يقول المثل العامي المصري: (الذي يخجل من ابنة عمه لا يمكن أن يثمر زواجهما).. وتقول الحكمة المأثورة: (لا مواربة في الحق).. وتنص مبادئ الواقعية السياسية علي أن المصارحة هي أساس تحقيق المصلحة.. فما بالك لو أن في المصارحة (درءاً للخطر). إن علينا أن نفرق بين مشاعرنا المتعاطفة مع المأساة الفلسطينية.. ومصالحنا المتعلقة بتفاعلات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.. وعذاباتنا الشخصية مما تواجهه غزة بسبب حصار كريه ومجرم تعانيه منذ سنوات.. وبين حركة حماس.. هذه نقرات وتلك نقرة مختلفة تماماً.. ولا يجب السماح أبدًا بالخلط بين هؤلاء وتلك.. ذلك أن حماس ليست هي فلسطين.. بل إنها أحد أهم أسباب مشكلة فلسطين.. وهي في تقديري تأتي في المرتبة الثانية بعد الاحتلال من حيث الخطورة علي المصالح الفلسطينية. وحتي لو كنا مضطرين كدولة إلي التعامل مع حماس باعتبارها الفريق غير الشرعي الذي يسيطر علي غزة ويقبض أنفاس الناس فيها.. فإن علينا أن تكون قناعتنا الثابتة التي لا جدال فيها أن حماس هي خطر استراتيجي علي المصالح المصرية.. وأن وجودها علي الحدود يناقض الاستقرار في مصر ويمثل تهديدًا حيويا ومستمرًا للأمن القومي المصري. لا يتعلق هذا الاستخلاص وتلك القراءة فقط بجريمة إطلاق الصواريخ علي إسرائيل والأردن من الأراضي المصرية .. وإنما هناك عديد من الأسباب التي تقود إلي هذا الحكم: أيديولوجياً: تؤمن حماس بنظرية الدولة الدينية التي تناقض صفات الدولة المدنية المصرية.. وهي في قناعتها تؤمن بأن مصر دولة ضد أيديولوجيتها.. بغض النظر عما يقوله كوادرها وقياداتها أحيانًا من كلام معسول بشأن مصر فإن أعضاءها وقاعدتها علي قناعة كاملة بأن عليها أن تقوم بممارسات ضد مصر لو أتيح لها ذلك.. ولولا لطف الله ولولا يقظة مصر، فإن حماس كان يمكن أن تقوم بما يفوق ما قامت به ضد مصر (أمثلة: اقتحام الحدود القتل المتكرر لحراس وضباط مصريين علي الحدود العناصر المتسربة إلي مصر من كوادر حماس إيواء بعض الإرهابيين المصريين في كنف حماس إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل من مصر تهريب الأسلحة عبر الأنفاق من وإلي مصر .. وغير ذلك ) . تنضوي حماس عمليا، ولأسباب تنظيمية وأيديولوجية في منظومتين ضد المصالح المصرية.. الأولي: هي الارتباط بتنظيمات تعود إلي مجموعات القاعدة الإرهابية عالميا.. ولو علي مستوي القنوات المفتوحة.. والثانية هي :ارتباطها الولائي والتنظيمي بجماعة الإخوان العالمية وجماعة الإخوان في مصر.. وهي في ذلك إنما تخدم علي مصالح التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وتري في نفسها ظهيراً جغرافياً له علي الحدود مع مصر وهي مستعدة لأن تقوم بما يمليه عليها قيادات الإخوان إقليميا وبما يؤدي إلي التأثير علي الواقع السياسي في مصر، كما أن جماعة الإخوان توظف حركة حماس في تحقيق توترات داخلية مصرية. ترتبط حركة حماس بشبكة من المصالح والأطراف المعادية لمصر علناً وبكل صراحة.. سواء علي المستوي العربي أو علي المستوي الإقليمي.. وعلي رأس تلك التحالفات علاقتها الوثيقة