للحن كل شطر أو بيت من أبيات قصيدة الشعر الصوفي.
إن الشكل الموسيقي العام للحضرة له مقدمة وخاتمة. وتتكون المقدمة والخاتمة من جزء من نصوص الذكر يؤديه الذاكرون، بالإلقاء الإيقاعي شبه المنغم وهكذا تتشابه بداية ونهاية الشكل الموسيقي العام للحضرة.
محتويات القالب الموسيقي للحضرة
تبدأ الحضرة بالإلقاء الايقاعي شبه المنغم لجزء من »حزب الجوهرة« ويسمع مع البداية صوت شيخ الحضرة في أداء »أعوذ بالله من الشيطان الرجيم باسم الله الرحمن الرحيم« من درجة »دو الوسطي، والارتفاع منها« مسافة رابعة- لحنية تامة-، وهكذا يستمر صوت الشيخ علي درجة »فا« ثم الركوز أسفل هذه الدرجة علي درجة »مي نصف بيمول« عند كلمة »الرحيم«... ويستمر الإلقاء شبه المنغم مع استمرار أداء الذاكرين للنصوص التي يتكون منها الجزء المحدد من »حزب الجوهرة« وينتهي هذا الجزء بقفلة لحنية تامة علي درجة أساس »مقام السيكاه«.
وبهذه القفلة اللحنية التامة تنتهي مقدمة أو بداية الحضرة والذاكرون يؤدون هذه المقدمة وهم جالسون، ويقال في هذه الحالة أن »الحضرة من جلوس«.
-بعد المقدمة وانتهائها علي درجة السيكاه »مي نصف بيمول« يؤدي شيخ الحضرة صعودا من هذه الدرجة »لا إله إلا الله« علي درجة »سي« بيمول وخلف الشيخ يردد الذاكرون.
»لا إله إلا الله« وتدور أصواتهم في البداية حول درجة »سي بيمول« ولكن مع استمرار أداء »لا إله إلا الله« تهبط أصواتهم نصف درجة صوتية وتستقر بذلك علي »درجة« »لا«.. ويتكرر ذكر »لا إله إلا الله« 45 مرة في وحدة إيقاعية منتظمة يقوم الشيخ بضبط أدائها المعتدل السرعة بالتصفيق.
كما ويصاحب تكرار الوحدة الايقاعية لذكر »لا إله إلا الله« حركة يؤديها الذاكرون، وهي حركة بالرأس تبدأ من اليسار الي اليمين مع ذكر »لا إله« ومعناها »النفي« ثم تستقر حركة الرأس عند اليسار حيث مكان القلب في صدر الإنسان مع ذكر »إلا الله« ومعناها الإثبات.. وهنا فإن الوحدة الايقاعية وحركة رؤوس الذاكرين المرتبطة بها إنما تؤديان وظيفة صوفية وهي تأكيد معني »النفي« ثم »الإثبات« »في ذكر الجلالة« أي »لا إله إلا الله«.
-وبعد ذكر الجلالة »لا إله إلا الله« يبدأ الذكر بلفظ الجلالة »الله« وهنا يعطي الشيخ الإشارة الصوتية بصوته حول درجة »ري بيمول« صعودا من درجة »سي بيمول« والتي بدأ بها الشيخ ذكر »لا إله إلا الله« وخلف اشارة الشيخ يردد الذاكرون »الله« حول درجة »ري بيمول« التي بدأ بها الشيخ، ثم تهبط أصواتهم بعد قليل نصف درجة صوتية وبذلك تستقر علي درجة »دو«.
-إننا نلاحظ منذ بداية الذكر حتي الآن ان درجة الصوت التي بدأت من »دو الوسطي« قد انتقلت صعودا الي درجة »فا« ثم استقرت علي درجة »مي نصف بيمول« مع قفلة المقدمة، ثم عادت الي الارتفاع من درجة »مي نصف بيمول« أي درجة »لا« مع أداء الذاكرين »لا إله إلا الله« ومن درجة »لا« صعودا الي درجة »دو« وهكذا بلغت أصوات الذاكرين الي ارتفاع »أوكتاف« بالنسبة لدرجة بداية الذكر »دو الوسطي«... إن هذا الصعود التدريجي في أصوات الذاكرين والذي يقوده شيخ الحضرة منذ بداية الذكر بجزء من »حزب الجوهرة« حتي الذكر بلفظ الجلالة »الله« انما يعمق احساس الذاكرين برفعة »الله« وهم عندما يصلون الي ذكر »الله« يؤدون الذكر بالأداء الزمني البطيء علي درجة »دو«- اوكتاف دو الوسطي- 3 مرات ثم يقفزون بأصواتهم في وحدة ايقاعية منتظمة من درجة »دو«- أو كتاف دو الوسطي- الي درجة »فا« وتستمر هذه الوحدة الايقاعية بالأداء الزمني البطيء »23 مرة« ثم تتزايد بسرعة
أداء الذكر بالتدريج وبتوجيه من تصفيق شيخ الحضرة حتي يبلغ الأداء أقصي سرعة ممكنة، ويحدث ذلك مع تكرار الوحدة الايقاعية للذكر »44 مرة« فيكون مجموع تكرار الوحدة الايقاعية لذكر »الله« »08 مرة«.
