تعتبر مصر رائدة عملية السلام العر بية الاسرائيلية, وكان لذلك مردود إيجابي مستمر علي المصالح المصرية, حيث أبرز النفوذ والوزن المصري الإقليمي, في ضوء رصيد طيب من الإنجازات, وسجل طويل شمل الوساطة أو استضافة معظم الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية منذ حرب أكتوبر المجيدة, والمساندة الايجابية, بما في ذلك توفير الخبرة والثقة, والسند للجانب الفلسطيني في مفاوضاته مع اسرائيل, أو القيام بدور حلقة الوصل بين الطرفين العربي والاسرائيلي, بأسلوب يشكل عنصر ضغط إيجابيا علي اسرائيل, لمراجعة مواقفها بين الحين والآخر لصالح عملية السلام. ونتيجة لكل ذلك, رؤي تقليديا أن مواصلة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية من المصلحة المصرية, خاصة إذا تم تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات, أو علي الأقل تمت المحافظة علي المسيرة بنتائج إيجابية بين الحين والآخر, وإنما السؤال الذي يجب تقييمه ودراسته الآن بجدية هو: هل استمرار الوضع الحالي غير المجدي للمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية والاتصالات المتقطعة, نتيجة التعنت الاسرائيلي والانقسام الفلسطيني, لا يزال في مصلحة مصر؟ أم يؤدي ذلك تدريجيا إلي تآكل مصداقيتها الأقليمية والدولية, في ظل تعثر المفاوضات تكرارا وانتقالها بين الأزمة والاخري وشعور الغالبية أن احتمالات نجاحها ضعيفة للغاية, وفرص إخفاقها أكثر من احتمالات احرازها لأي تقدم! ومن الخطأ تصوير خياراتنا علي أنها بين خيار السلام والحرب, فالسلام الشامل العربي الإسرائيلي هو هدف ومصلحة مصرية, وتوجه مصري استراتيجي من الحكمة التمسك به رغم كل الصعوبات, والمتاح أمامنا ليس خيار السلام أو الحرب, وانما خيار بين تواصل الجهود المصرية نحو التفاوض دون توافر المناخ الإقليمي الملائم لذلك أو الرغبة الجادة لدي الأطراف في المنطقة أو غيرها, وبين وقفة مصارحة دبلوماسية سعيا لوضع النقاط فوق الحروف, وتحميل كل طرف مسئولية مواقفه, من أجل إعادة التقويم وخلق المناخ الذي يسمح بالتفاوض الجاد. ومن الطبيعي أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل تؤيدان استمرار مصر في التواصل من أجل تحقيق تقدم علي النهج الحالي, باعتبار أن البديل لذلك من وجهة نظرهم هو مواجهة توترات عربية إسرائيلية, ولا أستبعد أن إستمرار الجهود المصرية دون إحراز تقدم, أي استمرار اللا مفاوضات هو هدف من أهداف الحكومة الاسرائيلية الحالية, ووضع يريح أغلب أعضائها. أما علي المستوي العربي, وبصرف النظر عن مواقف بعض الدول التي قد تحاول من الحين للآخر النيل من مكانة الدور المصري, فيلاحظ أن التواصل المصري في التفاوض دون احراز نجاحات ملموسة طرح تساؤلات لدي الرأي العام عن النفوذ المصري لدي الأطراف, وقوة تأثيرنا علي الأحداث, بقدر ما كان نجاح الجهود المصرية في الماضي يضيف إليها ويزيد من مكانتها, ويجعل الريادة المصرية في الحرب والسلام, محل تقدير أو احترام يدفع بعض الذين يؤمنون بالتواصل بصرف النظر عن النتائج, أن خياراتنا هي بين التفاوض والمواجهة, وهي خلاصة يعيبها أنه لا يوجد أصلا تفاوض, ولا توجد لدينا أو لدي أي طرف عربي النية في الدخول في امواجهةب حقيقية, إذا كان المقصود بذلك هو المواجهة العسكرية. والخيارات الحقيقية المتاحة لنا هي بين مواصلة عملية اللا تفاوض وبين المصارحة الدبلوماسية, والمقصود بذلك مواصلة ما نحن عليه الآن علي المسار الفلسطيني الإسرائيلي, باعتباره أفضل المتاح بصرف النظر عن النتائج. أما البعض الآخر, وأنا منهم, فيعتقدون أن الركود القائم له تداعيات خطيرة علي الموقف العربي عامة, بما في ذلك المصالح المصرية, رغم صدق نوايانا والتزاماتنا القومية, ويرون أن علينا