قطع المياه عن مدينة منوف لمدة 5 ساعات    تأكد مقتل نائب رئيس مالاوي وتسعة آخرين بعد العثور على حطام طائرتهم    منتخب فلسطين يخسر بخماسية أمام أستراليا.... في تصفيات كأس العالم ...المدير الفني السابق لمنتخب مصر يستقيل من مهمته مع سوريا بعد هزيمة امام اليابان    أخبار الأهلي: قرار هام من كولر في الأهلي بسبب المنتخب الأولمبي    طارق العريان يكشف عن جزأين رابع وخامس من "ولاد رزق"    «ناسا» تكشف عن المكان الأكثر حرارة على الأرض.. لن تصدق كم بلغت؟    مدبولي ونائب رئيس جمهورية غينيا الاستوائية يترأسان جلسة مباحثات موسّعة.. صور    البورصات الخليجية تغلق على تباين.. والمؤشر القطري يصعد للجلسة التاسعة على التوالي    ندوة تثقيفية لمنتخب مصر للكرة الطائرة حول مخاطر المنشطات    مدرب بلجيكا: دي بروين يتلقى إشارات في الملعب من طائرة دون طيار    السجن المشدد 6 سنوات وغرامة 500 ألف جنيه لمتهم بالاتجار في المخدرات ببورسعيد    اندلاع حريق في قصر فرساي ورجال الإطفاء يخمدونه بسرعة    أسعار الخضروات اليوم الثلاثاء الموافق 11/6/2024 في سوهاج    عبدالقادر علام: التفرد والتميز ضمن معايير اختيار الأعمال فى المعرض العام 44    تعرف على أهمية يوم عرفة في الإسلام    يورو 2024 - الإصابة تحرم ليفاندوفسكي من مواجهة هولندا    "التنظيم والإدارة" يتيح الاستعلام عن القبول المبدئي للمتقدمين في 3 مسابقات    بريطانيا: ارتفاع مفاجئ في معدل البطالة يصيب سوق الوظائف بالوهن مجددا    قبل أولى جلسات المحاكمة.. مفاجأة بشأن قضية اتهام عصام صاصا مطرب المهرجانات    «بابا قالي رحمة اتجننت».. ابن سفاح التجمع يكشف تفاصيل خطيرة أمام جهات التحقيق    عيد الأضحى في المغرب.. عادات وتقاليد    روسيا: تدمير مقاتلتين أوكرانيتين من طراز سو-27 و سو-25 في مطاراتها    «الدفاع الروسية» تكشف أسباب تحطم طائرة "سو-34" خلال طلعة تدريبية    مسرح العرائس يطرح أفيش مسرحية «ذات.. والرداء الأحمر».. العرض ثاني أيام العيد    إنييستا: تعاقد برشلونة مع صلاح كان ليكون مميزا    5 أعمال ثوابها يعادل أجر الحج والعمرة.. تعرف عليها    بدائل الثانوية العامة.. شروط الالتحاق بمدرسة الضبعة النووية بعد الإعدادية (رابط مباشر للتقديم)    الأعلى للإعلام يستدعي الممثل القانوني ل أمازون مصر    هل عمر الأضحية من الإبل والبقر والغنم محدد أم مطلق؟.. «الإفتاء» توضح الشروط    هيئة الرعاية بالأقصر تكرم 111 فردا من قيادات الصف الثاني بالمنشآت التابعة لها    أهم النصائح والإرشادات للحاج للمحافظة علي صحته خلال تأدية المناسك    رئيس الضرائب: المصلحة تذلل العقبات أمام المستثمرين السنغافوريين    مصرع 39 شخصا في غرق مركب تقل مهاجرين قبالة سواحل اليمن    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    رئيس هيئة الدواء: حجم النواقص في السوق المصري يصل ل7%    تطوير وصيانة وإنتاج خرائط.. وزير الري يكشف عن مجهودات توزيع المياه في مصر    نجم الزمالك السابق يفتح النار على حسام حسن.. «إنت جاي تعلمنا الأدب»    بالصور- محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى    حكومة جديدة..