طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    وزيرة الهجرة تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    شركة مياه الشرب بالشرقية تنظم قافلة مائية في منيا القمح    وزير الشباب يترأس لجنة مناقشة رسالة دكتوراة في كلية الآداب جامعة المنصورة    توريد 189 ألف طن قمح بكفر الشيخ    فيضانات ألمانيا.. إجلاء المئات ووقف العمل في محطة لتوليد الطاقة الكهربائية    الاحتلال يدمر نحو 300 منزل خلال العملية العسكرية المستمرة على جباليا    لاعب نهضة بركان: مستعدون لجماهير الزمالك.. وسنلعب على التفاصيل    تعليم الإسكندرية: 104 آلاف طالب يؤدون امتحانات الشهادة الإعدادية    غرة ذي الحجة تحدد موعد عيد الأضحى 2024    القبض على 9 متهمين في حملات مكافحة جرائم السرقات بالقاهرة    ضباط وطلاب أكاديمية الشرطة يزورون مستشفى «أهل مصر»    اليوم العالمي للمتاحف.. ما هو أول متحف فتح أبوابه الجمهور؟    نانسي صلاح تهنئ ريم سامي بحفل زفافها .. ماذا قالت؟    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    بطول 64 متر.. كبير الأثريين ب«السياحة» يكشف تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    وزيرة التعاون: العمل المناخي أصبح عاملًا مشتركًا بين كافة المؤسسات الدولية*    قرار جديد من القضاء بشأن إدراج أبو تريكة وآخرين على قوائم الإرهاب    وزير التعليم لأولياء أمور ذوي الهمم: أخرجوهم للمجتمع وافتخروا بهم    قمة كلام كالعادة!    وزارة الدفاع الروسية: الجيش الروسي يواصل تقدمه ويسيطر على قرية ستاريتسا في خاركيف شمال شرقي أوكرانيا    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    ما أحدث القدرات العسكرية التي كشف عنها حزب الله خلال تبادل القصف مع إسرائيل؟    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    اليوم.. 3 مصريين ينافسون على لقب بطولة «CIB» العالم للإسكواش بمتحف الحضارة    لماذا يصاب الشباب بارتفاع ضغط الدم؟    بعد حادث الواحات.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي    أستاذ طب وقائي: أكثر الأمراض المعدية تنتشر في الصيف    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالي    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    طريقة عمل الكيكة السحرية، ألذ وأوفر تحلية    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    ياسمين فؤاد: تطوير المناهج البيئية بالجامعات في مباحثات مع «البنك الدولي»    متاحف مصر تستعد لاستقبال الزائرين في اليوم العالمي لها.. إقبال كثيف من الجمهور    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    "الصحة": معهد القلب قدم الخدمة الطبية ل 232 ألفا و341 مواطنا خلال 4 أشهر    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    أسعار الدواجن اليوم السبت 18 مايو 2024.. 83 جنيهًا للفراخ البيضاء    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نكد شو !

ما بين انهيار الدويقة رمضان الماضي إلي انهيار باب الشعرية رمضان الحالي عام كامل من الأحداث التي صاحبتها مئات التغطيات والملفات والتحقيقات الصحفية وعشرات الحلقات من برامج "التوك شو" تخللها عدد ضخم من التقارير المصورة والمداخلات التليفونية ومواجهات ومعارك بين العديد من الأطراف، مما يجعل منه عاما إعلاميا أسود بمعني الكلمة التقطت فيه وسائل الإعلام أطراف خيوط لحوادث عابرة أو مشكلات بسيطة حولتها لظواهر مفزعة روعت المجتمع ثم تركت ملفاتها مفتوحة بلا إجابات ليبقي المواطن مرعوبا ومحبطا، بينما تفتش البرامج الجشعة عن ملف جديد أكثر إثارة.
البداية كانت بخبر الانهيار الصخري في الدويقة في رمضان الماضي الذي كان يمكن - بل كان يجب - أن يتم تناوله مثل أي كارثة طبيعية عابرة، ولكن الصحف الخاصة والمستقلة حولت دفة الموضوع تماما كل حسب الوزارة أو الجهة الحكومية التي تبحث عن تشويهها وسبها صباحا ومساء، فقامت إحدي الصحف الأسبوعية المعروف عن القائمين عليها ضلوعهم في بيزنس الأراضي والعقارات بتوجيه الاتهامات لوزير الإسكان ومساعديه بالإهمال والرشوة وتحميلهم المسئولية وربطوا بين الانهيار وبين مشروع مدينة سكنية لشركة إماراتية في المقطم!
