أهم ثورة في تاريخ فرنسا وربما العالم كله هي الثورة الفرنسية، أما بالنسبة إلي إنجلترا، فأنا أعتقد أن أهم ثورة هي الثورة الصناعية.. طبعا أنا أعلم الكثير عن «الماجنا كارتا» وتحديد سلطات الملك في إنجلترا وما تلي ذلك، ولكن الثورة الصناعية كانت هي بدون شك أهم أحداث أوروبا. العلاقة بين الثورتين لا تتعدي كلمة واحدة وهي كلمة «ثورة» ولكن شتان بينهما في الحقيقة. لقد صدقت البارونة مارجريت تاتشر رئيسة وزراء إنجلترا السابقة بعض الشيء عندما قالت: إن الثورة الفرنسية كان يمكن الاستغناء عنها. لم أكن يوما واحدا في حياتي من محبي «مارجريت تاتشر» لأسباب عديدة، ولكني أتفق معها في شيئين، أولا: كان يجب وضع حد لنفوذ نقابات العمال البريطانية التي شلت حركة التجديد الاقتصادي، وثانيا: أنه دائما من الممكن تجنب الثورات التي تأكل أولادها، وذلك عن طريق التطور المستمر. من الممكن التخلي عن الحروب الأهلية وكوارث التغيرات الاجتماعية بين يوم وليلة ولكن لا يمكن التخلي عن التقدم العلمي. الثورة الصناعية في بريطانيا كانت نتيجة لتراكم نتائج علمية استخدمها رجال عمليون لإنتاج بضائع مفيدة لحياة الإنسان، كان هؤلاء الرجال العمليون يطلق عليهم «الإصلاحيون الجدد» وهم ليسوا من العلماء أو المثقفين، وإنما من المهندسين ورجال الصناعة. فرنسا اهتمت بالرياضيات والآداب والفنون الراقية، أما إنجلترا فقد اهتمت باستخدام البخار في صنع القطارات والكهرباء في عمل الماكينات، ولذلك قادت إنجلترا أوروبا بكاملها وسادت بعد ذلك العالم لفترة طويلة، ربما كانت بلجيكا هي أول دولة غير إنجلترا تتقدم بشكل كبير علي نفس المنهج البريطاني، إلي أن استيقظت المانيا ثم فرنسا وعمت النهضة أوروبا. عندما يقال هذه هي مكاسب الثورة الفرنسية، أعتقد أن هناك مغالطة وعدم دقة.. كثير من مظاهر النهضة الفرنسية يرجع إلي حكم «نابليون بونابرت» لا إلي حكم «مارا» أو «دلتون» أو «رويسبيار»، كان «نابليون» ضابطا صغيرا في الجيش الجمهوري الفرنسي، وهو من عائلة أرستقراطية فقيرة من أصل إيطالي سكنت جزيرة «كورسيكا».. أغلب ما يسمي بالنهضة الفرنسية بعد الثورة واقتحام «الباستيل» وإعدام الملك «لويس» وزوجته «ماري انطوانيت» وعائلتهم هو في الحقيقة نهضة تعليمية وفكرية كان نابليون هو محركها الأول. كان نابليون محبا للعلم وانقلب علي مبادئ الثورة وأعاد الملكية وتوج نفسه امبراطورا، لأنه ايقن أن ديمقراطية الثورة الفرنسية هي حكم الغوغاء وحكم الشارع، كان نابليون يحب الرياضيات ويعشق العلم والعلماء، وكان هذا من حسن حظ فرنسا، ولكنه كان طموحا إلي درجة الخيال وكان هذا سوء حظ فرنسا. أرجو لمصر أن تختار طريق بريطانيا أي طريق الثورة الصناعية المبنية علي العلم والثورة الاقتصادية المبنية علي الصناعة والزراعة، وأخيرا الثورة الإنسانية المبنية علي العدالة التي هي أساس الملك. أعتقد أن مصر في الاتجاه الصحيح، ولكن لم نصل بعد إلي ما نريد، وهناك من يحاولون تغيير حتي هذا الاتجاه.. وللحديث بقية يوما ما.