بخريطة طريق رئاسية    تطوير مستشفى مطروح العام بتكلفة مليار جنيه وإنشاء أخرى للصحة النفسية    المجلس الوطني الفلسطيني: عمليات القتل والإعدامات بالضفة الغربية امتداد للإبادة الجماعية بغزة    مجد القاسم يكشف تفاصيل ألبوم بشواتي ومواعيد طرحه    تأجيل محاكمة المتهم بإصابة شاب بشلل نصفى لتجاوزه السرعة ل30 يوليو المقبل    «الصحة» إدراج 45 مستشفى ضمن البرنامج القومي لمكافحة المقاومة لمضادات الميكروبات    رضا البحراوي يُحرر محضرًا ضد شقيق كهرباء بقسم المعادي    الأزهر الشريف يهدي 114 مجلدا لمكتبة مصر العامة بدمنهور    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    محاولات للبحث عن الخلود في "شجرة الحياة" لقومية الأقصر    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    الدولار يقترب من أعلى مستوياته في شهر أمام اليورو    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    أحمد كريمة: لا يوجد في أيام العام ما يعادل فضل الأيام الأولى من ذي الحجة    سيد معوض يتساءل: ماذا سيفعل حسام حسن ومنتخب مصر في كأس العالم؟    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد يكتب: كيف تكون مصر دولة طبيعية؟ وهل اقتربنا من نهاية الدولة الفرعونية؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 30 - 04 - 2010

عبدالمنعم سعيد: سؤال الساعة هو إلي أين تسير مصر؟ البناء السياسي المصري لم يتغير طوال 30 سنة معظم القيادات تنتمي إلي الماضي في 2008 وقع 630 احتجاجًا
أو اعتصامًا أو إضرابًا أو مظاهرة: 80 من هيئات حكومية 240 من القطاع الخاص 110 من قطاع الأعمال في 2006 وقع في مصر 266 احتجاجًا وأرقام 2009 لم تظهر بعد
يوسف القعيد
1- مصر 2030
في مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء. مركز داخلي معني بالمستقبل. أي أنه مركز للأحلام. لأن علاقة الإنسان بالزمن الآتي تقوم علي الحلم. يديره رجل حالم هو الدكتور محمد إبراهيم منصور. دعاني لحضور محاضرة يلقيها الدكتور عبدالمنعم سعيد. ضمن برنامج مستمر في المركز عنوانه: مصر 2030، ولا تستبعد هذا التاريخ. فربما يطرق أبوابنا غداً أو بعد غد علي الأكثر. وأنا أقرأ لعبد المنعم سعيد كثيرًا من مقالاته وبعض كتبه. لكنها المرة الأولي التي أسمعه يتكلم لوقت طويل. والدكتور منصور عندما كان يقدمه أكد علي ليبراليته وعلي سؤاله الأساسي كيف تكون مصر دولة طبيعية؟ وهل اقتربنا من نهاية الدولة الفرعونية؟
سأل سعيد: إلي أين تسير مصر؟ وقال: إنه سؤال الساعة. وقال أنه لا يقصد جزئيات مما يثار كل يوم. ولكنه يقصد مكونات أمة. وقال إن الصورة الأولي عن مصر أنها لا تتحرك بل جامدة. الأجانب يقولون عنها مثل الحفريات. وذلك بسبب الحديث المستمر عن المشكلات. السكك الحديدية، الغني الشديد، الفقر الكثير، البناء السياسي لم يتغير طوال 30 سنة، القيادات كلها تنتمي إلي العقود الماضية، الشعب المصري لا يشارك في السياسة والشأن العام بشكل أساسي، في الانتخابات العامة لا يزيد عدد المشاركين علي 22% من المسجلين وليس من بين من لهم حق التصويت. البعض يقول إن البلد لا يتحرك أو أنها في حالة تراجع شديد. ورأيي أن مصر في حالة يمكن أن تصل إلي الغليان. في عام 2008، وقع 630 احتجاجًا واعتصامًا وإضرابًا أو مظاهرة. 80 من الهيئات الحكومية المختلفة. موظفو الدولة يثورون، 240 من القطاع الخاص، 110 من قطاع الأعمال، والباقي من فئات أخري. في 2006 كان في مصر 266 احتجاجًَا. وأرقام 2009 لم تصدر حتي الآن.
لدينا أصولية إسلامية. الإخوان أو الجماعات الأخري. يحاولون الاستيلاء علي المجتمع بعاداته وتقاليده وطعامه. لدينا كمية هائلة من الضوضاء مبعثها أجهزة الإعلام المختلفة. تشكل حالة من الانفجار الإعلامي. من الظواهر الجديدة البرادعي. شخص كان موجوداً في الخارج علي مدي 27 سنة. ثم يعود فجأة كما يحدث في بعض المسرحيات والقصص. ثم قال: إن مصر قد تنتقل من التقليدية إلي الحداثة. من العصور الوسطي إلي العصر الحديث.