الانتقال من مرحلة تواصل اللا مفاوضات إلي مرحلة المصارحة, بتحرك محسوب ومحكوم وواضح, حتي نحافظ علي ما أنجز حتي الآن, ونصون الدور المصري ومكانته, ودون أن نظل محبوسين ومقيدين في حلقة مفرغة تتسم بالركود والتواصل, وذلك من خلال التحرك وفقا لثلاثة عناصر تكمل بعضها البعض, وهي التأكيد والتثبيت علي رغبة الطرف العربي في الاشتراك في مفاوضات حقيقية لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي, وتأكيد أن ما نشهده الآن علي الساحة الدولية لا يعتبر تفاوضا جادا, يفرض علينا طرح أفكار جديدة لتحريك الموقف, بما في ذلك آليات جديدة, وإبراز أنه بالتوازي مع أي تحرك جديد من الضروري إعادة تأكيد وتسجيل أسس عملية السلام دوليا حفاظا عليها ولصيانتها أمام محاولات تغيرها, وحتي لا نفقدها كلية, إذا ما فشلت جهود السلام الجارية أو المتجددة. ويفضل أن ينطلق التحرك المصري من مبادرة السلام العربية, باعتبارها تحظي بتأييد عربي عام, وقبول لدي المجتمع الدولي عدا الطرف الاسرائيلي, ويقترح في هذا الصدد, الآتي: إعداد رسالة عربية أو مصرية إلي قادة المجموعة الرباعية الدولية, يسجل فيها: استعدادبل تمسك الجانب العربي بالتفاوض المتواصل علي أساس مبادئ مؤتمر مدريد للسلام والمتفق عليها من قبل الجميع, وصولا إلي سلام عربي إسرائيلي شامل بما عكسته مبادرة السلام العربية. ومطالبة المجموعة الرباعية الدولية بتأييد مشروع قرار تتقدم به الدول العربية إلي مجلس الأمن الدولي, يؤكد أسس وأهداف التفاوض العربي الإسرائيلي في هذا السياق, ويشمل. بالنسبة للمسار الفلسطيني: العودة إلي حدود7691, مع إمكانية تبادل أراض بنسبة1:1, بما لا يتعارض مع مبدأ عدم جواز الاستيلاء علي الأرض بالقوة, إقامة عاصمتين لفلسطين وإسرائيل في القدس, وحل قضية اللاجئين وفقا للقانون الدولي باتفاق الطرفين, وضمان الأمن لجميع دول المنطقة. للمسار السوري: تطبيق نفس المبادئ الحاكمة علي المسار السوري, وعلي رأسها عدم جواز الاستيلاء علي الأراضي بالقوة, وضرورة حماية أمن كافة دول المنطقة في السلام, مع استئناف المفاوضات إلي ما وصلت إليه في الماضي. دعوة المجموعة الرباعية الدولية إلي عقد مؤتمر تفاوض تحت رعايتها, للتفاوض علي المسارين الفلسطيني والسوري بالتوازي, مع التزام الأطراف العربية والاسرائيلية بعدم اتخاذ أية اجراءات أحادية خلال التفاوض تتعارض مع خريطة الطريق, بما يعني وقف الاستيطان وعدم الإعلان من جانب واحد عن إقامة الدولة الفلسطينية. ومن الواجب التنويه إلي أن الذهاب إلي مجلس الأمن الدولي لا يعني التفاوض من خلال المجلس, وهو ماسترفضه إسرائيل والولاياتالمتحدة في هذه المرحلة, رغم أن العودة إلي المجلس أمر طبيعي باعتباره الجهاز الأول المسئول عن حماية السلم والأمن الدوليين وصاحب القرار242 الذي حكم عملية السلام منذ بدايتها. وإنما المطروح هو العودة للمجلس لتسجيل وتأكيد وتثبيت أسس وقواعد التفاوض بالأممالمتحدة, وفقا لنصوص متفق عليها مسبقا, حفاظا عليها من التآكل, أما عملية التفاوض, فتتم من خلال المؤتمر التفاوضي المقترح تحت مظلة الرباعية الدولية بما في ذلك الأممالمتحدة, ويكون للولايات المتحدة دور رئيسي فيها وإنما دون أن يكون هذا الدور منفردا, مما يتماشي ومفهوم ادارة الرئيس أوباما المؤيد للمشاركة الدولية, ويزيد من الضغوط الدولية علي الأطراف الإقليمية ويحصن الجميع من الضغوط الداخلية لطرف واحد أو آخر. وإذا كان هناك قبول لمثل هذا الطرح, واستعداد لتبنيه, يمكن تعظيم العائد السياسي والمكانة المصرية, بإطلاق الفكرة بشكل فردي من القاهرة, أو باستضافة الرئيس مبارك لاجتماع جماعي رئاسي للمجموعة الرباعية, دون الأطراف التفاوضية الاقليمية في المرحلة الأولي لوضع أسس الدعوة واطلاقها.