أما جريدة الدستور فقامت بربط الكارثة بوزارة الداخلية بشتي الطرق مرة باتهام اللواء محمود ياسين المسئول عن المنطقة - والذي كان مساعدا لوزير الداخلية - بأنه كان علي علم بقرب حدوث انهيار ووجوب إخلاء المنطقة وتقاعس عن ذلك، ومرة أخري باتهام الداخلية بضرب وتعذيب أهالي الدويقة أثناء محاولاتهم إنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض .
وبعد ذلك بعدة أسابيع انهار عقار صغير في منطقة مصطفي كامل بالإسكندرية فخرجت الصحف الخاصة والحزبية تهلل بعناوين من نوعية (انهيار مصر)، وخرجت ملفات عن العقارات في مصر وفساد المحليات لتؤكد لكل مصري أن العقار الذي يقيم فيه مهما كانت حداثة بنائه ورقي المكان الذي فيه سينهار لا محالة، وما هي إلا مسألة وقت حتي تتساقط عقارات العاصمة كأوراق الخريف.
وفي أثناء قيام الإعلام بإفزاع الناس شب حريق مجلس الشوري فأغلقت فجأة ملفات فساد المحليات والمقاولين والعقارات والدويقة وخرجت الصحف المستقلة في أغرب واقعة لتعلن الشماتة في الحكومة وكأن الذي احترق هو الكنيست الإسرائيلي، وتصاعدت الأزمة عقب اندلاع حريق المسرح القومي بعد أسابيع من حريق الشوري.
قبلها كانت قد وقعت حادثة حريق الشرابية والذي اتضح أنه بسبب بلطجي ومسجل خطر أحرق المنطقة لينتقم من أهلها بسبب خلافات معهم إلا أن الموضوع - وكالعادة - سلك مسار الندب واتهام الحكومة تارة وأصابع خفية تارة أخري، بل وصل الأمر إلي ترويج شائعات عن وقوف مستثمرين خلف الحرائق بتلك الأماكن للتخلص من سكانها وبناء أبراج عليها.
مذبحة التلاميذ!
في التوقيت نفسه وقعت حادثة وفاة الطفل إسلام عمرو بدر الذي أصيب بهبوط حاد في الدورة الدموية عندما قام مدرس الفصل بضربه لعدم أدائه للواجب المدرسي، وعلي الرغم من أن قضية العنف في المدارس كارثة تحاول مدارسنا التخلص منها، لكن الأمر لا يصل لدرجة أن تخرج صحيفة البديل بعنوان علي الصفحة الرئيسية "مصرع وإصابة 6 تلاميذ في مدارسهم بعدة محافظات في أسبوع"، وكأن هناك حربا أو ترصدا للقضاء علي التلاميذ، مما جعل أولياء الأمور أكثر تحفزا للمدرسين حتي وصل الأمر أن بعضهم - وطبقا لأخبار نشرتها جريدة الجمهورية وقتها - منع أولاده من الذهاب للمدرسة خوفا عليهم من حالة التوحش المفاجئ التي أصابت المدرسين.
"العيش والعيشة !
بعد ذلك جاء دور (سد نفس) فكانت البداية بحملة الرعب من المجاعة القادمة .. فمخزون القمح علي وشك النفاد وإذا وجد واستوردناه فالقمح مسرطن وممتلئ بالحشرات السامة ولا يصلح سوي علف (للبهايم).. وعندما أمر النائب العام بإعادة تصديره وعدم دخوله البلاد فتحوا ملفات القمح المستورد خلال السنوات الماضية وأكدوا للناس أن كل الشحنات التي دخلت للبلاد علي مدار سنوات كانت بالحالة نفسها وأن السرطان والأمراض المستعصية توطنت في أجسادهم!
ثم توالت ملفات (الندب) وواصلت الصحف دورها ك(معددة) فالسمك الرخيص الموجود بالسوق (سمك الباسا) مسرطن، واكتشفوا أنه يربي في مياه المجاري ويتم وضعه في مواد كيميائية ممنوع استخدامها دوليا وتسبب السرطانات.