مصر المعاصرة أو الحديثة بدأت من محمد علي «من 1805 إلي 1922» حيث تطورات التكنولوجية، التصنيع، السكة الحديد، التلغراف، الطباعة، لأول مرة يعرف المصريون الملكية. يعرفون فكرة المساواة. من يقول إن المساواة كانت قديمة في مصر لا أوافقه علي هذا. ففي زمن محمد علي عندما قتل مسلم مسيحياً فقتل القاتل. كانت هذه هي المرة الأولي التي بدأت فكرة المساواة في مصر « من 22 حتي 52» الفترة الليبرالية عرفت مصر البرلمان. الانتخابات المنظمة. هذه أمور جديدة علي دولة كانت تحكم عائلياً ثم جاء خروج المرأة. وأضاف الكثير للمجتمع.
من 52 حتي الآن. أجيال مختلفة من التطور التكنولوجي. ثم دخول التليفزيون. لدينا الآن 690 محطة ناطقة بالعربية فقط. هناك روسيا اليوم. من قبل كان عندنا 250 محطة إذاعة ناطقة بالعربية. بعضها كان يرسل من البرازيل ومن ألبانيا.
وتوقع ثلاثة تغييرات مصرية علي المدي الطويل.
(1) تدهور في الدولة الفرعونية. فالدولة الفرعونية قامت علي النهر. فالنهر اختفي والحاكم لم يعد إلهاً. الفرعون شكل من أشكال الاستبداد. الفرعون لا تجري مساءلته ولا تجري منافسته. هذا الوضع لم يعد موجوداً.
(2) عودة السياسة. قوي اجتماعية أصبحت لها تعبيراتها السياسية. وهذه القوي أعلنت عن نفسها في الواقع. في زمن عبدالناصر كان هناك إضراب عمال كفر الدوار. ومؤخراً رأينا ما جري إزاء مشروع شركة أجريوم في دمياط. والمشروع وافقت عليه القيادات كلها. ولكن الناس في دمياط رفضت المشروع وتوقف المشروع بسبب رفض الناس.
(3) إضافة فكرة التنمية للأمن. مصر تعرضت لغزوات كثيرة. وعاشت كثيراً تحت وطأة أشكال من الغزو. الأمن أصبح جزءاً من الحكم. كل هذا نابع من فكرة الخوف من الغزو الخارجي علي مدي 2500 سنة. مع أن التنمية مفتاح فكرة التقدم. والاستقرار مسألة مهمة.
وعن مستقبل مصر قال إن هناك جانبًا مرتبطًا بالنمو الاقتصادي، إن هذا يتيح القاعدة المادية التي تجعل عملية التفاوض الاجتماعي ممكنة. والأمر الثاني المعرفة والتعليم. إن زيادة درجة المعرفة مسألة مهمة والتطور التدريجي الذي أري فيه إمكانية توصلنا للديمقراطية واقتصاد السوق. أي للمجتمع الذي نحلم به.
2- مصر المملوكية
قال سعد هجرس الكاتب الصحفي المعروف: في مصر الآن خناقة بين القبور. تجرنا علي الحديث عن المستقبل. مع أن المطلوب الوصول إلي اتفاق وليس تعميق خلافات الجماعات المصرية. أتفق علي أهمية أن تصبح مصر دولة طبيعية. نحن الآن دولة غير طبيعية. نظام الحكم مسئول عن تحول مصر إلي دولة غير طبيعية. أوافق علي أهمية تغيير مصر. ثورة المعلومات فاقت ثورة ما بعد الصناعة والزراعة. ولكن التغيير يتم في أي اتجاه. التطور الاقتصادي في مصر لن يؤدي إلي تطور سياسي. الكلام عن التنمية أغفل الفساد. نحن نتحول إلي الدولة المملوكية. النهب وتدمير الموارد وصل إلي أقصي مدي. نحن لا نعرف إلي أين تسير هذه الدولة. عندما أصيب الرئيس مبارك بعارض صحي تراجعت المؤسسة. هل أدي ذلك إلي تراجع المؤسسة العسكرية؟ غير صحيح. 40% من المصريين أمييون. ونحن في زمن الثورة المعلوماتية. هناك سباق بين الحكومة والأصوليين. من الذي يضع العمامة علي رأسه أولاً؟ ألاحظ أن النخبة ما زالت مترددة. دستور 23 قال: إن دين الدولة هو الإسلام. أخشي علي مصر من سيناريو الفوضي. عندما قالت رايس «الفوضي الخلاقة» لم يأت كلامها من فراغ. ثم إن الدكتور عبدالمنعم سعيد عنده سكينة أحسده عليها ولا أتفهمها. نريد دولة مدنية علمانية حديثة. نحن نعاني من الدولة المملوكية التي أتت علي أشلاء الدولة الفرعونية.
