فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية لدخول كلية الحقوق والرابط الرسمي    نادية مصطفى لفيتو: احنا مش متطرفين ومصطفى كامل بيخاف على البلد (فيديو)    «زي النهارده» فى ‌‌30‌‌ يوليو ‌‌2011.. وفاة أول وزيرة مصرية    رغم إعلان حل الأزمة، استمرار انقطاع الكهرباء عن بعض مدن الجيزة لليوم الخامس على التوالي    العثور على "دقيقة مفقودة" قد تقلب الموازين في قضية جيفري إبستين    الاتحاد الإفريقي يصدم "الدعم السريع" بعد تشكيل حكومة موازية بالسودان ويوجه رسالة للمجتمع الدولي    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة، أبرزها ليفربول ضد يوكوهاما    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    انهيار جزئي لعقار مكون من 7 طوابق في الدقي    من "ترند" الألبومات إلى "ترند" التكت، أسعار تذاكر حفل عمرو دياب بالعلمين مقارنة بتامر حسني    طريقة عمل الأرز باللبن، تحلية سريعة التحضير ولذيذة    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين الحكومي والخاص    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    ليلى علوي تسترجع ذكريات «حب البنات» بصور من الكواليس: «كل الحب»    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    ترفع الرغبة الجنسية وتعزز المناعة.. 8 أطعمة ترفع هرمون الذكورة بشكل طبيعي    لا تتبع الوزارة.. البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب منصة جنوب شرق الحمد    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن في زيارة ثنائية    ناشط فلسطيني: دور مصر مشرف وإسرائيل تتحمل انتشار المجاعة في غزة.. فيديو    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احمد ابو الغيط يكشف : وثيقه اجتماع حرب اكتوبر فى 30 سبتمبر 1973


أحمد أبو الغيط يكتب :
مقالات وزير الخارجيه حول حرب اكتوبر فى مجله روزاليوسف (انقر هنا)
يواصل الدبلوماسي الكبير أحمد أبوالغيط وزير الخارجية في هذه الحلقة شهادته التاريخية عن حرب أكتوبر، فيكشف لنا عن تفاصيل لحظة فارقة في تاريخ أمة بأكملها هي لحظة اتخاذ قرار المعركة داخل مجلس الحرب في نهاية سبتمبر 1973، ويستعرض لنا ما دار في رءوس القيادات المصرية واختلافهم بين الإقدام والإحجام.. ثم بعدها يفند فرية أن حرب أكتوبر كانت تمثيلية مصرية إسرائيلية أمريكية مشتركة لأهداف سياسية إعلامية، ثم في النهاية يستخلص برؤيته الاستراتيجية الدروس التي يتعين علي الجيل الحالي تعلمها من درس أكتوبر البليغ.
عودة إلي قرار الحرب في مثل هذا اليوم، منذ 37 عاماً.. 30 سبتمبر 1973 أي قبل بداية عبور الجيش المصري لقناة السويس بستة أيام.. كنا جميعاً نشارك في إفطار رمضاني بدعوة من الدكتور «عبدالهادي مخلوف»، مدير مكتب مستشار الأمن القومي.. مجموعة صغيرة من دبلوماسيي وزارة الخارجية الذين يعملون تحت رئاسة الدكتور «مخلوف» في هيئة مكتب مستشار الأمن القومي «حافظ إسماعيل».. كان العدد محدوداً.. المستشار «أحمد ماهر السيد» ،السكرتير الأول «إيهاب وهبة»، السكرتير الأول «أحمد عادل»، السكرتير الثاني «فاروق بركة»، السكرتير الثالث «محمد الجوالي»، السكرتير الثالث «أحمد أبو الغيط»، السكرتير الثالث «حسين شلش».. كان يعمل معنا أيضاً مجموعة أخري من أعضاء بعض الأجهزة المصرية العاملة في حقل الأمن القومي.. من المخابرات العامة/ الحرس الجمهوري.. وبعض المتخصصين الآخرين في المسائل الاقتصادية.. مجموعة صغيرة العدد ولكن يحكمها الانضباط الشديد ولديها اطلاع كبير علي كل أوضاع الدولة المصرية في كل المجالات.. سواء الوضع الاقتصادي/ التمويني/ الأمني/ علاقاتنا الخارجية/ وتطورات الموقف العسكري وحيث كان يصلنا بشكل دوري.. ربما يومي.. تقرير عن نشاطات العدو وتحركاته أمام قواتنا بالجبهة، بالإضافة إلي أي نشاطات استطلاعية يقوم بها علي خطوط وقف إطلاق النار أو حتي محاولات اختراق العمق للتحقق من وضع ما.. يثير اهتمامه أو قلقه أو للحصول علي معلومات عن قواتنا وتسليحها وغير ذلك من مسائل.