إن الوظيفة الصوفية التي يحققها تكرار هذه الوحدة الايقاعية هي استغراق الذاكرين في اسم الذات أو لفظ الجلالة »الله«.
-ومن نقطة الذروة التي انتهي إليها اداء الذاكرين المتزايد السرعة بلفظ الجلالة »الله« يبدأ شيخ الحضرة فيعطي اشارته بصوته ويبدأ معه الذاكرون من قرار النغم علي درجة لانصف بيمول تحت »دو الوسطي«... يذكرون بلفظ الجلالة »الله« وبأداء بطيء يوحي بالعظمة 5 مرات ويمهدون بذلك لبداية الفقرة الأولي من الانشاد .
-يبدأ المنشدون بإشارة من شيخ الحضرة أداء لحن من مقام »البياتي علي النوي« وبداية نص الكلمات:
يا إمام الرسل ياسندي
أنت باب الله معتمدي
وفي دنيايا واخرتي
يارسول الله خذ بيدي
نقلت نص الكلمات من رئيس المنشدين اما اللحن فهو من التراث وغير معروف ملحنه، وهذا ما قاله رئيس المنشدين والملاحظ ان اللحن اقدم من الكلمات وهذا واضح من عدم مطابقة ابعاد الكلمات مع أبعاد النغم في اللحن أما الأداء في بداية اللحن علي وجه الخصوص فهو قريب الشبه بأداء ألحان الكنيسة.
بالانتهاء من انشاد اللحن المتكرر لقصيدة »يا إمام الرسل« يبدأ المنشدون اداء لحن قصيدة »نور النبي لما ظهر« من نفس المقام الموسيقي للقصيدة السابقة ولكن مع تغيير »وحدته الايقاعية«.
-إن انشاد القصيدتين السابقتين من نوع الانشاد الجماعي. وهو بمثابة افتتاحية تمهد لبداية الانشاد المنفرد.
وقبل ان يبدأ الإنشاد المنفرد يظهر دور الذكر في الربط بين فقرات الانشاد فيبدأ الذاكرون اداء لفظ الجلالة »الله« في وحدة ايقاعية منتظمة مستمرة الحركة يضبط حركتها شيخ الحضرة بالتصفيق، واصوات الذاكرين هنا خافتة
ويقال عنها في اصطلاحات الانشاد الصوفي- الأداء بدرجة أعلي من السر- ويستمر أداء الذاكرين الخافت علي درجة »صول تحت دو الوسطي« ثم يؤدي المنشد المنفرد- وهو الصوت الأمامي- خطوط ألحانه مبتدئا بمقام البياتي علي النوي« (أنظر التدوين الموسيقي رقم 8 ب) وملتزما أداء الألحان مع الارتباط بميزان الوحدة الايقاعية- الخلفية- التي يؤديها الذاكرون مع أداء لفظ الجلالة »الله«.
-يبدأ المنشد المنفرد بكلمة »مدد« وهي تعني المدد الروحي الذي يأتي من عند الله ويصل إلي المريدين الذاكرين من خلال الشيخ وهنا فإن صوت المنشد وسيلة للنشوة وتوصيل المدد الي المريدين الذاكرين في الحضرة. ولذلك يقال في الاصطلاح الصوفي- ان الذاكرين هم »القوم« وان المنشد هو »ساقي القوم« يسقيهم كأس النشوة الروحية ولذلك فان استخدام »المدام« في القصائد الصوفية انما يعني »النشوة الروحية«.
-ومع أداء ذكر »الله« بدرجة أعلي من السر خلف ألحان المنشد المنفرد يحرك الذاكرون رؤوسهم من وضعها الطبيعي الي الامام قليلا والرجوع بها الي مكانها الطبيعي بخفة.