رد عليه الدكتور عبدالمنعم سعيد وقال إن مصر ليست الدولة المملوكية الآن. لا أحد يمتلك مصر الآن. يمكن أن يقال هذا الكلام الآن من باب المبالغة في حديث تليفزيوني. البلد فيه فساد. نعم. لا يوجد مأزق في البلد ولا أزمة. هناك توتر. ثم قال عبدالمنعم سعيد في آخر الحوار إنه لم يجب عن أي شيء لا يعرفه. وإن كلامه كله دار عما يعرفه تماماً.
3- من بنها
في يوم آخر ذهبت إلي بنها. بدعوة من حمادة إسماعيل. عميد آداب بنها. والمؤرخ المعروف. اصطحبني علي مصطفي كامل. أستاذ الجغرافيا بآداب بنها إلي هناك. وجري بيننا حديث طويل عن جمال حمدان ومحنته. من خلال رؤية أستاذ جغرافيا. وتلميذ سابق للدكتور صبحي عبدالحكيم. الذي كان طرفاً في مشاكل جمال حمدان. ولولا أنه طلب مني أن يكون الحديث خاصاً وليس للنشر. لكتبت ما جري بيننا. حيث جري لقاء مع طلاب كلية الآداب ببنها. كان معي فيه لطيفة سالم. أستاذ التاريخ المعاصر والحديث بالكلية. محمد حافظ دياب. العالم والمفكر وأستاذ علم الاجتماع. وسميح شعلان. عميد معهد الدراسات الشعبية بأكاديمية الفنون. مع حفظ الألقاب العلمية.
حافظ دياب اكتشف عملاً فنياً عبارة عن قصيدة من ألف بيت من الشعر عن مقاومة المصريين في الحملة المصرية علي مصر. والرجل يقف في منتصف المسافة بين الأدب والتاريخ والتراث. وكل منهم يكمل الآخر. حافظ دياب ذاكرة بنهاوية تمشي علي قدمين. رغم أنه أساساً من قرية قريبة من المنصورة. قال لي: إن جاك بيرك عندما جاء إلي مصر منتدباً إلي مركز التربية الأساسية في سرس الليان. اختار أن يعيش في بنها. وله كتاب بالفرنسية عن الفترة التي عاشها هنا في بنها. وللأسف الشديد فإن هذا الكتاب لم يترجم بعد إلي اللغة العربية. قال له الدكتور صفوت زهران. رئيس الجامعة: احضر الكتاب وسنترجمه وننشره فوراً من الجامعة هنا.
ولطيفة سالم تذكرني دائماً بأستاذها يونان لبيب رزق. سمعت اسمها منه لأول مرة. وهي مؤرخة مجتهدة ودءوبة. تكلمت كثيراً عن نظرية المؤامرة. وقالت إنها لا تؤمن بها أبداً. نقول إن محمد علي ضُرِب. ونقول إن إسماعيل ضُرِب. ونقول إن عبدالناصر ضُرِب. ولكن المهم أن مصر كانت تقوم بعد كل ضربة. لم تكن لطيفة سالم سعيدة بتهميش المرأة في حياتنا. وكان لديها أمل في أن نظام الكوتة الجديد يمكن أن يوفر للمرأة فرصة للعمل السياسي. المحزن أن أحد الطلبة لم يكن قد سمع عن الكوتة. وقام وسأل عن الأمر.