وأستذكر في هذا المجال أن «حافظ إسماعيل» كتب علي أحد تقارير الاستطلاع الجوي الإسرائيلي في مايو 73 وهو تقرير دقيق يتسم بالإيجاز ولكن يعرض لتفاصيل خط الطيران والأهداف المحتملة للطلعة موضوع التقرير وتعده إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع.. وحيث دخلت طائرتا ميراج إسرائيليتان للاستطلاع.. إلي المنطقة ما بين جنوب البحيرات المرة والسويس واتجهتا جنوباً إلي منتصف الساحل المصري علي البحر الأحمر ثم عادتا أدراجهما شمالاً ودخلتا من فوق نقطة بالقرب من شرم الشيخ إلي قاعدتهما في سيناء.. وأقول كتب «حافظ إسماعيل» أن استطلاع العدو سوف يزداد في الفترة القادمة بشكل مكثف.. فوق الإسكندرية ومناطق الدلتا.. وتنبهت لهذه التأشيرة وأهميتها.. إذ إن توقع «حافظ إسماعيل» زيادة محاولات الاستطلاع معناه أن العدو سيسعي إلي الحصول علي معلومات لمسائل تشغله ربما بخصوص النوايا المصرية أو لمعرفة التغيرات في الأوضاع المصرية.. وأخذت أتحدث مع «أحمد ماهر».. وقلت إن هذا أمر غريب.. ولماذا يتوقع المستشار «حافظ إسماعيل» هذا الوضع؟ واستخلصت نتيجة مفادها أن ذكر «الإسكندرية».. أي الميناء.. يعني أنه سيصلنا في الغالب معدات جديدة سيعلم بها العدو ويسعي لرصدها.. وضحك «أحمد ماهر».. وقال : فعلاً.. هذه قراءة دقيقة للموقف.. إنها مقاتلات قاذفة جديدة.. سوخوي 017 وصواريخ متوسطة المدي SCUD/B وهي تفاهمات مصرية/ سوفيتية جاءت نتيجة للعقود الموقعة بين مصر والاتحاد السوفيتي في نهاية عام 72 كان «حافظ إسماعيل» قد أبلغه بها في إحدي مناقشاتهما.
ومضي الإفطار الرمضاني.. وأخذنا نتبادل أطراف الحديث الهادئ بعد الإفطار ثم تلقي صاحب الدعوة اتصالاً تليفونياً.. وتحدث قليلاً وعاد إلينا لكي يقول إنه سوف يستأذن في الذهاب للقاء المستشار «حافظ إسماعيل» الذي كان هو المتحدث علي الجانب الآخر.. وانصرفنا جميعنا.. ومرت أيام قليلة.. وجاءت حرب أكتوبر.. وفي يناير/ فبراير 1974 ومثلما سبق أن كتبت.. طلب الدكتور «عبدالهادي مخلوف» أن أقوم بإعادة جرد وتسجيل وفهرسة الأوراق الأكثر أهمية وحساسية بمكتب مستشار الأمن القومي.. وأخذت أنهل من قراءة الأوراق أثناء هذا الجرد الذي استغرق أسابيع ممتدة.. قرأت من محاضر مقابلات ولقاءات ومفاوضات الرئيس «السادات» مع القيادة السوفيتية علي مدي الفترة من نهاية 1970 حتي منتصف 73 ولاحظت العراك الذي كان يدور بيننا وبين السوفييت حول أوضاعنا العسكرية واحتياجاتنا من السلاح والمعدات ورغباتنا في زيادة قدرات الردع لدينا لكي نستطيع أن نفرض علي الجانب الإسرائيلي إرادتنا.. علي الأقل فيما يتعلق بسيطرتنا علي سماواتنا وأراضينا.. من هنا كان الملاحظ أن الكثير من المناقشات كانت تدور حول الحاجة لتعزيز القدرات الخاصة بقواتنا الجوية وتسليحها لكي تتمكن من التصدي للتهديدات الإسرائيلية للعمق المصري.. وهو ما كان يمثل خشية كبيرة دائماً لنا.. كما كان الاهتمام ينصب علي زيادة قدرات الدفاع الجوي وزيادة عدد بطارياته بما يؤدي إلي وضع القوات البرية المصرية وكل المناطق الحيوية المصرية تحت الستارة المؤثرة لنظام دفاعي جوي كان يمثل وقتها.. أحد أقوي الدفاعات الجوية في العالم..
وفي إطار هذا التسجيل.. اطلعت علي هذه الوثيقة الهامة الخاصة باجتماع الرئيس «السادات» مساء يوم 30 سبتمبر.. نفس ليلة الإفطار الذي حضرناه في منزل الدكتور «عبدالهادي مخلوف».. والذي غادرنا وقتها للمشاركة فيه وتسجيل كل مناقشات الرئيس مع أعضاء القيادة المصرية أو فيما سمي مجلس الأمن القومي المصري.. وكنت قد تطرقت بإيجاز إلي محتويات المحضر في المقال المنشور بالأهرام يوم 6 أكتوبر 2009 وفوجئت منذ عدة أسابيع بعد ذلك باتصال من الدكتور «عبد الهادي مخلوف» الذي طلب أن أرسل إليه سيارة لكي يبعث مع سائقها مظروفاً يرغب في إطلاعي علي محتوياته.. وفتحت المظروف.. ويالها من مفاجأة كبيرة.. لقد احتفظ الدكتور «مخلوف» بصورة المحضر الذي سجله لهذا الاجتماع التاريخي للإعداد لحرب أكتوبر.. لقد كان ما قرأته في قصر عابدين في يناير/ فبراير 74 هو التفريغ الكامل للوثيقة.. ثم أجدني بعد ذلك ب 37 عاماً أطلع علي الأصل بخط «عبدالهادي مخلوف»... وأخذت أحاول أن أفك طلاسم وشفرة خط صاحبها... واسترجعت قراءة المحضر... واستشعرت الدموع في عيني... لقد كانت أياماً رائعة وتحديات هائلة... وكانت إرادة القتال لدي الرئيس واضحة وقوية ولديه من التصميم ووضوح الرؤية ما يكشف عن إيمان هائل بالوطن والله.
