الإعلام آلة تقوم بإنتاج الفكر والمعرفة الإنسانية، ومن ثم فهي آلة تنتج ما يبني الوعي الإنساني ويعمل علي رقيه ويحافظ علي آدميته، هذا في حال بنيت تلك الآلة وتأسست هي في الأصل علي العلم والمعرفة كذلك، وإلا تحولت الآلة الإعلامية ذاتها إلي آلة لمنتج عبثي وحشي يقوم بالإجهاز علي الإنسان وافتراس وعيه وتجريده من معالمه الآدمية والهبوط به إلي درك الحيوان، ولكن، كيف تتحول الآلة الإعلامية إلي وحش يفترس وعي المواطنين؟، للجواب عن هذا السؤال المهم لابد أولا وقبل كل شيء من إدراك أهمية وجود الأسس العلمية الحقيقية المشروعة التي يقوم عليها الإعلام، وهذه الأسس تتمثل أولا في: أن يكون بناء الإنسان فكريا ومعرفيا هو الهدف المقدس للرسالة الإعلامية، ويكون الإنسان هو المرجعية الأولي والوحيدة لهذه الرسالة، ثانيا: الاعتماد في العمل الإعلامي علي المنهجية المقننة والمتفق عليها علميا،ً ثالثاً: الموضوعية الحقيقية التي تقوم علي الحياد وعدم التحيز أو التربح أو التسلق أو المتاجرة أو الابتزاز أو تحقيق الأهواء والمطامع الشخصية من وراء العمل في الإعلام. فهل لهذه الأسس من وجود حقيقي يذكر في الإعلام الآن؟. إن المتابع للكثير مما يرد في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب الآن لا يمكنه العثور علي شيء من هذه الأسس علي الإطلاق، لا في المادة الإعلامية التي تصدر إلي الجمهور ولا في حاملي الرسالة الإعلامية أنفسهم، والسبب في ذلك هو الانفراجة الإعلامية التي شهدتها مصر في السنوات القليلة الماضية التي جاءت فجأة وسريعة وبصورة غير مقننة ولا منظمة ولا مخطط لها، ما أدي إلي انتشار الشذوذ في كل شيء، وانتشار الفوضي في جميع مناحي الحياة التي يعيشها الشعب المصري الآن، بل لقد أضرت به أكثر مما أفادته، نعم، لأن ما يحدث الآن علي الساحة الإعلامية في مصر وخاصة في الإعلام الخاص ما هو إلا توحش إعلامي يقوم بافتراس وعي الشعب المصري ويمزق أوصاله الثقافية والمعرفية والفكرية والسياسية والاجتماعية، وتحويل وعي المواطن المصري إلي حرم مستباح لكل من يريد أن يشبع نزواته وشهواته وغرائزه ويرينا بطولاته وعنترياته، تحت شعار الحرية والديمقراطية دون أي ضابط قانوني أو قيمي أو أخلاقي أو إنساني ودون أي مرجعية تذكر لتلك الشعارات سوي أمزجة ومصالح ونزوات وشهوات كثير من القائمين علي الإعلام والعاملين فيه. لقد أصبح الإعلام الآن ساحة لإشباع غريزة الحصول علي المال من أقصر وأسهر الطرق، وكذلك إشباع غريزة الشهرة والنجومية وحب الظهور، وغريزة السلطة والتأله والتعالي والتكبر والحصانة التي لا تمس، دون أدني التفات إلي حقيقة الرسالة الإعلامية ذاتها وما الذي يجب أن يقدم فيها وما حقيقة قيمتها وفوائدها التي ستعود بالنفع علي الناس. وكذلك عملت الانفراجة الإعلامية غير المحسوبة وغير المدروسة علي استقطاب أناس ليس لديهم القدر الكافي من الوعي ولا من الفكر ولا من الثقافة ولا من الجدية ولا من المسئولية ما يؤهلهم لحمل شرف العمل في مثل هذه المهنة جليلة القدر وخطيرة الأثر والتأثير، ما جعلهم يستخدمون الآلة الإعلامية لخدمة أغراضهم وأهوائهم الشخصية وتطلعاتهم الأنانية تحت مسميات شتي وتحت شعارات ولافتات براقة هم أبعد من يكونون عن حقيقتها، بالضبط كمن يستخدم الدين من رجال الدين لأغراض مادية أو تجارية أو سياسية أو شخصية أو فئوية وطائفية. وما يبرهن علي صحة ما سبق قوله هو حالات اللاأدرية والتخبط والعشوائية التي كشف عنها الإعلام الرمضاني بجلاء ووضوح لا لبس فيه، إذ كشف الإعلام الرمضاني الأقنعة عن كثير من الإعلاميين الذين لا يدرون ماذا يريدون؟ ولا يدرون ماذا يفعلون؟ ولا لماذا يفعلون ما يفعلون؟، بل لقد كشف الإعلام الرمضاني عن حالة من الإفلاس المخزي للقائمين علي المطبخ الإعلامي وللعاملين فيه. ظهرت معالم هذا التخبط وهذه العشوائية وذلك الإفلاس والبحث عن الشهرة لمجرد الشهرة في بعض رؤساء تحرير الصحف الخاصة ك (وائل الإبراشي، وإبراهيم عيسي، ومجدي الجلاد) وتركهم لمكاتبهم للجلوس أمام الكاميرات لعرض المشاكل الشخصية للرياضيين والمطربين والممثلين علي الجمهور، وتقديم برامج ليس لديها هدف علمي أو فكري أو تنموي أو قيمي يذكر سوي شغل أوقات بث الإعلام المرئي وتسويد بعض صفحات الجرائد بكل ما لا قيمة له من أخبار ومعارك وقضايا وخصومات وخلافات بين الفنانين والراقصات والمطربين والرياضيين. هذا وناهيك عن نموذج التخبط الأكبر الذي يعيشه الإعلامي إبراهيم عيسي الذي يقوم بتقديم برنامج عن حياة الصحابي عمر بن الخطاب علي قناة دريم، وكذلك يقوم بتقديم برنامج ينتقد فيه كثيرا من سلوكيات المسلمين أثناء شهر رمضان تحت عنوان (حاجة تفطر) علي قناة (otv)، وفي الوقت نفسه يقوم كذلك بتقديم برنامج كوميدي علي قناة (موجة كوميدي) باسم (حمرا) وجميعنا يعرف ماذا تعني كلمة (حمرا) وعلي ماذا تطلق. حيث قام باستضافة المغني شعبان عبد الرحيم والراقصة دينا واللبنانية دوللي شاهين وغيرهم من الفنانين والفنانات وقام بمناقشة كثير من السخافات التي لا قيمة لها. فهل يمكن أن يكون الأستاذ إبراهيم عيسي قد أصيب بداء (الهرتلة) وصار يهرتل كما يهرتل الشعب المصري كما يقول هو عنه؟، أم أن الأستاذ إبراهيم عيسي هو نموذج حقيقي ومعبر وواقعي عن حالة الإفلاس والتخبط والعشوائية التي يعيشها كثير من الإعلاميين، وكذلك تعبيرا عن حال الإعلام الذي تحول إلي وحش يفترس وعي المواطنين.