ثم جاءت أنفلونزا الخنازير فعجلوا بمندبة (الحكومة هاتقف سلبية) ولن تحرك ساكنا إلا بعد أن يقضي الوباء علي نصف الشعب، وخرجت ملفات عن إهمال الحكومة للبيئة والصحة بترك مزارع تربية الخنازير في قلب الكتل السكنية، وعندما تحركت الحكومة واتخذت إجراءات فورية بذبح الخنازير ونقل مقالب القمامة خارج العاصمة تغير موقف الصحف نفسها علي طريقة "خالف تعرف"، وعكسوا مؤشر (الندب) في اتجاه مصلحة الغلابة والقضاء علي مصدر رزق الزبالين وحقوق الحيوان والقضاء علي سلالة الخنازير المصرية!
حتي الماء!
ولما لم يبق للناس سوي الماء.. كانت حادثة تلوث مياه قرية البرادعة في القليوبية بماء الصرف الصحي وإصابة الأهالي بالتيفود مدخلا ممتازا - بالنسبة للصحف السوداء- لكي يسمموا آخر مصدر للحياة لدي المواطن الغلبان.. فخرجت "المصري اليوم" بحملة كبيرة تؤكد أن مياه الشرب في مصر كلها ملوثة وأن وباء التيفود اجتاح محافظات الدلتا وقراها وأن النظام كان يتستر علي اختلاط ماء المجاري بماء الشرب منذ 82 سنة !
أضيئوا شمعة!
وبعد أن رصدنا بانوراما النكد الشاملة التي قدمها الإعلام ووجدنا فيها إجابة بالإيجاب عن سؤالنا: هل أصبح الهدف الرئيسي للإعلام! بقي أن نبحث عن إجابة عن الجزء الآخر من السؤال.
لماذا هذا التوجه السوداوي الذي يسلكه الإعلاميون والصحفيون المصريون؟؟
في البداية يجيب مصطفي بكري رئيس تحرير صحيفة "الأسبوع" المستقله فيقول: المواطن المصري يستمد ثقافته ومصدر ترفيهه ومصدر معلوماته من الإعلام، فلذلك طبيعي أن يكون الإعلام بكل فئاته هو المسئول عن كل ما يجري، فمن الملاحظ خلال الآونة الأخيرة أن هناك محاولة للتركيز علي كل ما هو سلبي والتعتيم علي أي بوادر إيجابية في مجتمعنا المصري، كما أن بعض الصحف تخصصت في الإساءة لمصر الكيان قبل الحكومة.
فأصبحت هناك صحف متخصصة لتنال من دور مصر وتستخدم لغة التشكيك أحيانا، وتوظيف بعض الأخبار وتقديمها منقوصة أحيانا وتصوير بعض الأحداث العادية علي أنها ظواهر أصابت المجتمع بالكامل، وهؤلاء أبسط ما يقال عنهم إما أنهم يكرهون مصر أو عملاء يعملون علي تنفيذ أهداف مرتبطة بالأجندة الأمريكية لخلق الفوضي في مصر لكي نبقي منشغلين بمشاكل الداخل فتنسحب مصر من مكانها في الساحة العربية والدولية لصالح آخرين.
أما أسامة سرايا رئيس تحرير جريدة الأهرام فيقول: الصحافة القومية مازالت تقدم أفضل وجبة صحفية علي الإطلاق دون اللجوء للإثارة أو نشر الإحباط والفزع بين الناس، وتعالج قضايا المجتمع بحيدة ومهنية مع مراعاة أهمية التخصص في الكتابة والاعتماد علي مصادر متخصصة ومسئولة ولها وزنها في مجالها علي عكس ما يحدث في الصحف الأخري اليوم، والتي يجب أن نقسمها إلي قسمين: صحف حزبية وصحف خارجة عن القانون، وللأسف فالصحافة الحزبية بدأت تنزع إلي الإثارة والتزييف والسير علي نهج الصحف الخارجة عن القانون، وهي الصحف الخاصة التي تسمي نفسها مستقلة، وهو اسم علي غير مسمي فهي تابعة لرجال أعمال لهم مصالحهم وأجندات لتيارات خارجية هدفها هدم الوطن عن طريق الفوضي والضجيج .
دور هؤلاء هو ادعاء البطولة أمام الآخرين وإثارة الشارع وتقليب المواطنين واللعب علي أوجاع الناس والمتاجرة بها .
