بغض النظر عن أن هناك مشكلات أمنية أدت إلي هجوم شبح العمليات الإرهابية من خلال الطرود الجوية الملغومة، الآتية من صنعاء، فإن الملابسات المتتالية تشير إلي أننا بصدد تحويل اليمن إلي أفغانستان جديدة.. وقد تكون هناك مخاطر مروعة كامنة في تصورات الغرب وعلي رأسه الولاياتالمتحدة وبريطانيا بشأن مستقبل اليمن والتعامل معه. إن عروض التعاون الأمني التي تقدم لليمن، وبما في ذلك الإعلان عن الاستهداف الأمريكي لزعماء منسوبين لتنظيم القاعدة في اليمن، تقول بما لا يدع مجال للشك إننا قد نجد مشكلة وسط آسيا العقيمة.. المعروفة باسم أفغانستان.. قد أصبحت في قلب المنطقة العربية.. علي الجانب الآخر من البحر الأحمر.. حيث توجد دولة فاشلة تمامًا اسمها الصومال.. يبدو أنها بصدد التعرض لتدخل عسكري كبير لإنهاء عمليات القرصنة علي القوارب والناقلات والاختطافات المتتالية للرعايا الغربيين. هناك تشابهات معقدة بين اليمن وأفغانستان، سواء من حيث ضغوط القبلية التي تفرض معادلات لا يمكن التعامل معها بمنطق الدولة الحديثة.. لو كانت هناك دولة حديثة.. أو من حيث الطبيعة الجبلية التي تخضع بصعوبة للسيطرة الأمنية والعسكرية.. إن خضعت أصلاً.. وانتشار التسليح الذاتي بين الأفراد.. بما لا يمكن السيطرة عليه.. بالإضافة إلي اتساع نطاق الفكر السلفي المعادي للغرب.. بدءًا من سائحيه وموظفيه وصولاً إلي المسئولين في دوله.. فضلاً عن أن وجود تنظيم القاعدة بعمق في بيئة الدولة الشقيقة. يضاف إلي هذا أنه كانت هناك جسور ممتدة بين اليمن وأفغانستان، عبر العرب الأفغان الذين تنقلوا بين دول عربية ووجدوا لهم مستقرًا في بعض أماكن اليمن.. بخلاف البيئة الخلافية التي أدت إلي عدم الاستقرار بين الشمال والجنوب.. وصولاً إلي النزاع بين الدولة والحوثيين في مناطق تتاخم جنوب السعودية.. وكلها عوامل تفجر فرصًا دائمة لاستحالة بلوغ الاستقرار. أتفهم بالطبع مبررات التوتر الدولي خصوصًا الأمريكي بشأن ما يجري في اليمن، لا سيما بعد اكتشاف مؤامرات الطرود المفخخة بالألغام والمتفجرات التي تنقلت عبر رحلات الطيران في طريقها إلي الولاياتالمتحدة.. لكنني أيضًا لا يمكن أن أتجاهل طريقة التعامل التي تم توظيفها في الداخل الأمريكي قبيل الانتخابات علي مقاعد الكونجرس.. وقد تلي ذلك عملية الكشف عن الوثائق الأمريكية في حرب العراق. لقد طرح الغرب عددًا من الرؤي الورقية في مؤتمر لندن بخصوص اليمن قبل فترة.. رؤي تحدثت عن التنمية الاجتماعية والاقتصادية وإصلاح التعليم.. وقد ظل الأمر مقصوراً علي كلمات بلا تأثير علي الأرض وفي تنفيذ الواقع.. وبما أثار تساؤلات حول ما إذا كان المؤتمر كان مجرد غطاء تمهيدي يعطي دلالات علي أن اليمن أصبح مقيدًا في صدارة الأجندة الغربية. هل توجد مصلحة حقيقية للغرب في أن يحول اليمن إلي ميدان جديد للمواجهة مع الإرهاب؟ لا أعتقد.. ولكن الفزع من الإرهاب يدفع إلي سيناريوهات مختلفة تؤدي بعقول الغرب إلي أن تعتقد أنها حين تنقل المعركة إلي ميدان بعيد فإن هذا قد يعرقل وصول الخطر إلي أراضي بلدانه.. وهذا ثبت أنه غير صحيح علي الإطلاق.. فالحرب علي الإرهاب في أفغانستان لم تنه خطر القاعدة رغم أنها بدأت منذ عام 2001.. كما أن هذا لم يمنع من انتقال الخطر بطريقة سرطانية إلي باكستان.. فازداد عدد الدول المصابة.. المرشحة لزيادة كثيفة جديدة من خلال التصورات المطروحة بصدد اليمن. هناك مشكلة تحتاج إلي علاج.. وحتي الآن لم يقترب أحد من الترياق الذي يجب تعاطيه لتخطي آثار السم.. ومن ثم فإن بقع الإصابة بمرض التنظيمات الثرية تتناقل من الشرق إلي الغرب ومن دولة إلي أخري.. وقبل اليمن كان الصومال وقبل الصومال كان العراق.. وفي كل الأحوال فشل الغرب في أن يضع حلاً بالسلاح أو الإجراءات الأمنية التي لا غني عنها ولكنها ليست الوسيلة المطلوبة التي تؤدي إلي نهاية المشكلات وإنما تؤدي إلي تفجيرها. العلاج اجتماعي واقتصادي.. والأهم حل المعضلة التي نشأت بين الغرب والإسلام وأدت إلي وقود اجتذاب التنظيمات الإرهابية للشباب.. والأخطر قبل كل هذا معضلة فلسطين السبب الحقيقي لكل أنواع الإرهاب من جذوره في مختلف الدول التي تنهار واحدة بعد الأخري. الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net البريد الإليكترونى: [email protected]