إحدي السمات الأساسية للدول المتقدمة، وللأفراد في هذه الدول، هي حالة التركيز العالية في كل ما يقومون به ، وفي كل ما يطلب منهم .. حتي في اللعب، تراهم في منتهي الجدية والتركيز.. وحتي في الضحك ، تجد منتجاتهم الترفيهية والكوميدية في منتهي الجدية.. وأولاً وقبل كل شيء في شئون حياتهم العملية والعلمية تبدو سمة التركيز واضحةً في كل ما يقومون به أو يسعون إليه.. هم يطبقون قول المولي سبحانه وتعالي " ما جعل الرجل لرجل من قلبين في جوفه"، وقول المصطفي " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".. والتركيز هو أحد متطلبات الإجادة والإتقان، بل هو متطلبهما الأساسي .. وانظر حولك.. عندنا.. وفتش معي عن حالة تركيز واحدة ، في أي مجال من المجالات.. والإجابة هو أنك ستجد معظم الناس، إلا من رحم ربي ، في حالة توهان.. الناس لدينا تقوم بأعمالها "بنصف دماغ" و" بنصف قلب"، و"من غير نفس" .. لا يكاد يلفت نظرك وجود شخص معك أو في عمله بقلبه وقالبه كما نقول ، أو بكامل تركيزه .. بل هو نصف معك ونصف في مكان آخر.. جميعنا الآن يسمع بأذن واحدة ، ويبصر بعين واحدة، والأذن والعين الأخريان في مكان آخر، ومنشغلتان بموضوع آخر.. في إجازاتنا.. يحرص كثير منا علي أن يأخذ معه ما تيسر له من ملفات الشغل ، ومن هموم العمل ، حتي ينتهي منها " علي رواقة" .. وهو لا يعرف أنه بهذه الطريقة قد قتل إجازته ، وأنه أصبح بنصف قلب .. وأنه مثله كمثل الرجل الذي " لا أرضاً قطع ، ولا ظهراً أبقي" .. فلا هو استمتع بالإجازة كما خلقها الله ، ولا بقي في عمله كما كان .. وفي أيام العمل .. تري ذلك الرجل بنص عقل .. إذ يفكر فيما سيفعله في الإجازة ، وفي طريقة الاستمتاع بها والتجهيز لها .. وهو في هذه الحالة " مقطوع الفؤاد" ولا يستطيع التركيز في العمل .. الطلاب عندنا في مصرنا الحبيبة يذاكرون بنصف قلب وربع عقل.. لا تجد لأكثرهم قدرة علي التركيز المتصل والمتواصل .. شيء ما غير مفهوم .. وما هو مفهوم أن الطلاب منشغلون بشيء ما غير التعليم ، وأن أولياء أمورهم منشغلون بأشياء أخري أساسية أو ثانوية .. المهم أن الكل منشغل عن الهدف الأصلي .. لاعبو الكرة عندنا لا يركزون .. أرجلهم داخل الملعب ، وعقولهم خارجه .. وقلوبهم معلقة بينهما .. تري معظمهم سكاري ، وما هو بسكاري ، ولكن أحلامهم ، والملايين التي يطمعون في تحقيقها ، والشهرة التي يحظون بها .. تجعلهم في حالة توهان. يا جماعة .. من فضلكم .. مطلوب " شوية تركيز" ..