محمد الشبة رئيس تحرير جريدة "نهضة مصر" اعتبر مهمة الصحافة تشجيع كل المبادرات الإيجابية وقال: مشكلتنا أن هامش الحرية الذي أتيح للصحافة في السنوات الأخيرة استفادت به قليلا بشكل إيجابي، وفي باقي الوقت استخدم بعبث شديد فأحال حياة القارئ لسواد مطبق وأنا أتصور أن من واجب الصحافة الوطنية بجميع أطيافها بدلا من أن تلعن الظلام أن تشعل شمعة. صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة "القاهرة" لم يبتعد كثيرا عن وجهة النظر نفسها، فقال: في تقييمي الشخصي أنه إذا كانت حالة الاكتئاب التي تسيطر علي الموطنين 30 ٪ منها يعود لأسباب حقيقية ومشاكل يعاني منها، فالنسبة الباقية والأكبر وهي 70 ٪ لها علاقة بمبالغات الإعلام وطرح قضايا مغلوطة وتحميل الناس هموما كبيرة وإشعارهم بالخطر الداهم في كل شيء في حياتهم، هذا بخلاف أن المبالغة في الحديث عن قضايا الفساد علي نحو يصور أن كل المسئولين فاسدون يدفع باقي الشعب أن يفسد مادام هذا هو القانون السائد.
وتحت عنوان "دعوة للإعلاميين لإشاعة الفرح والتفاؤل بدل البؤس والألم" كتب إبراهيم علاء الدين صحفي أردني - فلسطيني ورئيس تحرير وكالة الأنباء العربية دراسة وجدنا بها ما يمكن أن يكون ردا شافيا لتساؤلنا فقال: بحكم طبيعة عملي في مجال الإعلام هناك العشرات من الأخبار الإيجابية حول أشكال التعاون والإبداع والإنجاز وفي جميع المجالات يوميا والتي تثير الفرح والسعادة والأمل والتفاؤل في نفوس الناس، ولكن وسائل الإعلام لا تهتم بمثل هذه الأخبار إلا فيما ندر، لأن مثقفي العرب وأدباءهم وصحفييهم ورجال الإعلام منهم خضعوا دون أن يدروا لأهداف الطغمة الإعلامية الغربية ووسائلها التي تعتبر أن واحدا من أهم أهدافها قتل الروح المعنوية عند الشعوب لتسهيل السيطرة عليها وإخضاعها، هذا في الوقت الذي يتمثل هدفها الثاني بالإعلاء من دولها ومؤسساتها وشعوبها بالحديث عن منجزاتها وتفوقها وتحضرها وانتصاراتها.
فإشاعة البؤس والنكد وخيبة الأمل والتشاؤم في نفوس الناس أصبح فعلا الشعار الرئيسي للإعلام المصري بشكل خاص والعربي بشكل عام، أما عن سبب ذلك فالإجابة عن هذا السؤال تمتد لتشمل ثلاثة جوانب سنورد منها اثنين :
أولا: توجيه وتأثير وسائل الإعلام الغربية بصفة عامة علي الإعلام المصري العربي، ويمكن توضيح هذا السبب من خلال القصة التالية .... لدي صديق (عربي) يعمل مديرا لوكالة الأنباء الفرنسية في إحدي الدول العربية، فاجأني مرة بقوله إنه سوف يستقيل من وظيفته، فاستغربت قوله خصوصا أنه يحصل علي راتب كبير وسكن مجاني وتذاكر سفر له ولأسرته مجانا، بالإضافة إلي الامتيازات الأخري الكثيرة فسألته عن سبب رغبته تلك فقال: لم أعد أستطيع التحمل، فمسئولو الوكالة لا يريدون سوي الأخبار التي تسيء للبلد والأخبار المطلوبة هي أخبار الفساد أو أخبار الفضائح خصوصا التي تتعلق بالنساء أو التي تتحدث عن خلافات بين الدول العربية أو التي تتحدث عن الصراعات السياسية بين الحكومة وتجمعات المعارضة.
وإذا كانت هذه سياسة وكالة الأنباء الفرنسية والتي لا تختلف عن أهداف وكالة أنباء رويترز أو وكالة الصحافة الأمريكية (أسيوشيتد بريس)، فكيف تكون هذه سياسة صحيفة يومية في تونس أو اليمن أو الأردن أو مصر أو القنوات الفضائية العربية الثلاثمائة وآلاف المجلات والمطبوعات الأسبوعية؟!
ثانيا: جهل الكثير من الإعلاميين العرب والصحفيين بقواعد الإعلام السليمة وفي مقدمتها أن هناك فرقا هائلا بين الإعلام والإعلان، فلو تصفحنا أي صحيفة عربية لوجدنا أن أكثر من 80 في المائة من محتوياتها مصادره أجنبية وأن جهود محرريها لا يجاوز العشرين بالمائة بما في ذلك قناة الجزيرة التي تعتبر في مقدمة وسائل الإعلام العربية بلا منازع حتي إن معظم محرريها في الكثير من دول العالم يعملون معها عملا إضافيا، وعملهم الأساسي في وكالة رويترز أو الفرنسية.
