أنقذتني الفلسفة..هكذا يبدأ الكاتب والمؤلف الفرنسي الشاب ألكسندر جوليان الحديث عن نفسه ، فقد نشأ بإعاقة حركية، بسبب خطأ أثناء ولادته أدي لإلتفاف الحبل السري حول رقبته، أجبرته علي الحياة سجين مؤسسة للمعاقين سنوات طويلة قبل أن يخطو خطواته الأولي وهو في التاسعة من عمره. وحتي اليوم مازال جوليان يتحرك بصعوبة ويبذل مجهودا كبيرا للكلام. وفي سن المراهقة لم يكن ألكسندر جوليان بالطبع طالبا متميزا، وأقصي ما تنبأ له به معلموه هو مهنة متواضعة في مصنع للف السجائر! لكنه في هذا الوقت كان قد بدأ في القراءة لأكبر الكتاب والمفكرين القدماء والمعاصرين بالإضافة إلي الإنجيل ومؤلفات نيتشة وسبينوزا. وفي هذه الكتب ، وجد جوليان الطريق للهروب من المصير المظلم الذي رسمه له الجميع .. وعندما قدم أوراقه للجامعة كان اختياره الأول: دراسة الفلسفة. وفي عام 1999 أصدر ألكسندر جوليان أول مؤلفاته ، "في مديح الضعف" توالت بعدها إنتاجه الأدبي الذي سعي من خلاله تطوير ما أسماه بفن "الحياة بسعادة" بالرغم من المحن وذلك بفضل الفلسفة والتأمل والتفكير النقدي وروح الدعابة. واليوم بعد أن وصل الكاتب لسن35 عاما ،وأصبح زوجًا وأبًا لطفلين، وضيفًا دائمًا في المؤتمرات والمحاضرات العامة وبرامج التليفزيون ومصدرا للإلهام للكثير من قرائه ، يؤكد جوليان أن كل إنسان من حقه أن يتطلع لحياة سعيدة، وهو نفسه الدليل الحي علي ذلك، إذ اجتمعت فيه كل أسباب البؤس والشقاء ، لكن السعادة علي حد قوله "تُنمّي"، السعادة طريقة تفكير وطريقة حياة وليست قاصرة علي من دللتهم الحياة والظروف. ويعتبر كتابه الرابع ،"الفيلسوف العاري"، الصادر حديثا عن دار نشر "سوي" في منتصف شهر أغسطس، بمثابة مذكراته الشخصية العميقة ، يكشف فيها عن لحظات ضعفه الإنساني التي جعلته ، بالرغم من حثه الدائم علي الانفصال عن الآلام والمحن ، إلا إنه بعض مشاعر الغضب وعدم الرضا والحسد والحقد علي الآخرين بقيت عالقة في قلبه . وقد جعل جوليان من كتابه محاولة للتطهر من رواسب المشاعر السلبية في قلبه ، عن طريق طرح بعض التمارين الروحية وطرق التأمل التي تعلمها للتحرر من عبودية الغضب والكراهية. ويشهد الكتاب علي الرحلة النفسية الصعبة التي خاضها المؤلف لخلق سعادته والحفظ عليها متحديا كل الصور النمطية التي وضعها المجتمع لمن هم في حالته من الإعاقة والفقر والضعف الجسدي والانعزال الاجتماعي . وفي النهاية يقتبس الكاتب مقولة الفيلسوف الشهير بيرجسون" الفلسفة ليست بناء منهج ، ولكنها القرار الذي يتخذه الإنسان مرة واحدة في حياته بالنظر في ذاته وما حولها!"