وكما هو الملاحظ دائما فإن الذكر يبدأ يتدرج في السرعة حتي بلوغ اقصي سرعة ممكنة، وهو كخلفية ايقاعية للانشاد المنفرد، فإن هذا الانشاد لابد ان تتزايد سرعته ايضا لارتباطه بميزان الوحدة الايقاعية المستمرة كخلفية له، وعندما يبلغ الذكر اقصي سرعته فإنه بذلك يمهد لبداية الانشاد الجماعي لقصيدة صوفية جديدة، ويوحي بذلك أداء المنشد المنفرد للابيات الأولي من القصيدة فينضم اليه في ادائها جماعة المنشدين.
والقصيدة هنا تبدأ.
»اذا ضاق صدري والكروب تزايدت«
وبانتهاء هذه القصيدة علي »درجة صول« وهي درجة اساس »مقام البياتي علي النوي« الذي صيغت منه ألحان القصيدة- يظهر من جديد دور الذكر في الربط بين فقرات الانشاد بجانب وظيفته كخلفية ايقاعية منتظمة للانشاد عموما. هنا يبدأ الذاكرون. بذكر »الله« بصوت قوي- يقال عنه في اصطلاح الانشاد الصوفي- »الجهر العالي« ولا
يبدأ الذاكرون كالعادة الا بعد ان يعطيهم شيخ الحضرة اشارة البدء بصوته، وهي علي درجة »دو« صعودا من درجة »صول« التي انتهي عليها لحن القصيدة. ويقال ان اداء ذكر »الله« بالجهر العالي بعد القصيدة وبأداء زمني سريع- وظيفته تنشيط قلوب الذاكرين وتمهيدا لبداية مرحلة جديدة من الذكر باسم »هو« بالجهر المتوسط وبأداء زمني بطيء علي درجة »لا بيمول« فوق »دو الوسطي«.
يستمر الذاكرون في أداء الوحدة الايقاعية المنتظمة البطيئة بالذكر »هو« وتصبح في الخلفية عندما يبدأ المنشدون اداء قصيدة »طلع البدر علينا« من مقام »لا بيمول الكبير«.
وكالملاحظ دائما فإن الذكر كوحدة ايقاعية في الخلفية تزداد سرعته وتبعا له تزداد سرعة انشاد القصيدة، ومع هذا التزايد في السرعة يتحول الذكر من »الجهر المتوسط«- أي الأداء بصوت متوسط القوة- الي »الجهر العالي« أي الأداء بصوت قوي- وعند هذه النقطة يبدأ المنشدون اداء قصيدة اخري وهي هنا قصيدة »نسمات الحي هبت« من »مقام الراست علي درجة لابيمول« وتتدرج سرعة أداء الذكر والانشاد لتبلغ اقصي سرعة ممكنة.
ثم يبدأ الذاكرون يتبعون صوت شيخ الحضرة- بعد انتهاء الانشاد- بأداء الذكر بلفظ »حي« وبالجهر العالي المنطلق اي بأقصي قوة، وبأداء زمني متوسط السرعة تستمر الوحدة الايقاعية المنتظمة للذكر بلفظ »حي« كخلفية لألحان المنشد المنفرد.
المنشد المنفرد هنا يبدأ »بالمدد« ويستخدم أكثر من مقام موسيقي في صياغة ألحانه ومن أهم هذه المقامات الموسيقية المرتبطة بعمق بمزاج المستمع المصري، مقام الصبا والحزن هو طابع هذا المقام الموسيقي، وبعد الانشاد المنفرد ينضم المنشدون الي رئيس الانشاد في اداء قصيدة صوفية هي نشيد صوفي عن شيخ الطريقة ومؤسسها. ثم يسكت الانشاد، ويظهر الذكر بالجهر العالي المنطلق وبسرعة متزايدة ثم يهبط بالتدريج الي الأداء بدرجة أعلي من السر ويستمر كخلفية »ايقاعية سريعة« لألحان المنشد المنفرد مرة اخري مبتدئا »بالمدد« وبعد انتهاء الانشاد
المنفرد ينضم المنشدون إلي رئيسهم المنشد المنفرد في أداء قصيدة صوفية. »ولكنها مرت كأحلام نائم..« ولحن القصيدة من مقام »حجاز كار« وكالملاحظ دائما فإن اداء الوحدة الايقاعية للذكر في الخلفية يزداد سرعة، كما تزداد سرعة انشاد القصيدة تبعا لذلك وعندمنا تبلغ السرعة ذروتها. يظهر الذكر في حالة استمرار وقد سكت الانشاد.