تدمير شو!
عملية تدمير صحة المصريين النفسية وإحباطهم ونشر الرعب والاكتئاب والتشاؤم بينهم لم تكن مقصورة فقط علي الصحافة وكانت بمصاحبة فرقة برامج "التوك شو" المسائية اليومية وخصوصا برنامجي "العاشرة مساء" و"09 دقيقة" أكثر البرامج تركيزا علي هذا الشكل من تناول القضايا.
ويكفي أن نذكر واقعة تكشف مدي بحث هذه البرامج عن أي فضائح بغض النظر عن التأكد من صحتها .. عندما عرض برنامج "09 دقيقة" الذي يعرض علي قناة المحور في إحدي حلقاته فيديو قال إنه لتجار مخدرات أثناء ممارسة عملهم ووصفته المذيعة ريهام السهلي بأنه "انفراد"، لكن الانفراد لم يكن سوي مشهد من كواليس فيلم "خارج عن القانون" للفنان كريم عبدالعزيز، والفضيحة كانت في أن أحدا من فريق عمل البرنامج لم يكتشف ذلك قبل عرضه!!
أما "العاشرة مساء" فلا أحد يختلف علي أسلوب مقدمته الهجومي والصدامي والزوايا التي تناقش بها الموضوعات، وكأنها نهاية الكون حتي عندما قدمت في إحدي حلقاتها فقرة عن عبده داغر أشهر عازف كمان كانت تلك الفقرة في نهاية الحلقة بعد جلسة مطولة مع اثنين من الكتاب كل منهم أصدر كتابا الأول بعنوان (أوجاع المصريين)، والثاني بعنوان (وجع مصري) وظلوا يتوجعون طوال الحلقة حتي أصابوا الناس بوجع الرأس.
توجهنا بأسئلتنا وملحوظاتنا إلي بعض رؤساء تحرير البرامج الحوارية المهمة أملا في إيجاد تفسير مقنع لدفعهم المشاهد دفعا نحو الاستغراق في همومه بدلا من محاولة تقديم أي شكل من أشكال البهجة له.
إسلام ماهر رئيسة تحرير "العاشرة مساء" قالت لنا: إن برامج "التوك شو" لا تختلف كثيرا عن الصحافة .. هي مجرد وسيط ينقل للمواطن ما يحدث حوله .. وليس من المنطقي اتهامها بأنها تساهم في محاصرة المشاهد داخل دائرة همومه لأن الأحداث التي تعرضها لا تقوم باختراعها لأنها ببساطة أحداث تقع علي أرض الواقع .. مرة أخري نحن مجرد وسيط.
* ولكن من المنطقي أن يقوم هذا الوسيط بنقل أشكال من البهجة وعرض أوجه إيجابية في الحياة.
- ومن قال إننا لا نفعل ذلك.. أحيانا كثيرا "بنتلكك عشان نلاقي" أحداث إيجابية لنركز عليها.
* ألا تتفقين معنا بأن برامج "التوك شو" ركزت أكثر علي مشاكل المشاهد؟ - أعترف بأن هذه البرامج فعلا ركزت علي مشاكل المواطن المصري وأن الجرعة أصبحت زائدة، ولكن لأن حجم تعرضه لها أصبح أكبر.
بشير حسن الذي ساهم في خروج " 09 دقيقة" إلي النور ويترأس تحرير برنامج "84 ساعة" لديه وجهة نظر أخري يلخصها بقوله: حتي إذا كانت برامج "التوك شو" جعلت الحياة تبدو سوداء .. فهي علي الأقل جعلت الناس تشاهد مشاكلها علي الشاشة ثم إنها تحولت إلي برامج خدمية تعرض مشاكل الناس وتحاول إيجاد حل لها وأتصور أن هذا الحل في حد ذاته هو نوع من السعادة.
* الترفيه هو إحدي المهام الأساسية للإعلام.. ما نسبة تواجد هذه المهمة بين برامج "التوك شو"؟
- أتصور أنها لا تتجاوز 20 بالمائة، وهذا شيء سلبي بالطبع.
الكاتبة فريدة الشوباشي تؤمن بأنه دائما هناك مدرستان لل"توك شو" ..الأولي تقوم علي تقديم حلول حقيقية للناس ومواجهة المسئولين وتقدم جوهر العلاج أما الثانية فتقوم علي استعراض عضلات المذيع في إحراج المسئولين .. وتكتفي بالصوت العالي وإحباط الناس.
