يأتي عيد الفطر المبارك في كل عام فتلتقط السينما المصرية أنفاسها بعد فترة طويلة من التوقف في شهر رمضان، وكانت المشكلة هذا العام مزدوجة حيث تحالفت الأزمة الاقتصادية وكأس العالم وامتحانات الثانوية العامة والحرارة الشديدة علي أن يكون الموسم الصيفي الأساسي صعباً وفقيراً، غاب نجوم كثيرون مثل عادل إمام، وتأجلت بعض الأفلام إلي موسم عيد الفطر مثل «أولاد البلد» بطولة «سعد الصغير» و«محمد لطفي» و«سليمان عيد»، و«الراجل الغامض بسلامته» فيلم «هاني رمزي» الذي نسمع عنه منذ فترة طويلة، باختصار تأتي أفلام العيد هذه المرة، والصورة تدعو إلي القلق خاصة إذ تراجع الأفلام المنتجة في السنوات القادمة كما يتوقع الكثيرون، وأرجو ألا ننسي موسم دخول المدارس وتأثيره علي أفلام العيد.. من حيث المستوي الفني، لا نستطيع أيضاً أن نتفاءل كثيراً، لو عدنا إلي أفلام الموسم الصيفي الذي بدأ في مايو بفيلم «تلك الأيام»، فقد عرضت تسعة أفلام فقط، ولن تجد من بين هذه الأفلام التسعة إلا أفلاماً محدودة يمكن تصنيفها بالجودة والاختلاف هي: تلك الأيام و«الديلر»، و«بنتين من مصر» والثلاثة يشتغلونها، ولا تراجع ولا استسلام، وقد كتبت حيثيات رأيي في كل فيلم في مقال مستقل، وفي المقابل كانت هناك أفلام شكلت خيبة أمل حقيقية بالنسبة لي علي الأقل مثل: «عسل أسود» الذي اعتبرته من أضعف أفلام أحمد حلمي من حيث السيناريو وفيلم «الكبار» الذي اعتبرته العودة الهزيلة لكاتب سيناريو كبير بوزن «بشير الديك»، وهناك أعمال شكلت نتائج متوقعة قياساً إلي «سوابق» صناعها وأصحابها مثل «اللمبي 8 جيجا» الذي أكد أن «محمد سعد» لم يعثر بعد علي الطريقة التي يطور بها نفسه مما جعله «محلك سر»، وقد يكون متراجعًا إلي الخلف، ومثل فيلم «نور عيني» ل«تامر حسني» الذي يشكل السيناريو الضعيف مشكلة أفلامه الكبري رغم حضوره وخفة ظله. ولكن الصورة لم تكن قاتمة تمامًا، فالسينما مازالت تستوعب وتكتشف المزيد من المواهب اللافتة التي تشكل مفاجآت سارة: علي مستوي الممثلين لفتت «مي سليم» الأنظار بشدة في دورها الأول في السينما في فيلم «الديلر» وقدم الموهوب «خالد النبوي» أحد أقوي أدواره وسرق الكاميرا من الجميع في نفس الفيلم، وقدم فيلم «نور العيون» - رغم تهافت بنائه - وجهين مجتهدين هما: «عمرو يوسف» و«إسلام جمال»، وسعدنا بدخول الموهوبة الأردنية «صبا مبارك» إلي السينما المصرية من خلال دورها المؤثر في فيلم «بنتين من مصر»، وكان هذا الفيلم - الذي اعتبرته من أفضل عشرة أفلام انتجتها السينما المصرية عن المرأة في تاريخها - بمثابة إعادة الاكتشاف لوجوه غائبة عن الكاميرا أو مُغيبة عنها رغم موهبتها مثل «طارق لطفي» و«أحمد وفيق» و«رامي وحيد» وأسعدني بشكل خاص تألق الثلاثي الموهوب والمتألق «أحمد مكي» و«دنيا سمير غانم» و«ماجد الكدواني» في فيلم «لاتراجع ولا استسلام»، ولا يفوتني الإشارة إلي موهبة واعدة جدًا في الكوميديا هي «إيمي سمير غانم» التي قدمت مشاهد قليلة لافتة في فيلم «عسل إسود». علي مستوي الكتابة للسينما، قدمت «علا عز الدين» مع «أحمد غانم» سيناريو «تلك الأيام» الذي يعتبر أفضل كثيرًا - رغم الملاحظات - من فيلم علا الأول «ولد وبنت»، وقدم يوسف