هنا يبدأ الذكر بلفظ »قيوم« علي درجة« صول فوق دو الوسطي، بالجهر المتوسط وبأداء زمني متوسط السرعة. بعد الذكر بلفظ قيوم يعطي شيخ الحضرة الاشارة بصوته ذاكرا بلفظ الجلالة »الله« ويبدأ بعده الذاكرون »بالجهر العالي« مع »المد الطويل« أي »الأداء البطيء العريض«- الذكر بلفظ الجلالة« علي درجة» دو- اكتاف دو الوسطي« مرتين ثم يتحول اداء الذكر الي السرعة المتوسطة وبالتدريج الي أقصي سرعة ممكنة يحددها الشيخ بالتصفيق- وذلك مع انتقال اصوات الذاكرين بلفظ الجلالة »الله« من درجة »دو- اوكتاف دو الوسطي« صعودا الي درجة »فا«- ويتكرر الذكر هنا بوحدته الايقاعية المتزايدة السرعة »05 مرة« بعدها يعطي شيخ الحضرة الاشارة للذاكرين ومعناها انه يدعوهم للجلوس.
ثم يجلس الذاكرون والمنشدون وتسود الحضرة حالة صمت استعدادا للاستماع الي »ماتيسر من آيات القرآن« ويسود انغام هذه القراءة طابع مقام البياتي.
وعند هذه الفقرة وهي »قراءة القرآن« وبعد ان تصبح »الحضرة من جلوس« ينتهي القسم الأول من الشكل الموسيقي العام للحضرة.
-وبعد انتهاء المقريء من »قراءة ما تيسر من القرآن« تستمر »الحضرة من جلوس« واول ما تبدا به هو اشتراك الذاكرين والمنشدين في الانشاد بالتنغيم البسيط المصاحب للجلالة »لا إله إلا الله« وبهذا التنغيم البسيط يبدأ القسم الثاني من الحضرة وهو القسم الي يندمج فيه الذاكرون مع المنشدين في اداء الحان القصائد الصوفية وترديد نفس الحان هذه القصائد ولكن مع لفظ الجلالة »الله« أو بالاضافة الي »لا إله إلا الله مولانا«.
ينتهي القسم الثاني من الحضرة والذي يجمع الذاكرين والمنشدين في أداء ألحان القصائد الصوفية عندما يعطي شيخ الحضرة اشارة النهاية، ثم يقول للذاكرين والمنشدين بصوت هاديء- الفاتحة يا أحباب- وهكذا يبدأ الجميع قراءة الفاتحة، وتكون هذه القراءة في السر، والقاعدة أن تقرأ الفاتحة- 3 مرات- الأولي »لأبي الحسن الشاذلي (رض)« والثانية »لسلامة الراضي (رض)« والثالثة للنبي (ص) وأهل بيته الكرام« ولا تقرأ الفاتحة في كل مرة إلا بعد إذن شيخ الحضرة بقوله »الفاتحة يا أحباب«.
وتقرأ الفاتحة لرابع مرة بإذن من شيخ الحضرة كبديل »للمصافحة« حيث لايستطيع شيخ الحضرة مصافحة جميع الحاضرين لكثرة عددهم.
وبعد قراءة الفاتحة للمرة الرابعة يؤدي الذاكرون والمنشدون- ذكر الجلالة »لا إله إلا الله« 3 مرات ثم »محمد رسول الله« مرة واحدة. وهذا الذكر هو خاتمة الحضرة وعادة تتبعه قراءة الفاتحة- بالجهر- لصاحب المقام الذي يحتويه المسجد الذي اقيمت فيه الحضرة، ويضاف الي الفاتحة »الصلاة والسلام عليك يارسول الله، الصلاة والسلام عليك ياحبيب الله، الف صلاة، والف سلام عليك يا أول خلق الله وخاتم رسل الله«... والأداء هنا بالالقاء الايقاعي شبه المنغم وهو نفس الأداء الذي تبدأ به الحضرة.
معلومات فرعية
1- »ذكر الجلالة« هو الذكر ب»لا إله إلا الله« والذكر هنا اشارة الي نفي الأغيار- ما سوي الله- أي ان المريد الذاكر مادام قد دخل الي »الحضرة« فلابد ان يكون مستغرقا في الله.