وقد لا يستشعر الكثير من أبناء وطننا اليوم، ممن تقل أعمارهم عن الخمسين، الظروف التي عاشها هذا الجيل من أبناء مصر.. الذين حاربوا معركة أكتوبر.. وأيضاً تعرضوا لصدمة ومأساة 5 يونيو 67 لقد كانت الضربة الإسرائيلية موجعة.. ولكنها لم تكن قاضية.. إلا أن الإحساس الهائل بالحاجة لرد الاعتبار والحفاظ علي دور مصر وتأثيرها في المنطقة... وهي الدولة والوطن الذي حمل لواء الدفاع عن المنطقة وثقافتها وحضارتها علي مدي أكثر من ألف عام.. قد فرض ثقله علي أبناء هذا الجيل.. ومن ثم جاء التصميم.. والعمل.. والتخطيط.. والتدريب.. والتصدي.. والتحدي.. وكل ما هو إيجابي في هذه الشخصية المصرية التي ما هي إلا انعكاس لصلابة جرانيت أسوان أو شدة وقسوة صحراء درب الأربعين.
ولذلك فقد رأيت من الأهمية بمكان أن أعود في مقال اليوم إلي ما تضمنه هذا المحضر.. محضر اجتماع قرار الحرب.. وما شهده من اتجاهات أوضحتها المناقشات بين أقطاب السلطة السياسية والعسكرية والأمنية في مصر في هذه اللحظة.
اجتماع مجلس الحرب
يبدأ الاجتماع ساعة 2130 في منزل الرئيس «السادات» علي النيل في الجيزة بالترحيب بالمجموعة.. ومن بينهم الدكتور «محمود فوزي» وزير الخارجية/ السيد «عزيز صدقي»/ الفريق «أحمد إسماعيل علي» وزير الحربية/ الدكتور «عبدالقادر حاتم» وزير الإعلام/ السيد «أحمد ثابت» وزير التموين/ السيد «حافظ بدوي» رئيس مجلس الشعب/ السيد «عبدالعزيز كامل» / السيد «ممدوح سالم» وزير الداخلية/ الدكتور «حافظ غانم» / و«حسن التهامي» و«حافظ إسماعيل» مستشار الأمن القومي/ «عبدالفتاح عبد الله» وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء/ الدكتور «أشرف غربال» مساعد مستشار الأمن القومي. وقام بتسجيل المحضر، كل من الدكتور «عبدالهادي مخلوف» والسيد «عثمان نوري» مساعد مستشار الأمن القومي.
يقول الرئيس إنه يعقد هذا الاجتماع لكي يضع الحضور في الصورة وبهدف مراجعة الموقف العام في مصر والتحرك في مواجهة تحديات هذا الوضع.. وتابع الرئيس «السادات» شرحه بالقول... «إن أيا من حكام مصر علي مدي خمسة آلاف عام لم يواجه الوضع الذي نواجهه حالياً... كما أنه لا مسئول مصري واجه ما يواجهه الرئيس من تحديات علي مدي سبعة آلاف عام من التاريخ المصري المكتوب، وإن هذه الأوضاع بالتالي تفرض علي صاحب القرار المصري، وهذه المجموعة الصغيرة من المسئولين المصريين، واجب اتخاذ القرار المصيري وأن تقرر مصر لنفسها ولا تترك القرار لأحد آخر»، ثم ذكر الرئيس «السادات» أنه يرغب في تحليل الأوضاع حولنا وداخلياً... ففيما يتعلق بتحليل الوضع الدولي وارتباطه بالصراع مع إسرائيل فإن المؤكد، والحديث للرئيس «السادات»، أن أمريكا تستمر في دعمها الكامل لإسرائيل رغم تفوق الأخيرة بشكل كبير علي كل الأطراف العربية مجتمعة... وأن من الواضح بالتالي أن الولايات المتحدة تسعي وتحاول أن تفرض علي مصر شروط إسرائيل ووجهات نظرها في علاقتها بمصر وبالنزاع العربي الإسرائيلي. كما أن واشنطن - وفي محاولة تحقيق أهدافها تجاهنا - تطرح بعض أفكار تستهدف تحريك الموقف... ومن بينها فكرة إعادة تشغيل وفتح قناة السويس ثم بدء مفاوضات تالية بين مصر وإسرائيل... وهنا فإن الموقف والمقترح يمثل خطورة شديدة إذ سوف يصبح الأمر هو فتح القناة وإتاحة الفرصة لإسرائيل بحق المرور دون أي تسوية شاملة للنزاع... بل هذا سوف يمثل حلاً جزئياً ناقصاً وخطيراً ويعرض مصالح مصر لخطر جسيم».
وأخذ الرئيس يشرح عناصر التفكير والتحركات المصرية في مواجهة مناورات إسرائيل وأمريكا بقوله «إننا وبدلاً من القبول بالطرح الأمريكي/ الإسرائيلي فقد مضينا بعرض القضية علي مجلس الأمن وحققنا انتصاراً كبيراً في شهر يوليو 73 عندما نجحنا في عزل إسرائيل والولايات المتحدة وحصلنا علي 14 صوتاً مؤيداً لمشروع القرار المقدم للتسوية في مقابل الفيتو الأمريكي وبما كشف عن تأييد دولي كبير لوجهة النظر المصرية والعربية».