معاطي عملاً متماسكًا بل ومفاجئاً هو «الثلاثة يشتغلونها» بعد أعمال أخيرة مفككة مثل «أمير البحار» و«بوبوس»، وكان الاكتشاف الأهم «شريف نجيب» الذي كتب سيناريو وحوار «لا تراجع ولا استسلام».. إنه مؤلف واعد جدًا في الكتابة الكوميدية، وعليه أن يبحث عن موضوعات وأفكار مختلفة لأنه يمتلك بالفعل موهبتين كبيرتين هما: الخيال والحس الساخر، وطبعا لا نستطيع أن نتجاهل «محمد أمين» كاتبًا للسيناريو البديع لفيلم «بنتين من مصر» أفضل أفلامه علي الإطلاق، وأحد أفضل أفلام العام. علي مستوي الاخراج، قدم اثنان من المخرجين عمليهم الأولين في هذا الموسم الصيفي الصعب: «أحمد غانم» صاحب «تلك الأيام» وهو مخرج واعد وفاهم ومن الواضح أنه يريد أن يقدم أفلامًا مختلفة عن السائد، و«محمد العدل» مخرج «الكبار» الذي كان من نقاط الضعف الأساسية في الفيلم لدرجة أن الممثلين جميعًا خاصة «عمرو سعد» و«زينة» و«محمود عبدالمغني» قدموا أسوأ أدوارهم من حيث الأداء، ولا شك أن تجربة «محمد العدل» و«كريم العدل» مخرج «ولد بنت» تثبت أن الإخراج ليس عملاً سهلاً، وأن تعجل الحصول علي لقب مخرج يمكن أن يكون أمرًا ضارًا للغاية قبل استكمال النضج والخبرة وإتقان الصنعة. أما من حيث علاقات الأجيال المختلفة في عناصر العمل الفني فقد تواصلت تلك التوليفة الواسعة من فنانين ينتمون لأجيال مختلفة: «مدحت العدل» ككاتب سيناريو في فيلم من اخراج «أحمد صالح»، «بشير الديك» ككاتب من الجيل المخضرم مع «محمد العدل» من أحدث الأجيال في فيلم «الكبار»، «أحمد السقا» من جيل أحدث مع «خالد النبوي» من الجيل الأسبق، وأتيحت الفرصة لأجيال مختلفة من المخرجين لتقديم أفلامها «أحمد غانم - علي إدريس - أشرف فايق - أحمد الجندي»، ولاحظت أيضًا ظهور بعض النجوم كضيوف شرف في أفلام أخري مثل: «أحمد عز». في «الثلاثة يشتغلونها» و«عبلة كامل» في «الكبار»، كما قدم «صبري عبدالمنعم» دورًا مميزًا وقصيرًا في فيلم «الديلر»، ويجب أيضا الإشارة إلي أن هناك ممثلين في الأدوار المساعدة يصعدون بقوة بسبب اجتهادهم في أدوارهم القصيرة كما شاهدنا من «نضال الشافعي» في فيلم «الديلر» وفي فيلم «الثلاثة يشتغلونها»، وكما لفت «شادي خلف» الأنظار بدوره وبأدائه الواثق في فيلم «الثلاثة يشتغلونها». أما أفضل أفلام الموسم الصيفي فهو بالتأكيد «بنتين من مصر» الذي كتبه وأخرجه «محمد امين» لا أعرف بالضبط ما إذا كان عرض هذا الفيلم الثقيل «فنيا وفكريا» في عز الموسم الصيفي قد خدمه أم لا ؟، من ناحية: العرض مناسب تمامًا من حيث الموضوع الذي يتوجه إلي جمهور الشباب ويعبر عن معاناتهم الواقعية تمامًا، ولكن - من ناحية أخري - لست متأكدًا من أن هؤلاء كانوا في حالة جيدة لاستقبال الفيلم بالنظر إلي أنهم خارجون لتوهم من جرعة ثقيلة جدًا هي الامتحانات، ولعلهم كانوا يهربون من التفكير ويبحثون عن الترفيه المرح، وقد لاحظت أثناء مشاهدة الفيلم أن النسبة الكبري من الحاضرين فتيات دون سن العشرين، واكتشفت أن هناك شعورًا بالصدمة أحدثه الفيلم فيما بينهن، فسرت ذلك بأنها صدمة مواجهة هواجس تهربن منها أو ربما كانت صدمة مواجهة فيلم واقعي في وقت يهرب فيه كثيرون من الواقع المؤلم إلي حيث صالات العرض المكيفة!