الولايات المتحدة أعلنت عن استيائها من زيارة الرئيس الايراني أحمدي نجاد للبنان واعتبرتها استفزازا ، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض إن الزيارة تظهر تمادي أحمدي نجاد في سلوكه المستفز، بينما أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن بلادها تعارض أي جهود لما وصفته "بزعزعة الاستقرار" بلبنان في إشارة إلي الزيارة المثيرة للجدل. الواقع أنني توقفت طويلا أمام الوصف الأمريكي للزيارة بأنها مستفزة، وتساءلت كيف هي مستفزة ولماذا وفي أي وعاء يصب هذا الاستفزاز، هل هي مستفزة لأن الرئيس الايراني نجح في الوصول الي الحدود الاسرائيلية مباشرة عن طريق حلفائه. أم أنها مستفزة لأنه - أي الرئيس الايراني - شن هجوما علي إسرائيل، وقال إنه لا يوجد في سجل الصهاينة سوي الجرائم حسب تعبيره. ربما يكون الاستفزاز بسبب أنه شدد علي أن السبيل الوحيد لإحلال السلام في المنطقة هو إعادة فلسطين إلي أصحابها الأصليين وعودة اليهود إلي بلادهم الأصلية التي جاءوا منها قبل تأسيس إسرائيل، في الوقت الذي عزف فيه مضيفه الشيخ حسن نصر الله علي نفس الوتر فقال إنه ليس لإيران أي مشروع معاد للعرب في المنطقة، بل إن ما تقوم به ينسجم مع "لاءات" قمة الخرطوم الشهيرة عقب حرب 1967 التي أطلقت في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. يقصد: لا للتفاوض ، لا للصلح ، لا للاعتراف بإسرائيل. هذا النوع من الحديث الشعبوي يفتح شهية الناس ويستثير حماستهم خاصة لأنه يستخدم محصلة الأحلام والأمنيات القومية التي راودت الشعوب العربية طوال عدة عقود ويضرب علي الوتر الحساس، وتر المشكلة الفلسطينية التي عجزت الجهود الدولية حتي الآن عن التحرك وسط تعقيداتها الشديدة بسبب تحريم الضغط علي اسرائيل والزامها أن تنتهج سياسة تحقق مصالح دولية غاية في الأهمية. خلق مثل هذا الجو الاحتفالي الشعبوي يخفي الخطأ في الرؤية الاستراتيجية التي تتجاهل التطورات التاريخية التي حدثت في المنطقة ومن بينها حرب التحرير في أكتوبر 1973 وما ترتب عليها من متغيرات، فالعودة في الزمن مستحيلة استحالة اعادة الموتي الي الحياة قبل اليوم الموعود يوم النفخ في الصور. ربما نتفهم أن زيارة الرئيس الايراني الي لبنان لم تكن خالصة الي لبنان الدولة والحكومة والشعب ولكنها كانت زيارة مزدوجة الوجه والتوجه، فهي في الحقيقة زيارة بترتيب من حزب الله لدعم رؤيته وتوجهاته وتأكيد تحالفاته وتفعيلها بوقوف نجاد علي مرمي حجر من الحدود الاسرائيلية، باعتبار اسرائيل هي الجسر الذي يوصل نجاد إيران الي العالمية بمناطحته للولايات المتحدة وتحديها العلني وليس حزب الله ولا غيره. لكن حين يتعقد الموقف العربي كما هو الآن بالنسبة لقضية العرب المركزية وهي القضية الفلسطينية، لا يهتم المواطن العربي بما يستفز الولاياتالمتحدة ، ولا يدخل ذلك في حساباته كثيرا، فهي مصنفة سلفا في خانة المؤيد لاسرائيل ، والعاجز عن ردها عن التصرفات الحمقاء، خاصة بعد الاذلال الذي تعاني منه السياسة العربية منذ العرض التاريخي الذي قدمته المبادرة العربية للسلام لانهاء الأزمة والتوتر في المنطقة وتخفيف الرؤية الضبابية التي تكتنف قضايا اقليمية أخري من بينها حجم التواجد الايراني خارج حدود ايران وطبيعته وتأثيراته الثقافية. العرض العربي رفضته اسرائيل في صلف شديد بما يؤكد أنها لم تستفد من درس حرب أكتوبر 1973 وما زالت تفكر في التوسع علي حساب الشعب الفلسطيني وعلي حساب جيرانها من الشعوب العربية سواء بالاستيلاء المباشر علي أراضيهم، أو باجبارهم علي قبول حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين علي حساب شعوبهم وأرضها. المستفز حقا هو موقف الولاياتالمتحدة التي عرضت تبني مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين وبين اسرائيل بغرض انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية الي جوار اسرائيل لتنتهي بذلك أزمة دولية لا تزال تهدد بالانفجار في أي وقت، لكنها عاجزة تماما عن ادراك أهدافها أمام تعنت صبياني من قادة اسرائيل لا نتيجة له سوي ضياع الفرص الثمينة لتحقيق السلام، وتفاقم الظهور الاعلامي الاستفزازي لتحالفات لاتفيد سوي أصحابها.