وتطرق الرئيس إلي الإطار العربي للجهد المصري للتحضير للمعركة الدبلوماسية والنضالية ضد إسرائيل وأخذ يشرح محاولاته لتأمين أرضية تعاون عربي عميق وذلك رغم التناقضات العربية السائدة التي تعوق حشد الموارد لدعم مصر في جهدها الدبلوماسي والعسكري.. وأشار الرئيس «السادات» إلي أن التهديد الإسرائيلي لا يقتصر علي مصر وأراضيها أو الأراضي الفلسطينية والعربية الأخري المحتلة.. بل إن التهديد يشمل الجميع ولا يغيب عن المراقب المدقق أن يلحظ أن المسافة بين رأس محمد في سيناء بالقرب من شرم الشيخ والإسماعيلية علي سبيل المثال.. هي نفسها المسافة بين رأس محمد والمدينة المنورة مثلاً أو سوهاج.. وهو ما لا يغيب عن العدو أيضاً.. وأشار الرئيس «السادات» في استعراضه للموقف إلي أن السعودية والكويت يشتريان حالياً السلاح لمصر.. ثم اقترب الرئيس بعد ذلك من الوضع الداخلي بالبلاد.. وأكد أن الاقتصاد المصري أصبح مستنزفاً.. وهو استنزاف يراه أخطر كثيراً من التهديد العسكري.. إذ إن ارتفاع الأسعار قد أصبح خطيراً.. كما أن النمو الاقتصادي توقف بالكامل.. وعاد الرئيس يتحدث عن الوضع الدولي، مشيراً إلي خطورة تجميد جهود التسوية بين القوتين العظميين واستمرار بناء إسرائيل للمستوطنات في أراضي سيناء، مشيراً إلي أخطار انفجار الوضع الداخلي نتيجة لسريان اليأس إلي النفوس وأن هذا الانفجار المحتمل... وإذا ما وقع... فسوف تتمكن إسرائيل من تحقيق كل أهداف ونتائج هزيمة مصر في عام 67 وذلك دون أن تطلق طلقة واحدة.. وعاد الرئيس لكي يتحدث عن الاتحاد السوفيتي، مضيفاً إنه صحيح أن السوفييت يدعمون مصر ويقفون معها إلا أنهم لا يزالون أيضاً ينهجون الأساليب القديمة لهم... ويقدمون السلاح بالشكل الذي يبقي مفاتيح الموقف في يدهم.. ثم اختتم الرئيس تقديمه للموقف بالقول «إن القوات المسلحة المصرية قد جري إعدادها علي مدي الفترة من أكتوبر 72 إلي اليوم 30 سبتمبر 73 بشكل يتيح لها قدرات وإمكانات كبيرة للعمل العسكري... وأن الأمر يتطلب بالتالي أن نقرر قرارنا بالمضي إلي المعركة المسلحة... وأنه يطلب رؤية الجميع في هذا القرار... مشيراً إلي أن المطلوب من هذا الجيل من المصريين أن يسلم الجيل القادم من أبناء الوطن أوضاعاً مصرية مستقرة وبلداً غير محتلة أراضيه».
اقتراح بالتأجيل
كانت هذه المقدمة القوية تعكس في الحقيقة قرار الرئيس «السادات» بالحرب والدخول في المواجهة المسلحة... إلا أنه لم يبُلغ حتي هذه اللحظة من التقديم والشرح المشاركين الآخرين بتوقيت المعركة وأهدافها وفلسفتها.. وجاءت ردود أفعال المسئولين المشاركين بشكل يكشف الكثير من صعوبات الوضع الداخلي من ناحية... وكذلك بعض اختلافات الرؤية بالنسبة لشكل المعركة من ناحية أخري... وتحدث البعض عن صعوبة الوضع العربي واستمرار الاختلافات العربية وتأثيرها السلبي علي قدرة مصر لحشد موقف عربي متكامل شامل... وأن المطلوب في هذه اللحظة هو توفير المزيد من الوقت لمصر لكي تعيد حشد الطاقات العربية وأنه من الضروري ألا تنفرد مصر بالمعركة أو تتحمل الأمر بمفردها وبالتالي فإن هذه الرؤية تري أهمية إتاحة ستة شهور إضافية للمزيد من التجهيز السياسي وإتاحة وتأمين المشاركة العربية والدعم العربي المادي لمصر بشكل مطلق.
