ليس من الخفي أن العلاقة بين الموسيقي والتاريخ قد يراها البعض غير وثيقة ويتعامل معها علي هذا الأساس، لذا كان من الطبيعي أن يصف الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة والمشرف علي مشروع "الموسيقي والذاكرة" فكرة المشروع بأنها مجنونة، وقال: بدأناه بأربعة عشر مؤرخا وموسيقيا، لو نجح فسوف نتوسع في أول محاولة لكتابة التاريخ الاجتماعي للموسيقي. بدأت القصة حين تبنت المؤسسة الثقافية السويسرية "بروهلفتسيا" مؤخرا بالتعاون مع المجلس الأعلي للثقافة، مشروعا بعنوان "الموسيقي والذاكرة"، يشارك به 14 مؤرخا وموسيقيا للتأريخ للموسيقي والأصوات، وعن هدف المشروع قال الدكتور عفيفي: نهدف للخروج عن الشكل التقليدي في دراسة التاريخ، الذي ينحصر في التاريخ السياسي، وتاريخ الزعماء وحسب، أردنا دراسة جانب غير مطروق في تاريخ الشعوب، ألا وهو الموسيقي والغناء، فهو يخلق الوعي الجمعي للشعوب. وأكمل: يهتم المشروع بتوثيق الموضوعات التي لم يهتم بها الناس، مثل لقاء الموسيقي الشرقية مع الموسيقي الغربية، منذ قدوم الحملة الفرنسية وحتي الآن، هل كان لقاء أم صدام، وماذا حدث؟ التغيرات التي لحقت بالموسيقي الشرقية، وتأثير هذا علي الناس وتغيير أذواقهم، وعلاقة هذا كله بالحداثة وتغير المجتمع، الذي أضحي يستخدم آلات الراديو والتليفزيون والأسطوانات، نناقش موضوعات مثل السلام الوطني، التي هي في الأساس فكرة غربية، حيث وجب علي كل دولة في أوروبا أن يكون لها سلام وطني، ونتساءل هل تطور السلام في مصر كان نابعا من موسيقي شرقية أم دخلت عليه موسيقي غربية كموسيقي فردي الإيطالي والموسيقي الأوبرالية؟ كذلك نرصد التغييرات التي حلت علي السلام فتحول من ملكي إلي جمهوري، ومن الله أكبر، إلي بلادي بلادي، والتغيير هنا لم يحل علي السلام الوطني وحسب، بل تغيرت الأغنية والغناء، نناقش أيضا هل نجح سيد درويش في إيجاد التواصل بين الموسيقي الشرقية والموسيقي الغربية، وهل كانت موسيقاه شرقية صرفة أم غربية، وتأثير هذه التغييرات كلها علي الشعب، نناقش أيضا موضوعات معاصرة مثل غناء أحمد عدوية، وكيف عبرت عن عصر الانفتاح، حيث سوق الكاست، والتغيير الاجتماعي، واختفاء ثقافة الأسطوانة. وأضاف: المشروع له جانب نظري عبارة عن دراسات ومحاضرات، وجانب تطبيقي وعملي يتمثل في حفظ الأصوات المميزة للأماكن في مصر، فالطبيعة في سيوة مثلا لها أصوات تختلف عن تلك التي نسمعها في منطقة وسط البلد، من كلاكسات، لذا ننوي من خلال المشروع القيام بعمل أرشيف للأصوات، ليس فقط أصوات الطبيعة والحياة، وإنما انعكاسات ذلك علي التاريخ والمجتمع، ومحاولة من جانب الموسيقيين المصريين للمزج بين الموسيقي العربية والشرقية. وأكمل: يشارك في المشروع سبعة مؤرخين، وسبعة موسيقيين، بعضهم أساتذة في كليات التربية الموسيقية، والكونسرفتوار، يجتمعون معا ويدخلون في نقاشات حادة، يطرحون خلالها العديد من القضايا، وسوف نخرج من المشروع بكتاب أشارك فيه بورقة بحثية حول "موسيقي القرن التاسع عشر بين الشرق والغرب، لقاء أم صدام"، إلي جانب عدد من الأبحاث منها "السلام الوطني والتأثير الغربي" للدكتور عماد حسين، و"موسيقي حسب الله" للدكتور أحمد الحناوي، والدكتور ماجد عزت عن "نهضة الموسيقي القبطية في العصر الحديث، وسيد محمود عن "أغاني عدوية، ثقافة الصفوة وسيادة الشعبي"، والدكتورة رشا طموم عن "مسرح سيد درويش الموسيقي".. وإلي جانب هذا الكتاب سيكون هناك (سي دي) يحوي مقطوعات موسيقية، مع أرشيف صوتي لمدن مصر، ومحاولات تأليف موسيقي من جانب الموسيقيين المشاركين للتأليف بين موسيقي الشرق والغرب.