4- احكم بالعدل يا قاضي
أما سميح شعلان الذي يعتبره حافظ دياب ولده الأبهي والأجمل والأنفع. فلم يتحدث مثلنا. لكنه قدم حدوتة من التراث الشعبي يريد أن يقول من خلالها كل ما يريده. بدأ كلامه هكذا: صلوا بينا علي النبي. همست القاعة: عليه الصلاة والسلام. ثم قال: كمان زيدوا النبي صلاة. وسمعت الهدير الشعبي الجميل الذي يصلي علي النبي. قال سميح شعلان: كان في ست صغيرة ودارها صغيرة. كل ما تكنس تلاقي جنيه. تحطه في «الرازونة». وتاني يوم تلاقيه اتسرق. ثم ذهبت إلي القاضي تشكو له. فاستمع إليها ونصحها بما يمكن أن تقوم به حتي تضبط اللص. إلي آخر الحدوتة المعروفة التي تحض علي عدد من الفضائل الإنسانية الجميلة. فالبطلة تكنس بيتها. أي تحرص علي النظافة. وتكافيء بجنيه تجده. واللص يسرقه منها. والقاضي الذي هو في خدمة الناس. يضع لها خطة محكمة لكي تقبض علي اللص.
إنها حدوتة الفضائل الجميلة التي تاهت منا في زحمة الحياة. وسميح شعلان نظر إلي القاعة وقال: نحن نجلس مع المستقبل. ومع هذا لا بد أن نعترف أن الطبلية لم تعد تلمنا. وأننا نمينا روح الفردية فينا. ولذلك لا يجب أن نحزن. لأن أبناءنا يذهبون بآبائهم وأمهاتهم لبيوت المسنين. ويجب أن نعترف أننا نحن الذين زرعنا في نفوسهم. وتساءل سميح شعلان: أين الضمير؟ أين منظومة القيم التي بدأنا نفتقدها؟ نحن في أمس الحاجة لغربلة قيمنا ومعتقداتنا. وأيضاً لا بد من غربال نغربل فيه كل القادم إلينا. حتي نستطيع أن نصل إلي منظومة قيمية تناسبنا. وتساعدنا علي أن نتقدم في حياتنا.
الدكتور حمادة إسماعيل. صاحب دراسة مهمة عن انتفاضة 1935، وله كتابات عن أقاليم مصر وعن عمرانها. وعن قصة الحضارة المصرية. قال: إن كل من هب ودب يكتب في التاريخ. ولذلك يجب الاحتكام إلي المدرسة الأكاديمية. وقال إن الهجرة من مصر هي كفر بالوطن. وأن الشباب الذين يموتون أمام سواحل أوروبا لو عادوا إلي قراهم لعاودوا الهجرة مرة أخري. مع أنه يعرف قرية هاجر خمسون شاباً منها لم يصل منهم إلا خمسة. وقال إن انسحاب الدولة من حياة الناس خطير جداً. وذكر أن قرية العمار وهي القرية الشهيرة جداً بزراعة المشمش أصبحت خرابة. قلت له إن العمار قرية الفنانة إلهام شاهين. قال لي: لا. إن إلهام شاهين من قرية منشية العمار. وليست من العمار. ثم تساءل: من الذي زرع كل هذا اليأس فينا؟ وأكد أن الويل. كل الويل لمن لم تكن عنده قيمة.
5- وإلى بنها
تحدثت مع المستقبل. مع شباب الجامعة. قلت إن بنها تعني بالنسبة لي ذلك الكوبري الجميل الذي كان يعبره القطار في رحلتي من قريتي إلي القاهرة. التي نسميها مصر. كان يمر القطار علي كوبريين. كوبري كفر الزيات القريب من قريتي. وكوبري بنها القريب من القاهرة. وهناك أغان وأساطير كثيرة عن الحب والعشاق عندما نقترب من كوبري بنها. قلت إنني حضرت إلي بنها أكثر من مرة. جئت هذه الكلية أيام الدكتور رجاء عيد. رحمه الله. في لقاء مع الطلاب. ثم قدمت طالبة بحثاً لنيل درجة الماجستير في علم الاجتماع عن صورة قريتي: الضهرية، مركز إيتاي البارود، محافظة البحيرة. في أعمال روائية. وإن كانت ظروفي لم تسمح لي بحضور المناقشة. ثم جئت مع جمال الغيطاني عندما أبلغنا صديقنا سمير فرج. وقت أن كان رئيساً للأوبرا. وخلال إقامته لمهرجان الموسيقي العربية. أن مطرب حلب الجميل صبري مدلل سيغني في بنها. جئنا من القاهرة للاستماع إليه. وعدنا ونحن ندرك أن الرحلة لم تذهب هباءً. فقد أمتعنا الرجل بغناء ينتمي إلي زمن لم يعد له وجود.