واقترب وزير التموين من المسألة بالتأكيد علي أهمية قيامه بإطلاع الرئيس والمشاركين في الاجتماع علي الصورة الحقيقية للوضع التمويني بالبلد لكي يكون الجميع علي إحاطة بالموقف.. مشيراً إلي أن أكثر ما يهم المواطن المصري في هذه اللحظة التي ستدخل فيها مصر معركة عسكرية.. هو تأمين التموين وأسعار السلع الأساسية وتنظيم أعمال التوزيع والبطاقات وغير ذلك من مهام.. مع محورية أن تبقي السلع متاحة طوال معركة الصدام المسلح.. وأخذ الوزير «أحمد ثابت»، يشرح - وبالكثير من التفاصيل - الأوضاع التموينية الصعبة بالبلاد.. ومنها العجز في الأرز وكمياته.. والصعوبات التي تواجه وزارة التموين والداخلية والزراعة في توفير الأراضي لزراعة الأرز وقيام المزارعين بتخزينه أملاً في ارتفاع أسعاره.. كما تطرق الوزير أيضاً إلي الصعوبات التي تواجه الحكومة في توفير الزيوت والشحوم واستيرادها من الخارج.. والقمح والحاجة لتوفير العملات الصعبة للحصول عليه من الأسواق الخارجية.. مضيفاً أنه يؤكد أهمية توفير 3/4 شهور من المخزون السلعي من الأرز والقمح والاحتياجات الأساسية الأخري قبل بدء القتال خاصة مع احتمال التعرض للموانئ المصرية وخطوط الملاحة إلي مصر والبحث عن الموانئ البديلة وغير ذلك من اهتمامات.. واستغرق شرح الوزير وقتاً طويلاً حيث قال: «يجب فرض تسليم الحيازات للمحاصيل المطلوبة» وانتهي الوزير بالقول.. إن الصورة الحالية مثلما يراها تشير إلي أن الجهاز التمويني المصري ليس جاهزاً بعد لتوفير الاحتياجات المطلوبة من كل السلع الأساسية ولمدة تسعين يوماً علي الأقل.. من هنا فهو يطلب بعض الوقت الإضافي لتوفير هذا المخزون من الشراء من الخارج إذا ما توافرت الموارد المادية. وتدخل البعض الآخر بالحديث عن أهمية التعرف علي الإطار الزمني الذي ستدور خلاله المعركة المسلحة ولكي يمكن الاستجابة لمتطلبات التموين. كما أشاروا إلي قدرة الدولة المصرية علي فرض إجراءاتها وقراراتها في تأمين العمل بالبطاقات التموينية وكل ما يتعلق بتوريد المحاصيل.. وأوضحت المناقشات والتعقيبات أن الغالبية تؤمن بأهمية الانطلاق إلي المعركة إلا أن من الهام الاتفاق ليس فقط علي أهداف المعركة ولكن إطارها الزمني وأسلوبها.. حيث ذُكر إمكانية التركيز علي حرب استنزاف ممتدة وأكثر اتساعاً عما دار بين مصر وإسرائيل في الفترة من 68 حتي 1970، وتدخل وزير الحربية حيث شرح وبوضوح ومصداقية شديدين قائلاً «إن الظروف الحالية والعسكرية لا تمكن مصر أو تتيح لها تحرير كامل الأرض في ضربة واحدة شاملة... وأن أوضاع القوات المسلحة أصبحت مطمئنة إلا أن الوقت والتطورات والدعم الأمريكي لإسرائيل وقبض اليد السوفيتية عن مصر في إمدادات السلاح بشكل مفتوح كلها تؤشر إلي أن التطورات العسكرية لن تكون لصالح مصر إذا ما انتظرنا كثيراً وأكد وزير الحربية أنه «لا يري إمكانية لقيام مصر بتخليص سيناء كلها من خلال الإمكانات الموجودة».
وشرح رؤيته للموقف مؤكداً «أن الفارق بين الجيشين المصري والإسرائيلي يزداد لصالح إسرائيل.. والأسلحة تتآكل في أيدي المحاربين المصريين والذخيرة تستهلك.. وقد مضي علي القوات المصرية في الخنادق ما يقرب من ستة أعوام وهذا له تأثير كبير علي معنوياتها.. وأن المعنويات هي نصف أي معركة». واعترض وزير الحربية علي رؤية بعض الحضور في «أن نبدأ بمعركة استنزاف ثم نحولها إلي معركة» شاملة.. مؤكداً أن المعركة يجب أن تكون ممتدة وفي إطار زمني طويل وليس من خلال صدام لمدة 48 ساعة مثلاً.. ثم شرح «أحمد إسماعيل» خطته للمعركة، مشيراً إلي نيته في توجيه ضربة رئيسية قوية إلي العدو.. وتلقي ضربة العدو المضادة وأن هذا الأمر يجب أن يتم بشكل عاجل.. ولا تسمح الظروف بالتالي بأي تأجيل لشهور مثلما قال بعض الحضور. وعاد الحديث يدور حول أهداف المعركة المسلحة وحيث طرح تنفيذ قرار مجلس الأمن 242 مع أهمية إعداد موقف مصري متكامل فيما يتعلق برؤية مصر لمعني القرار 242 ومسألة الاعتراف بإسرائيل.. وقال الدكتور «أشرف غربال» إننا يجب أن نتفهم أن حروب اليوم أصبحت ذات إطار زمني قصير وأنه مضي عهد وزمن الحروب الطويلة التي تستغرق شهوراً وسنوات.. وأن المسألة لن تستغرق أياماً.. وفي أقصي تقدير أسابيع وليس شهوراً مؤكداً أن الوضع الدولي سيفرض ثقله علينا.. وأن العالم أصبح لا يسمح بحروب طويلة.. والأمر ليس في يدنا بمفردنا.. من هنا توصل الدكتور «غربال» إلي نتيجة مفادها.. أنه ولما كان المجتمع الدولي والعلاقة بين القوتين العظميين لن يتيح هذه الحرب الممتدة.. فإنه ينبغي - بالتالي - السعي لتحقيق أكبر مكسب عسكري في أضيق إطار زمني ثم التحرك بعد ذلك وبشكل فوري للعمل السياسي لتسوية مشكلة مصر مع إسرائيل.. مشيراً إلي أن النزاع العربي- الإسرائيلي سيستغرق أجيالاً ويجب أن نسلم الجيل القادم المشكلة الفلسطينية في أحسن أوضاعها من وجهة نظر مصالحنا.
ثم دار نقاش مهم بين المشاركين حول سلاح البترول وكيفية توظيفه لصالح الصدام المسلح. وقال الدكتور «عزيز صدقي» إن استخدام النفط كسلاح يجب أن يتحقق لأن انقطاعه سوف يفرض علي الجميع التحرك.. وقال الدكتور «أشرف غربال» إننا يجب ألا نسعي لوقف إمدادات البترول للعالم الخارجي لأن ذلك سيؤدي إلي نشوب حرب ضد العرب... إلا أن تخفيف الإنتاج والصادرات يمكن أن يحقق الهدف المطلوب.