2- لفظ الجلالة »الله« ينتقل المريد في الحضرة بعد الذكر بالجلالة »لا إله إلا الله« إلي الذكر بلفظ الجلالة ويستغرق في اسم الذات- الله-.
3- »هو« بعد الذكر بلفظ الجلالة- الله- يتجرد المريد الذاكر من حظ النفس ويبدأ الذكر ب»هو« فهو لايذكر ب»يارازق« مثلا فيستحضر بذلك صفة الرازقية- أي انه يطلب لنفسه حظا او نفعا« فلا يوجد غير الذكر ب»هو« للوصل الي الاستغراق في هوية الحق والغيب الذاتي عن الصفات.
4- »حي« ينتقل الذاكر من »الهوية« الغيبية- الي الادراك والصحوة بالذكر »حي«.
5- »قيوم« ثم يعود الذاكر الي مقام البقاء بذكر »القيوم« ومعناها القائم بنفسه المقوم لغيره، وهذا اعتراف من العبد الذاكر بأن بقاءه مستمد من بقاء الله وهكذا يدرك الذاكر بعد غيبة في هوية الله »هو« يدرك الذاكر عودته الي البقاء بالاسم »حي« ان هذا البقاء مقوم بقيومية الله.
الحاج محمود علي محمد الزهار (27 سنة)
-رئيس فرقة الانشاد التابعة للطريقة الحامدية الشاذلية، حفظ ألحان الإنشاد علي يد الشيخ سلامة الراضي مؤسس الطريقة الحامدية الشاذلية، وكان منشدا مجيدا.
-بدأ الشيح الزهار القيام بالانشاد سنة 4291 في منزل السيد محمد عاشور قناوي نائب الطريقة الحامدية الشاذلية »بحي الجمالية«.
-درس مقامات الموسيقي العربية والأوزان الايقاعية الموروثة علي يد شيخ الموسيقيين »الشيخ درويش الحريري وهو ابن خال الشيخ محمود الزهار«.
-قبل قيام الشيخ الزهار بالانشاد الصوفي كان الشيخ محمد مرزوق هو المنشد الاول التابع للطريقة الحامدية الشاذلية.
-يقول الشيخ محمد الزهار أن احباب الطريقة الحامدية الشاذلية يحفظون ألحان الانشاد عن طريق الاستماع من رئيس فرقة الانشاء عددا كافيا من المرات.
-رئيس فرقة الانشاد الشيخ محمود الزهار يقوم بتدريب المنشدين علي أداء الألحان في مقر المشيخة في أيام محددة كل اسبوع. ويستعان به في تنظيم فرق الانشاد التابعة للطريقة الحامدية الشاذلية بالأقاليم.
النتائج
إن القيمة الموسيقية البارزة في الحضرة تتمثل في ذلك التكوين العضوي المتكامل بين ايقاعات الذكر وألحان الانشاد، والملاحظ ان التكوينات الايقاعية للذكر متنوعة في الشكل ودرجة الأداء الصوتي، ودرجة السرعة، وان هذا التنوع نابع من ضرورة التعبير عن مضمون نصوص الذكر والوصول بالحاضرين الي حالة روحية عالية، وهذا ما يكشف عن وجود خط درامي يبدا مع ايقاعات الذكر التي تتحرك من نقطة اولية معتدلة السرعة ثم تنتهي الي ذروة الحركة السريعة.
والملاحظ أن التكوين الموسيقي للحضرة وهو يهدف الي تحقيق هدف روحي لابد أنه قد اخذ شكله المحدد عبر زمن
طويل. ويكشف عن ذلك ألحان بعض القصائد الصوفية القريبة الشبه من ألحان الكنيسة المصرية، ولابد لتحقيق ذلك الشبه علميا من ان يشترك اكثر من موسيقي باحث في دراسة ألحان الكنيسة المصرية وألحان الحضرة الصوفية في المساجد، وبهذا نستطيع تتبع تطور الاشكال الموسيقية الدينية في مصر، ونحدد مكان الشكل الموسيقي للحضرة الصوفية في خط تطور موسيقانا الدينية.