قلت: إن بنها مدينة جني عليها قربها من القاهرة. ينظر إليها علي أنها ضاحية من ضواحي القاهرة. لا يوجد فيها مسرح ولا سينما ولا مرسم للفن التشكيلي. ولا أي شكل من أشكال الفنون الحديثة. مع أن هذه المحافظة هي التي قدمت لمصر جمال حمدان، عبقريتها الباقية والرجل الذي وضع أساس الجغرافيا السياسية في مصر. قلت إن استقلالية بنها لا بد أن تبدأ في أذهان المسئولين عنها. ولا بد أن ينسوا أن بينها وبين القاهرة خمسين كيلو متراً فقط.
6- الطالبة التي قالت لا
قابلت رئيس الجامعة الدكتور صفوت زهران. وأنا أحسده علي اسمه. فيذكرني بأسماء أبطال روايات نجيب محفوظ. الذي كان يتعب نفسه كثيراً في اختيارها. أول مرة أراه. وهو رجل حكاء. راو. يمكن أن تقضي معه ساعات طويلة ولا تمل سماعه. أتي لرئاسة الجامعة من باريس. حيث كان مستشاراً ثقافياً لمصر هناك.
قال لي: إنه بدأ هذا الأسبوع الثقافي بلقاء مع كل طلاب الجامعة. استمر أكثر من خمس ساعات. رفض أن يكتب كل طالب سؤاله علي ورقة ويرسلها له. لأن في ذلك شكلاً من أشكال الرقابة. الذي يدفع الطلبة إلي العزوف عن إرسال الأسئلة. وطلب من كل طالب وطالبة أن يقف وأن يتكلم وأن يقول ما عنده صراحة. ودون لف أو دوران. وقد فوجئ خلال هذا اللقاء بطالبة تقف معترضة علي عرض فيلم: دكان شحاتة. ضمن أنشطة الأسبوع الثقافي. وقد وقفت الطالبة وقالت لرئيس الجامعة إنها تعترض علي عرض هذا الفيلم. بسبب عدم رغبتها في مشاهدة بطلتها. وقد شرح لها رئيس الجامعة فائدة عرض الفيلم الذي سيحضر عرضه المخرج والمؤلف وأبطال الفيلم.
7- جبرا ومنزله
حزنت كثيراً جداً عندما عرفت مما كتبه ماجد السمرائي في جريدة الحياة اللندنية. أن الانتحاري الذي قاد سيارة مفخخة مستهدفاً مبني القنصلية المصرية في بغداد. والذي جعل من مدخل أو كراج الدار المجاورة له طريقاً له نحو هدفه. لم يكن يعرف أنها دار الروائي والشاعر والمترجم والفنان جبرا إبراهيم جبرا. الذي توفي قبل ستة عشر عاماً. وأنا زرت هذه الدار قبل سنوات بعيدة. ولاحظت أنها متحف أكثر من كونها داراً. فالرجل كان صاحب ثقافة موسوعية. تتعدي كثيراً الكلمة المكتوبة. كانت لديه أعمال فنية نادرة لكبار فناني العراق. ووثائق كثيرة منها الذي لم ينشر. والمنشور. وفيها الكثير من مسودات رواياته الأولي وقصصه. فضلاً عن كم هائل من رسائل الأدباء العرب وأدباء العالم إليه. وكان يعتبرها ثروته الكبري. أيضاً كانت لديه تسجيلات صوتية وأشرطة فيديو كثيرة. مما يشكل ذاكرة ثقافية لمثقف كبير عاش معظم سنوات القرن العشرين.
إن الدمار الثقافي الذي أصاب كثيراً من ملامح بغداد. ووجه بشكل خاص. ربما بالصدفة أو بمنطق التخطيط. إلي دور الأدباء والكتاب. لم نتوقف نحن أمامه طويلاً. ففي بداية الغزو الأمريكي للعراق تم تدمير منزل ميشيل عفلق. القائد المؤسس لحزب البعث. والذي كان يعرف ب «أبو محمد في العراق». وقد شاهدت علي شاشة التليفزيونات أوراقه وكتبه ومقتنياته ملقاة في الشارع قبل أن تلتهمها النيران. إن هذه الذاكرة المهدرة ربما كانت من أهم ما فقدته الثقافة العربية خلال العقد الأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.