سلام ما بعد الحرب
وانتقل الحديث إلي «حافظ إسماعيل» مستشار الأمن القومي... فقال إن من المهم أن نحدد رؤيتنا لمعني السلام... وكذلك الموقف من القضية الفلسطينية وكيفية تسويتها مؤكداً أهمية وجود فهم مصري/ سوري مشترك... وكذلك مع الأردن لشكل التسوية والرؤية من النزاع. وأضاف أنه تمت محاولات علي مدي النصف الأول من عام 73 للتوصل إلي تفاهم مصري/ أمريكي يمكن أن يؤدي إلي تعديل الموقف والتناول الأمريكي للعلاقة معنا وبالنسبة للاحتلال الإسرائيلي لأراضينا إلا أن المحاولتين اللتين بذلتا في فبراير ومايو لم تؤديا إلي انفراجة... من هنا فهو يقدر أهمية القيام بمحاولة أخيرة في اتجاه أمريكا قبل المضي إلي العمل العسكري ضد إسرائيل وأنه يتصور عقد هذه الجولة الجديدة مع الأمريكيين - كيسنجر - في نوفمبر/ ديسمبر 73 وبحيث تتم بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية وكذلك لإعطاء الفرصة للرئيس «نيكسون« لتجاوز مشكلات الإدارة الأمريكية وقتها وبهدف الوصول إلي تفاهم مع أمريكا بالمبادئ الأساسية لتسوية سياسية تكون هي المظلة لمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة ولكن تحت إشراف الأمم المتحدة للتوصل وتحقيق التسوية النهائية.
وأضاف المستشار إننا ونحن نقترب من هذا الوضع فعلينا أن نبقي علي أعلي درجات الاستعداد لقواتنا لمواجهة الاستفزازات الإسرائيلية.. كما يجب ألا نترك عملية، مثل المعركة الجوية السورية/ الإسرائيلية الأخيرة التي فقدت سوريا فيها عدداً كبيراً من الطائرات المقاتلة تمر دون رد إيجابي وإذا ما قررت إسرائيل فتح معركة.. فيجب أن نكون علي استعداد لملاقاتها.. وأمامنا بالتالي صورتان أو تصوران للمعركة.. أحدهما رؤية القائد العام «أحمد إسماعيل».. والآخر الذي قال بها البعض منا.. وهو الدخول في معركة استنزاف.. والحقيقة فإن رؤيتي - حافظ إسماعيل - هي أن العمليتين واردتان بالتوالي.. وإحداهما تتبع الأخري.. والمؤكد أننا وبعد ثلاث سنوات من وقف إطلاق النار - والحديث لا يزال ل«حافظ إسماعيل»- فيجب أن نتعرف علي إمكانات قواتنا وما أمامها في عمق دفاعات العدو وبالتالي فيجب أن نرتب لمواجهة معركة عبور معقدة للغاية.. من هنا فإننا يجب أن ننظر أيضاً في خيار آخر يختلف عن استنزاف عام 70 ويمكننا من كسر الموقف والحصول علي قراءة دقيقة لإمكانات العدو قبل بدء المعركة الأساسية.. ونستطيع مع بدء هذه المعركة الاستنزافية الكبيرة أن نصعد الموقف في المنطقة كلها وعلي جبهة إمدادات البترول.. وإذا ما تم تبين وجود مؤشرات لتفوق لنا.. فنقوم بالعملية العسكرية الكبيرة.. وهنا يجب تحديد الهدف السياسي للعملية العسكرية الكبيرة.. خاصة أنه وبانتهاء هذه المعركة الكبيرة سنكون قد استنزفنا مواردنا نحن أيضاً إلي آخر قطرة وسوف نحتاج ل10/15 سنة لإعادة تأهيل قواتنا.. وقد يتجمد الموقف لأعوام.. مصر في غرب سيناء وإسرائيل في شرقها لفترة طويلة.. ويجب أن ندرس كل عناصر الموقف بتركيز كبير، وأن نأخذ وضع الجبهة الداخلية بكل الاهتمام. وأن نضمن الحدود الدنيا للمطالب والاحتياجات الجماهيرية والتموينية.. وسوف يحتاج الأمر أيضاً إعطاء أكبر الاهتمام لمسألة المعركة الإعلامية داخلياً وعربياً ودولياً.
وتدخل الدكتور «محمود فوزي» قائلاً: «هناك اعتبارات كثيرة تدفعني إلي أن أكون مستبشرا بنظري إلي الأفق رغم الغيوم في بعض جوانبه.. هناك تغيرات كثيرة حدثت.. أولها داخل نفوسنا.. هناك الآن وضوح في الرؤية لما يحدث وتفسيراته.. نحن رتبنا أوراقنا في استخدام البترول والطاقة.. والجميع يعلم ذلك الآن.. والأشقاء العرب يسايرون فكرة استخدام البترول كسلاح فعال.. علينا أن ندرس المواقف بشكل متكامل وننشئ غرفة عمليات لدراسة كل العناصر والشهور القليلة القادمة.. ربما ثلاثة شهور.. يجب أن نعد لتحرك عسكري يقوم علي أرضية سياسية واقتصادية وفي كل الأحوال يجب أن نتخلي عن هذا الوضع الدفاعي ونلجأ إلي الهجوم.. وعلينا أن نستخدم السيف المتاح لنا طويلاً أو قصيراً.. وهذا لا يعني المجازفة ولكن الظروف هي التي تفرض هذا الوضع.. والحقيقة فإننا فعلاً في حرب.. وهي مجموعة معارك مستمرة.. وسوف تكون مصيبة كبري إذا ما انهار الوضع الداخلي دون حرب.. من هنا نحن مصرون وملزمون بأن نحارب وليس لدينا خيار آخر.. ولا بد لنا بجانب الاستمرار في التصعيد العسكري من استعداد وعند اللزوم من تحرك.. فلابد من التحرك بدون تسرع في تصعيد الضغط علي إسرائيل وأمريكا بكل الوسائل.. خاصةً في مسألة البترول.. وأخيراً لا يمكن أن تنكمش مصر وتبقي تحت الاحتلال.. وليس بالتالي أمامنا سوي المعركة الكبري.. كما يجب أن نحارب معركة إعلامية مؤثرة تعيد النظر في أوراق المواجهة.
