فيما تواصل حكومة حزب العدالة والتنمية سياسة القوة الناعمة والتمدد شرقاً في إطار موازٍ لسعيها نحو الغرب بهدف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقعت مصر وتركيا في حفل أقيم في مقر رئاسة الأركان العامة التركية مذكرة تفاهم للتعاون العسكري بمشاركة وزير الدفاع والإنتاج الحربي المصري المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان التركي الجنرال الكر باشبوغ، جاء الاتفاق متزامناً مع مخاوف أطلقها العدو الصهيوني من دخول تركيا في تحالفات عربية في المنطقة من شأنها تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين الأطراف الإسلامية المتحالفة، محذرين من حالة التقارب التركي مع العديد من الأطراف العربية التي أثمرت اتفاقيات ثنائية خاصة مع دول الخليج وسوريا ومصر والسعودية . وقال طنطاوي عقب حفل التوقيع إن :"مصر تسعى من خلال الاتفاق إلى دعم السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتأمل أن تساهم هذه الخطوة في احتواء مخاطر الصراعات في المنطقة". وأوضح أن :"المذكرة تمثل باكورة تعاون بين مصر وتركيا في المجال العسكري" ، معربا عن الأمل أن تساهم في رفع قدرات الجيشين في كلا البلدين وخاصة في مجال التدريب والتبادل العلمي والتقني. وتأتي هذه الاتفاقية عقب رفض أنقرة مشاركة كيان العدو الصهيوني في مناورة كان مقررًا لها أن تجرى في سماء تركيا، وهو الأمر الذي أثار غضب "تل أبيب"، فيما نقلت وسائل إعلام صهيونية مخاوف مسئولين من أسلمة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان للجيش التركي العلماني. ومن جانبه ، قال الجنرال باشبوج إن:" التعاون العسكري بين تركيا ومصر سيعزز عملية التطور التي تشهدها العلاقات المصرية التركية ، مضيفا أن المذكرة الموقعة ستعود على السلام في الإقليم بالفائدة العظيمة". وأضاف أن :"المذكرة جاءت لتلبي متطلبات الجيشين في كلا البلدين خصوصا مع الظروف التي تفرضها التطورات العالمية على دول الإقليم ما يستدعي معه التعاون بمواجهة التهديدات التي تحيق بالسلام والأمن في المنطقة". جدير بالذكر أنه سبق لتركيا أن وقعت مذكرات تفاهم عسكرية مع عدد من الدول العربية من بينها الكويت والعراق وسوريا كما ترتبط باتفاقات عسكرية مع الأمارات والأردن وتسعى أيضا لتوسيع نطاق تعاونها العسكري مع دول عربية أخرى. تحت المجهر الصهيوني من جانبها ركزت العديد من وسائل الإعلام الصهيونية بالمناورة العسكرية البحرية المشتركة بين كل من مصر وتركيا. وقال المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرانوت أن :"المناورة العسكرية بين مصر وتركيا تأتى فى إطار الجهود المبذولة لرفع مستوى التعاون العسكري بين البلدين". وأضافت الصحيفة أنه جاء فى بيان صادر عن مقر القيادة العسكرية التركية أن :"المناورات ستبدأ يوم الأربعاء فى المياه الإقليمية التركية وتنتهي يوم 21 نوفمبر الجاري". وفى نفس السياق ركزت إذاعة العدو الصهيوني العامة فى مستهل نشرتها الإخبارية صباح اليوم بالخبر نفسه، معتبرة أن :"تلك المناورة تأتى فى أعقاب إلغاء تركيا للمناورة العسكرية الجوية المشتركة مع الجيش الإسرائيلي الشهر الماضى". الحاضر الغائب في الشرق الأوسط الخبير الاستراتيجي اللواء أحمد فخر رئيس المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية قال أمام مؤتمر "تطور الدور الإقليمي لتركيا وأثره في الأمن والاستقرار في المنطقة"، إن تركيا ظلت طويلا ذات تطلعات نحو مستقبل أوروبي، إلا أنه بحكم التواجد الاستراتيجي والسياسي والاجتماعي والديني لتركيا، بأنها كانت تعتبر الحاضر الغائب في الشأن الشرق أوسطي، فقد لعبت تركيا دورا محوريا في المنطقة أخذ في النمو والتصاعد، مستندة في ذلك إلى تقبل دول المنطقة للتعاون معها بسبب الموقع والذاكرة التاريخية المشتركة، وباعتبارها قوة جذب جديدة قد تقدم بديلا لأدوار قديمة، ما يعطيها مكانة جديدة، ودورا مهما في لعبة التوازنات والتناقضات الإقليمية، ويجعلها شريكا فاعلا في رسم بعض السياسات . وأضاف اللواء فخر أن ما يعزز الدور التركي في المنطقة هو حرصها على الحفاظ على وحدة الأرض العراقية وتقاربها من إيران عبر علاقات اقتصادية وسياسية، فضلاً عن قيامها بوساطة بين سوريا و”إسرائيل”، ودعا اللواء فخر إلى ضرورة اعتبار تنامي الدور الإقليمي لتركيا مكملا لتزايد الأمن الإقليمي . حزب العدالة نقطة تحول ومن جانبه، قال اللواء الدكتور عادل سليمان مدير المركز إن وصول حكومة حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002 شكل نقطة تحول مفصلية في السياسة التركية، لافتا إلى أن رفض البرلمان التركي نشر القوات