ان الحضرة شكل من اشكال التعبير الموسيقي المعتمد علي الصوت البشري فقط بمعني ان الآلات الموسيقية ممنوع استخدامها داخل المسجد واهم ما تمتاز به الحضرة هو شكل الانشاد الجماعي المركب من خطين هما الوحدة الايقاعية للذكر في الخلفية وخطوط ألحان الانشاد في »الامامية« وهذا التركيب ابداع موسيقي جماعي خلقته بالضرورة مفاهيم الذكر في الحضرة الصوفية، حيث لابد من استمرار الذكر للوصول الي الحضرة العلية، وايضا لابد من استمرار الانشاد لتوصيل المدد والنشوة الروحية الي الذاكرين.
ان التكوين الموسيقي للحضرة يتضمن حوارا بين الذاكرين والمنشدين وذلك واضح علي وجه الخصوص ابتداء من القسم الثاني في بناء الحضرة وهذا الحوار رغم انه يتحرك في مسار لحن واحد، إلا انه يكشف عن حيوية الاداء بتقسيم اداء اللحن الواحد بحيث يعطي الاحساس بالسؤال والاجابة عليه من المنشدين من جانب والذاكرين من جانب اخر.
إن أداء الانشاد الجماعي في الحضرة رغم تلقائيته عميق التأثير لصدق المؤدين لهذا الانشاد.
ان القالب الموسيقي للحضرة يقدم لنا نموذجا موسيقيا متكاملا يستطيع المؤلفون الموسيقيون الإفادة منه في التأليف لفرق الغناء الجماعي التي تعبر عن مضامين افكارنا التي نعيد بها صياغة مجتمعنا من اجل بناء حياة يسودها العدل والرخاء والاخاء.
والواضح انه رغم تلقائية الأداء في الحضرة الا ان بناءها الموسيقي يحتوي علي خصائص أدب الموسيقي المتطور، مثل الأداء بالجهر العالي والمتوسط والأداء بدرجة أعلي من السر، وهذا ما يقابل مصطلحات التعبير في الموسيقي الاوربية
الكلاسيكية مثل:
Piano, Pianissino Fortissimo
واذا أضفنا أن معظم أنواع الغناء التي تنتجها اذاعتنا مثلا لا تدخلها مثل هذه المصطلحات الخاصة بالتفسير الموسيقي، فإننا في ضوء البحث الحالي قد كشفنا عن وجود هذه المصطلحات في القالب الموسيقي للحضرة- وبذلك نؤكد ان دراسة هذا القالب هامة كأساس لتطوير التعبير في اغانينا الدنيوية والدينية.
اقتراحات
إن دراسة الموسيقي الدينية في مصر مترامية الأطراف ولا يمكن ان تقوم علي أساس مجهودات علمية فردية يقوم بها هذا الباحث أو ذاك، وذلك مع احترامنا لمجهودات كل باحث متخصص قدم عملا في هذا المجال.
وإني اقترح الآتي: (أولا) انشاء مركز للدراسات والبحوث الموسيقية »علي مستوي الدولة« يضم موسيقيين باحثين متفرغين للبحث مهمته الأولي تسجيل كل ماهو تراث موسيقي ديني في مصر.
(ثانيا) انشاء معهد للموسيقي الدينية الإسلامية يجمع بين تدريس العلوم الموسيقية العربية والعالمية والعلوم الانسانية الضرورية لاعداد باحثين في الموسيقي الدينية الإسلامية وفي اطار هذا المعهد علي سبيل المثال نستطيع دراسة عنصر الايقاع الموسيقي في القرآن الكريم، وعنصر النغم في ضوء تسجيلات المقرئين وعنصر الالقاء الايقاعي شبه المنغم في ضوء تسجيلات القرآن المرتل.
(ثالثا) تكوين فرق كورال من شباب الجامعة الأزهرية من الجنسين بحيث تتخصص هذه الفرق في الانشاد الديني وتقديم الاعمال الموسيقية الدنيوية المستلهمة من الأشكال الموسيقية الدينية الموروثة.
الخاتمة
وإني إذ أقدم هذا البحث اؤكد انني قد بذلت كل ما في وسعي لكي أكون واقعيا موضوعيا. ومع ذلك فانني لا ادعي انني بلغت الكمال. واني آمل ان اجد الوقت الكافي والامكانيات اللازمة لكي اتابع البحوث والدراسات الموسيقية الإسلامية والقبطية، مع ايماني بأن هذا العمل يحتاج الي جهود مشتركة من الموسيقيين الباحثين جميعا حتي نحقق رؤية علمية شاملة لتراثنا الموسيقي الديني.
الفوتوغرافيا من كتاب:
Living Sufism


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.