ويعود «أحمد إسماعيل» وزير الحربية لكي يتدخل، مرة أخري، في ضوء حديث كل من «حافظ إسماعيل» و«محمود فوزي» بقوله إن إسرائيل اليوم وإذا ما شعرت أو رصدت أن القوات المسلحة المصرية قد أصبحت مستعدة للعمل المسلح فقد تبادر هي بالعمل العسكري ضدنا.. فسوف تحقق ضدنا نجاحات.. علي الأقل في المرحلة الأولي للمعركة.. وبالتالي «ومن وجهة نظري.. فإنه يجب البدء من جانبنا بالعمليات وبشكل مفاجئ».. وأضاف «أحمد إسماعيل» إنه يرغب في التعقيب علي النقاط التي تطرق إليها «حافظ إسماعيل» مستشار الأمن القومي.. وأن الأسلم بطبيعة الأحوال التعرف علي كل إمكانيات وتفاصيل قدرات العدو.. إلا أن الظروف قد لا تسمح بذلك.. وبذلك فيجب أن تقوم العمليات علي أساس الإمكانات والقدرات المصرية المتاحة ويجب أن نعترف.. أننا لن نحرر سيناء في ضربة واحدة.. كما لا يمكن القيام بحرب استنزاف جديدة.. وسوف نعمل في حدود إمكاناتنا وبواقعية.. والعدو متفوق علينا من حيث نوعية السلاح والطائرات إلا أن ذلك ليس معناه أن العدو سيكسب المعركة ضدنا.. بل يجب أن أعترف أن لنا حالياً وسائل استطلاع وتعرف علي أوضاع إسرائيل.. وهي معلومات كفيلة بإحداث تأثير إيجابي عند بدء القتال».
الدفاع مرفوض
واستعاد الرئيس «السادات» الكلمة مرة أخري وقال: «الجميع خارج مصر يتصور أننا جثة هامدة.. وبالتالي لا أحد يتحرك.. وعندما يعرضون علينا أفكاراً.. فهي تسعي لتحقيق المزايا لإسرائيل.. وهم يستغربون كيف نرفض ما يعرضه الأمريكيون علينا.. والجميع يقدر أننا في وضع دفاعي ولا يمكن لنا الهجوم.. وأن استمرار الوضع الحالي معناه الموت المحقق لمصر. لا يمكن أن نقبل بهذا اليأس الذي يحل علينا.. ولا يمكن إلا أن نتحدي إسرائيل.. فإذا لم نستطع ذلك فعلينا أن نحيط الشعب بالحقيقة.. فإذا ما كسرنا وقف إطلاق النار فمعني هذا أننا أحياء وقادرون.. أما مسألة التموين والحاجة للوقت وغير ذلك.. فلست علي استعداد للخضوع لهذه الاعتبارات.. وأقول علي القوات المسلحة أن تقبل التحدي ولا أقول لها أن تستعيد سيناء في ضربة واحدة.. علينا أن نقول للعالم أننا أحياء.. مصر لن تستطيع الصبر إلي الأبد.. ويجب أن تتحرك.. وكل العناصر تضغط علي مصر لكي تنهار لكننا لن نسمح بذلك».
ثم عقب الرئيس علي ما أبداه «حافظ إسماعيل» من تفضيل محاولة إجراء جولة ثالثة من المفاوضات مع أمريكا بهدف التوصل إلي تفاهم مصري/ أمريكي.. إلا أن «كيسنجر» أرسل لنا في يوليو الماضي يطلب هذا اللقاء الذي لا أري أي فائدة منه.. حيث سيعرض علينا استعادة نصف سيناء وفتح القناة ونوفق بين السيادة المصرية والأمن الإسرائيلي... كما أن «روجرز» سبق أن قال ل«جروميكو» وزير خارجية الاتحاد السوفيتي: لا بد أن تجني إسرائيل ثمرة انتصارها.. من هنا لا أتفق مع الرأي القائل بعقد جولة ثالثة مع أمريكا.. وهي لن تقود إلي شيء.. وطلب الدكتور «فوزي» الكلمة مرة أخري وقال إنه لا ضرر من محاولة التوصل إلي تفاهم مع أمريكا أو إعطائها فرصة جديدة للتعرف علي مواقفها. ورد الرئيس بأننا استطلعنا الموقف الأمريكي مرتين في النصف الأول من العام... وهذا يكفي... وأجابه الدكتور «فوزي» بأنه قد يكون من المناسب أن نحاول مرة ثالثة... وتدخل «ممدوح سالم» قائلاً:
فلنحاول ويجب ألا تكون هناك عداوات دائمة... كما يجب أن نأخذ في حسباننا أوضاعنا الداخلية... وأجابه الرئيس «السادات» وبشكل مباشر «إنني لا آخذ الجبهة الداخلية في الحسبان... والإنسان الشاطر هو الذي يرصد المواقف بدقة ووضوح... ونحن دخلنا مرحلة الخطر الشديد ولا أستطيع الانتظار ستة شهور أو عاماً... ويجب أن نعترف أن خسائر الحرب دائماً أقل من تكاليف الإعداد لها وإذا ما خسرنا منشآت بمبلغ 100 مليون أو 200 مليون جنيه كنتيجة للحرب... فإن ذلك بالتأكيد أقل من تكاليف القوات المسلحة سنوياً... إذ إننا نتكلف حالياً 700 مليون جنيه مصري وهو مبلغ باهظ التكلفة علينا... من هنا يجب أن نقول لأمريكا وإسرائيل... «لا» وسوف نحاربكم».