بإيران.. تمويلاً وتدريبًا وتواصلاً سياسيا وتنسيقًا في الأهداف والتحركات.. وعلي الرغم من سنيتها فإنها علي أتم الاستعداد لتنفيذ التوجهات شيعية المذهب فارسية القومية.. خصوصًا لو كان هذا يعمل ضد المصالح المصرية ويقوضها ويسيء إليها.. ولو كان هذا علي مستوي بسيط يتعلق بتشويه الصورة إعلاميا وسياسيا. ويتصل بهذا المعني أن حركة حماس لا تخضع لقرارها الذاتي وإنما هي أداة في يد الآخرين.. ووسيلة يستخدمها غيرها.. ووكيل يقوم بالمهام نيابة عمن دفع له.. وتلك خصائص تشكك، ضمن عوامل أخري، في شرعيتها ومدي تمثيلها للكفاح الفلسطيني المخلص. تناقض حركة حماس المنهج المصري في التعامل مع مساعي التسوية.. مبدئيا وعقائديا ومن حيث الشكل والمضمون.. وهي لا تري السلام من الأصل هدفاً يمكن أن تتجه إليه.. وتعتقد علي ضعفها المقيت أنها يمكن أن تزيل إسرائيل من الوجود.. وتري أن اتفاق السلام المصري - الإسرائيلي نوع من الخيانة التي يجب محو عارها.. وهي تعمل بشكل مستمر في هذا الاتجاه ولا يمكن الاعتقاد أنها سوف تلين أو تقبل بأي تعديل في تصوراتها التي تخالف أبسط قواعد الواقعية السياسية. تتواطأ حركة حماس رغم الاختلاف العقيدي مع كل أهداف الاحتلال الإسرائيلي.. سواء الآنية أو المستقبلية.. وهي تخدم أهدافه في تقسيم الأراضي الفلسطينية وتعمل ضد مشروع الدولة الفلسطينية.. وتواصل الاختلاف الذي يصل إلي حد العداء السافر مع السلطة الفلسطينية.. وهي كذلك تعمل علي تحقيق هدفه الساعي إلي نقل تبعية أراضي غزة إلي مصر . بما يمثله من خطر استراتيجي حقيقي علي الأمن القومي المصري. تنطوي حركة غزة علي سلوك (العصابة) التي لا يمكن أن تتحول في يوم من الأيام إلي سلوك رجال السياسة ولا أقول رجال الدولة.. وهي ضد القانون.. وقد انقلبت علي الحكم وهي فيه.. وتعتمد أساليب سرية في التمويل.. ولديها ارتباطات مع عصابات الإرهاب والإجرام والتهريب .. وتضفي علي كل هذا ادعاءات بالمقاومة التي لم يعد لها وجود في تصرفات حماس.. ومهما التقي المسئولون العرب والدوليون بحركة حماس ومن فيها ومن يقودها فإنها لا يمكن أن تتحول إلي منهج العمل السياسي المقنن وسوف تبقي فيها صفة رجال العصابات.. وهو وصف أطلقته عليها منذ زمن هي وحزب الله. يرتبط بذلك، وكنتيجة له، إنه لا يمكن توقع أن تلتزم حركة حماس أو أي من قياداتها بتعهد، أو موقف يمكن البناء عليه، أو اتفاق يمكن الوثوق فيه.. وهذا خطر حقيقي في بناء التصرفات السياسية واتخاذ القرارات. إن أي دفاع عن حماس أو تبرير لتصرفاتها سوف يكون دفاعاً عن خطر متكامل يهدد أمن مصر واستقرارها ومصالحها.. وحتي لو كانت الدولة المصرية تتصل لسبب أو آخر عبر قنوات بعينها مع هذه الفرقة الضالة لأسباب مفهومة في صدارتها الرعاية الإنسانية لأهل غزة المظلومين احتلالاً من إسرائيل واختلالاً وخللاً من حماس.. فإن هذا لا يعني إنكار وجود هذا الخطر.. وضرورة العمل علي مواجهته.. وإدراك أن تلك التواصلات لن تسفر عن شيء يمكن أن يكون ملموسًا ومؤثرًا... هذه التواصلات هي بمثابة نوع من الحرث في البحر.. ولم يثمر حرث البحر قبلاً زرعاً.