وفي كلتا الحالتين هناك حالة فوضي إعلامية ..
نهاية النهايات السعيدة!
مازلنا نذكر المشهد الأخير من مئات من الأفلام التي حجزت لنفسها أمكنة ثابتة في ذكرياتنا .. دائما ما كان البطل يهزم عدوه بكل ما تحمله كلمة عدو من أشكال ومعانٍ ..سواء شخصا فاسدا أو شريرا.
أغلب الظن أن عصر النهايات السعيدة هذا قد ولي بلا عودة .. وليس حقيقيا أن هذه النهايات كانت دائما نوعا من السذاجة الفكرية أو الفنية لأنها كثيرا ما كانت تحمل بين طياتها أملا حقيقيا لمشاهد تمثل له السينما الحلم .. ولكن هذا الحلم تحول إلي كابوس في السنوات الأخيرة، وبالتحديد في العامين الأخيرين.
ليس عليك العودة إلي 7002 وبالتحديد إلي تاريخ عرض فيلم "هي فوضي" الذي كان بمثابة إعلان رسمي لموت النهايات السعيدة علي شاشة السينما المصرية بكل ما حمله من عبث درامي وقدري وفني وبكل رسائله الغارقة في الكآبة والسوداوية ...ليس عليك العودة إلي هذا الفيلم الذي تلاه ما يقرب من 02 فيلما ترسخ لكل مبادئ الكآبة علي الشاشة .. يمكنك ببساطة تأمل فيلم مثل "إبراهيم الأبيض" بكل ما يحمله من عنف دموي ومعنوي وبما يحتويه من أحداث تراجيدية مأساوية.
الفنان حسين فهمي قال: المفارقة الكوميدية هي أننا وصلنا إلي درجة أن الأفلام التي تتبني رؤي متفائلة ومحبة للحياة أصبحت تهاجم بأنها موالية للنظام وأنها تحمل خيانة لهموم الناس ومشاكلهم.
التعبير الذي استخدمه حسين فهمي "خيانة هموم الناس" هو نفسه الذي اعتمد عليه خالد يوسف عندما قدم أيضا في 7002 فيلمه "حين ميسرة" عندما سئل عن سر هذه الحالة من السوداوية التي يطلقها في أحداث فيلمه فقال إنه لا يقبل "خيانة هموم الناس الذين ينتمي إليهم".
تنطلق الموجة بعد ذلك بأفلام غارقة في التجارية، ولكنها لا تنسي أن تلعب علي تيمة الحزن المبالغ فيها نفسها أملا في جلب مزيد من الإيرادات مثل "حلم العمر" لحمادة هلال الذي تجد فيه الأم الفقيرة تجذب من "الإيشارب" علي يد رجال الشرطة لإذلال ابنها ومثل "بلطية العايمة" الذي يحفل بتوابل مماثلة.
أيضا تجد "كباريه" ومن بعده "الفرح" يسيران في المسار الكئيب القاتم نفسه.. الغريب أنك تجد حتي نجوم الكوميديا يحولون مسارهم هم أيضا عن البهجة إلي الكآبة فمثلا تجد حلمي يلعب علي تيمة الموت مرة في "آسف علي الإزعاج" ومرة أقوي في "ألف مبروك".
في صيف 9002 تعرض الملحمة "دكان شحاتة" الذي يجمع كل ما سبق في فيلم واحد .. ولكن سقوطه علي مستوي الإيرادات مؤشر مهم يوضح أن الجمهور قد تشبع بهذه الجرعة المضاعفة من التشاؤم وأنه يبحث عن التغيير.
وبالرغم من أن سامح عبد العزيز مخرج "كباريه" و"الفرح" يري عكس ذلك حين يقول: الجمهور أكثر جرأة من صناع السينما أنفسهم .. لا يريد أن تخدعه.. هو يريدك أن تقدم له واقعه.. أن يشاهد مشاكله علي الشاشة .. بالطبع يريد الأمل.
وتري د.درية شرف الدين مثلا أن ما فعلته هذه الأفلام هو حالة من الوعي الفني والاجتماعي:
أتصور أن السينما تعكس الواقع وليس من المفترض أن تصبح مهمتها هي فقط الترويح عن المواطن.. أنا منحازة إلي الأفلام التي ظهرت في الفترة الأخيرة والتي تعرض واقع المواطن المهموم بالجري وراء لقمة العيش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.