واقترب الاجتماع من نهايته... وأثير موضوع استخدام البترول مرة أخري وتحدث الرئيس بتأكيد اقتناعه أن العرب سوف يتحركون ولكن بحذر وإتقان وحتي لا تنقلب الموائد علينا... ومع اتخاذ قرار الحرب تحدث مستشار الأمن القومي مرة أخيرة قائلاً: إن قطاعات مهمة بالدولة يجب أن يتم إنذارها بالاستعداد لنشوب المعركة... وهذا سيتطلب 4/5 أيام لكي تدخل مرحلة الاستعداد.. وسوف يحتاج الأمر أيضاً للجنة عمليات للسيطرة علي إدارة الدولة ومواجهة متطلبات الصدام... ووافقه الرئيس فوراً.
وتم تكليف السيد «عبدالفتاح عبد الله» لكي يعمل كرئيس أركان حرب للرئيس السادات في إدارة العمليات وتنسيق المواقف وبالتعاون الكامل مع مستشار الأمن القومي... وتدخل الدكتور «أشرف غربال» قبل رفع الجلسة قائلاً: «يجب مع بدء المعركة أن نطلق مبادرة للسلام تعرض مواقف إيجابية لمصر ويمكن توظيفها فور توقف القتال».
ومرة أخري وافق الرئيس «السادات» علي المقترح... وقال إنها سوف تمثل مرحلة التحضير وإدارة الصدام.. ويجب أن نكون جاهزين ببدائل وأطروحات كثيرة.
وانتهي الاجتماع ساعة 0200 من فجر يوم أول أكتوبر، واتخذ قرار الحرب.
ولعل القارئ الكريم، وبعد أن اطلع علي هذا العرض الموجز لهذا الاجتماع الاستراتيجي والتاريخي... يمكن أن يتوصل إلي خلاصات أساسية، وهي:
أولاً: إن الرئيس «السادات» هو فعلاً صاحب قرار الحرب وهو المحرك والدافع لها وما كان لمصر أن تقوم بهذه العملية العسكرية إلا نتيجة لرؤيته وتحليله للوضع بالغ الصعوبة الذي وجدت مصر نفسها فيه.
ثانياً: إن المناقشات كشفت عن وجود تفاهم كامل بين الرئيس «السادات»... والقائد العام «أحمد إسماعيل» علي شكل إدارة الصدام المسلح، وأهداف الضربة العسكرية وحدود إمكاناتها. ثالثاً: إن القوات المسلحة المصرية كانت تعي أنها أقل قدرة من الجيش الإسرائيلي عندئذ... إلا أنها كانت تثق في قدرتها علي تحقيق عبور ناجح للقناة وإيذاء العدو وفرض رؤيتها لإيقاع المعركة.
رابعاً: إن بعض كبار المسئولين المصريين كان يتصور... بل ويطرح إمكانية تأجيل الصدام المسلح لعدة شهور... للمزيد من إعداد المواقف... خاصة علي مستوي الجبهة الداخلية... كما قدر البعض أن القلق الداخلي المصري يمكن السيطرة عليه بإجراءات أمنية احترازية... إلا أن الرئيس «السادات» كان حاسماً في رفض كل هذه الأطروحات.
خامسا: إن عدداً من المسئولين الكبار الذين شاركوا في هذا الاجتماع... كان لديهم قلق دفين وعدم ثقة في وضوح التأييد العربي للمعركة المسلحة.. بل طالب البعض بأن تستمر مصر في مطالبة العرب بالمزيد من الالتزام بالدعم المادي إذا ما كان لها أن تقوم - أي مصر- بمعركة عسكرية ناجحة ومؤثرة.
سادساً: إن الرئيس «السادات».. ومستشار الأمن القومي تفهما وبدقة احتياجات ومتطلبات إعداد الدولة للمعركة.. من هنا كان هناك تقسيم واضح للمهام وتكليفات محددة لكل من الشخصيات المصرية المشاركة وبشكل آمن تحرك مصري داخلي وخارجي وعسكري متكامل وشامل.. وأتاح لمصر.. بالتالي.. استخدام كل أدوات التأثير لتحقيق هدف المعركة العسكرية وتوابعها من جهد مصري وعربي في اتجاه الضغط السياسي علي الولايات المتحدة والغرب لتطويع مواقف إسرائيل بشكل تدريجي.
ومرة أخري.. نقول إنها كانت أياماً تاريخية.. وقرارات مصيرية.. ويبقي بعد ذلك التقييم النهائي للحرب والظروف التي دارت فيها العمليات والخلاصات التي وصلنا إليها والأخطاء التي قد نكون قد وقعنا فيها والنجاحات النهائية المحققة من الضربة العسكرية.
اقرا مقالات احمد ابو الغيط حول حرب اكتوبر
مجلس حرب أكتوبر
فى عدد مجلة روزاليوسف يوم السبت .. أحمد أبو الغيط يواصل شهادته الوثائقية على الحرب تفاصل وأسرار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.