في عام 1990 قررت أحزاب المعارضة الرئيسية باستثناء العمل، مقاطعة الانتخابات النيايبة التي جرت في نفس العام، بعد حكمين من المحكمة الدستورية العليا ببطلان انتخابات 1984 التي جرت بالقائمة النسبية، وشهدت تخصيص مقاعد للمرأة، ثم انتخابات 1987 بالقائمة النسبية المشروطة. واستطاعت الأحزاب الرسمية خاصة الوفد والعمل تحقيق تمثيل نسبي للمعارضة في البرلمان غير مسبوق علي صعيد الحياة النيابية بعد الثورة، وترواح تمثيل الوفد في حدود 30 نائبا في كل مرة، بينما وصل عدد أعضاء التحالف الذي ضم الإخوان والعمل والأحرار إلي 58 نائبا في انتخبات 1987. كانت انتخابات بالقوائم الحزبية النسبية فرصة لتعزيز الحياة الحزبية عبر تمثيل نيابي حزبي كبير ومؤثر، لكن صانع القرار السياسي والتشريعي قرر العودة إلي الانتخابات الفردية لتلافي شبهة عدم الدستورية التي واجهت برلمانيين متعاقبين، بينما كان يمكن صياغة تشريع يحافظ علي الانتخابات النسبية، دون إهدار حق الأفراد في الترشح بشكل مستقل، مع سد الذرائع التي تتيح لقوي غير شرعية مثل الإخوان التسلل للأحزاب السياسية. غاب الوفد الحزب المعارض الأول عن انتخابات 1990 وبالتالي ظل خارج خارطة العمل النيابي خمس سنوات كاملة، وصل بعدها الوفديون وسائر أحزاب المعارضة إلي أن خسائر المقاطعة أكبر بكثير من مكاسبها، وكانت الأحزاب في ذلك الوقت تواجه تضييقا في النزول إلي الشارع لم يعد موجودا، واعتبر الحزبيون أن مقاطعة الانتخابات تحرمهم من فرصة التواجد الفاعل لعدة أشهر في الشارع، ثم التلاحم بين النواب وناخبيهم. وكانت الأحزاب السياسية قد مرت أيضا بتجربة مقاطعة أخري لانتخابات المجالس الشعبية والمحلية لعدة دورات لأسباب مختلفة، وبعد سنوات من المقاطعة توصل قادة أحزاب المعارضة إلي استنتاج بأن مقاطعة المحليات، أفقدتهم كل الفرص لإفراز قيادات جديدة علي المستويات المحلية البسيطة، ومن ثم خوض غمار انتخابات أصغر، تعتبر هي القاعدة الأساسية التي يتربي فيها السياسيون ويختبرون أنفسهم، ويبنون الروابط مع المجتمعات المحلية. الغريب أنه بعد كل هذه الدروس وضريبة المقاطعة الكبيرة عادت نغمة المقاطعة لتطل برأسها قبل الانتخابات النيابية القادمة، وقد تكون دعوات المقاطعة مقبولة إلي حد ما حين تصدر من المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي ومن معه في جمعيته للتغيير، فالقائمون عليها معظمهم من الأكاديميين الذين لم يمارسوا العمل العام، واكتفوا بالنضال النظري عبر صفحات الصحف، ولم تعركهم الحياة السياسية، ولم يكتشفوا أسرارها بعد، لكن الغريب أن تأتي بعض هذه الدعوات من داخل أحزاب قائمة بالفعل خاضت غمار المقاطعة وتعرف خسائرها. مقاطعة الانتخابات البرلمانية هي أضعف الإيمان، أي بالقلب واللسان لكن أحسن الإيمان هو العمل، وهو ما يقتضي من الأحزاب السياسية، التنازل عن فقه المقاطعة إلي الأبد، والاستعاضة عنه بفريضة المشاركة، ومحاولة تغيير شروط العملية السياسية. هذا هو طريق التغيير.. أما الداعمون إلي المقاطعة فسيكتشفون مع الزمن ماذا سيخسرون؟!