الأمريكية في تركيا إبان غزو العراق عام 2003 كان بداية إرهاصات هذا التحول، وأضاف أن السنوات الأخيرة شهدت تفعيلا ملحوظا للدور التركي في المنطقة، ومحاولة للتأثير والوساطة في عدد من القضايا الرئيسية فيها، كان من أبرزها محاولات الوساطة بين سوريا وكيان الاحتلال الصهيوني، وما أبدته أنقرة من استعداد للمساهمة في تسوية قضية الملف النووي الإيراني والوساطة بين تل أبيب وكل من بيروت والفلسطينيين، فيما اعتبر الدكتور سليمان مشاركة وزير الخارجية التركي علي باباجان في اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، خطوة نحو الحوار الاستراتيجي ودعم التفاهمات والشراكة بين الطرفين، وكذلك استضافت اسطنبول لأول قمة تركية إفريقية حضرها 53 من رؤساء الدول والحكومات والوزراء بهدف تعزيز الشراكة التركية - الإفريقية في مختلف المجالات، لافتا إلى أن تلك القمة الإفريقية - التركية استهدفت حشد الدعم الإفريقي لحصول تركيا على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي لعام 2009-2010 . مراقبة الدور التركي فيما دعا المحلل السياسي والخبير بمركز دراسات الأهرام الدكتور حسن أبو طالب مصر والدول العربية إلى مراقبة الدور التركي في المنطقة بهدف بناء تحالفات جديدة من شأنها المساهمة في تأسيس نظام أمني إقليمي يقوم وفق إستراتيجية المنفعة المتبادلة . مشدداً على أهمية أن تلعب مصر والسعودية وتركيا دورا في هذا النظام متوقعا تحالفا قريبا بينها . وقالت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتورة باكينام الشرقاوي إنه من خلال رصد حالة الحراك الدولي لتركيا خلال الشهر الفائت فقط سيتكشف حجم القوى الناعمة التي تتبناها تركيا في إطار استراتيجياتها في السياسة الخارجية، مشيرة إلى توفيق صراعها مع أرمينيا وقيام مسئولين أتراك بزيارة شمال وجنوب العراق وتنسيق رفيع المستوى مع إيران في شأن الطاقة وتنشيط علاقاتها مع سوريا، بالإضافة إلى شروعها في تأسيس المجلس الأعلى للتنسيق الاستراتيجي مع اليونان مثلما الحال مع سوريا والعراق . تحركات تقلب التوازنات وقال مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية في القاهرة الدكتور مصطفى اللباد إن الدور التركي في الإقليم يحمل سمات وقسمات خاصة، ويشارك في الحراك الجاري في المنطقة بفعالية لأسباب متنوعة، ولكن على خلفية المصالح الوطنية التركية، مشيرا إلى أن عودة الدور التركي قلب التوازنات وعمليات الحراك الإقليمي، فأصبحت تسيطر اقتصاديا على منطقة الحكم الذاتي الكردي في العراق عبر امتلاك قسط كبير من السوق المحلية واستثمارات مباشرة في مشروعات البنية التحتية، وامتدت علاقاتها بسائر مناطق العراق . واستطرد اللباد أن دور تركيا الإقليمي يتأكد عند علاقاتها بسوريا وأن هذا الدور برز في وساطة تركيا بين دمشق وتل أبيب، وكذلك بين دمشق وبغداد، وامتد هذا الدور إلى الملف الفلسطيني بالتنسيق مع مصر، وهو ما يعد إنجازا في نسج شبكة من العلاقات والنفوذ في كامل المشرق العربي، فضلا عن اتفاقات التفاهم الاقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي . وأرجع اللباد الدوافع التي حددت الدور الإقليمي لتركيا إلى الفراغ الكبير في المنطقة نتيجة انهيار النظام الإقليمي العربي خاصة بعد احتلال العراق عام ،2003 وأن تركيا ترسم سياستها الإقليمية بغطاء وتأييد من الولاياتالمتحدةالأمريكية باعتبارها ثقلا موازيا للدور الإقليمي الإيراني الذي لا ترضى عنه أمريكا، بالإضافة إلى أن تمدد الدور الإقليمي لتركيا يأتي بتكلفة سياسية أقل بكثير من العائد السياسي الذي تجنيه، فضلا عن إدراك قادة تركيا لأهمية الشرق الأوسط كمجال جغرافي وحيد في جوارها والذي يمكنها فيه لعب دور إقليمي من دون الاصطدام بقوى عالمية، بالإضافة إلى الصورة الإيجابية لتركيا عند شرائح عربية واسعة وإعجابها بالنموذج التركي . إحياء نفوذها المفقود وقال خبير الشؤون التركية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور إبراهيم البيومي غانم إنه بعد عقود على حالة الانكفاء داخل “هضبة الأناضول” والتصرف كدولة طرفية، أو هامشية في منظومة المعسكر الغربي، عاد الأتراك مع مطلع القرن الحادي والعشرين يطرقون أبواب السياسة العالمية بقوة، ويغذون السير للخروج من الوضع المتدني الذي فرضته عليهم التبعية لحلف الأطلسي، بعد أن وجدوا أنهم تحملوا أعباء كثيرة في سبيل حفظ الأمن الأوروبي والغربي عامة، في الوقت الذي حرمتهم فيه أوروبا من اقتسام ثمار التقدم الاقتصادي والاستقرار السياسي والتطور الديمقراطي، وأضاف غانم أن تركيا عادت تتلمس طريقها وذلك عبر إحياء نفوذها المفقود في المشرق الإسلامي .