انتخابات النواب: 39 مرشحًا بجنوب القاهرة لانتخابات النواب 2025 بينهم 24 مستقلًا    عقد الاجتماع الأول لدعم التحول الرقمى لتحسين بيئة الاستثمار الخاص بتقرير جاهزية الأعمال    وزير الاتصالات يشهد تخريج 5 آلاف متدرب في مجال الأمن السيبراني    وزير قطاع الأعمال العام يستقبل محافظ القليوبية لبحث تعزيز التعاون    النائب أحمد عبدالجواد: إعلان الرئيس السيسى وقف الحرب فى غزة لحظة تاريخية    إطلاق قافلة زاد العزةال 47 من مصر إلى غزة بحمولة 3450 طن مساعدات    67 ألف شهيد و170 ألف جريح.. حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلى على غزة    زيلينسكى يتهم روسيا بمحاولة زرع الفوضى فى أوكرانيا بقصف منشآت الطاقة    تحاليل جديدة تحدد موقف إمام عاشور من الانتظام في تدريبات الأهلي    منتخب مصر بصورة داخل الطائرة: أنجزنا المهمة.. وفى الطريق راجعين    غلق كلى بشارع 26 يوليو لمدة 3 أيام بسبب أعمال المونوريل    كوارث يومية فى زمن الانقلاب…حريق محل مراتب بالموسكي ومصرع أمين شرطة فى حادث بسوهاج    سيرة المجرى لازلو كراسناهوركاى صاحب جائزة نوبل فى الأدب عام 2025    أشرف زكي لليوم السابع: وقف الحرب انتصار للإرادة المصرية وحفظ حقوق فلسطين    صحة المنوفية: استمرار الجاهزية القصوى وتطبيق معايير الجودة وسلامة المرضى    9 نصائح فعّالة لتقليل استهلاك البنزين والسولار والحفاظ على كفاءة سيارتك    6 ميداليات لمصر في صباح اليوم الأول لبطولة العالم للسباحة بالزعانف    محافظ البحيرة تشهد ورشة نقل وتبادل الخبرات بالإدارة المحلية    حقيقة تغيير امتحان اللغة العربية لصفوف النقل| مصدر بالتعليم يكشف    يقتل شقيقه الأكبر بسبب الميراث بالشرقية    ننفرد بنشر بنود اتفاق إنهاء خصومة راح ضحيتها 11 قتيلا في أبو حزام| خاص    إصابة مواطنين في انهيار جزء من منزل بالفيوم    حبس المتهمين بقتل التيك توكر يوسف شلش فى المطرية 4 أيام    جامعة جنوب الوادي تقيم حفل تأبين للدكتور أحمد عمر هاشم    ارتفاع غير متوقع في أسعار الفراخ اليوم 9 أكتوبر    محافظ أسيوط يشهد احتفالية قصور الثقافة بالذكرى ال 52 لانتصارات اكتوبر المجيدة    بالحبر الطائر: صوت المرأة المتلاشى تحت وطأة القهر والخيبات    تفاصيل حفل أنغام المقبل في قطر أكتوبر الجاري    هبة رشوان توفيق: والدي متألم من شائعات وفاته وجالى اكتئاب    الحكومة تعلن أسعار الحديد والأسمنت اليوم.. زيادة جديدة في مواد البناء    الصحة العالمية: مستعدون لتلبية احتياجات المرضى في غزة    تيودور بلهارس يعزز التعاون الدولى مع منظمة الصحة العالمية لمكافحة البلهارسيا    لليوم الثاني، محكمة شمال بنها تتلقى أوراق المرشحين المحتملين لانتخابات النواب    برشلونة يعلن رسميا إقامة مواجهة فياريال في أمريكا    لبنان.. انطلاق رابع مراحل خطة الحكومة لعودة اللاجئين السوريين    التقييمات الأسبوعية للطلاب فى صفوف النقل عبر هذا الرابط    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 9 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    قاتلة ابن شقيق زوجها تدلي باعترافات أمام جهات التحقيق بقنا    موعد حسم اعتراضات رئيس الجمهورية على مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية    منسوب بحيرة ناصر مرتفع، خبراء بحوض النيل: السد العالي يستقبل مياه الفيضان من "مروى"    هل يجب التوقف عن بعض وسائل منع الحمل بعد سن الأربعين؟ استشاري يجيب    طريقة عمل بطاطس بيوريه بالجبن والثوم، أكلة سريعة التحضير ومغذية    6 لقاءات قوية في افتتاح الجولة الثامنة من دوري المحترفين    محافظ أسيوط يكرم أبطال السباحة بعد فوزهم بالمركز الأول في بطولة الصعيد لمراكز الشباب    فيفا: منتخب مصر يمتلك مقومات تكرار إنجاز المغرب فى كأس العالم 2026    أسعار الدواجن والبيض بأسواق القليوبية اليوم الخميس 9-10-2025    اتحاد الكرة: نشكر الرئيس السيسي على دعمه للرياضة.. ونتمنى أن يكرر حسام حسن إنجاز الجوهري    هل يجوز منع النفقة عن الزوجة لتقصيرها في الصلاة والحجاب؟.. دار الإفتاء تجيب    شاهيناز: «مبحبش أظهر حياتي الخاصة على السوشيال.. والفنان مش إنسان عادي»    عاجل - بالصور.. شاهد الوفود الدولية في شرم الشيخ لمفاوضات غزة وسط تفاؤل بخطوة أولى للسلام    عاجل- ترامب: قد أزور مصر يوم الأحد.. ومفاوضات اتفاق غزة "بالغة القرب"    سما المصري توجه رسالة ل المستشار مرتضى منصور: «ربنا يقومه بالسلامة بحق صلحه معايا»    «مقنعة جدًا».. وليد صلاح الدين يكشف ردود سوروب على أسئلة «الأهلي»    من أدعية الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج    30 دقيقة تأخرًا في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 9 أكتوبر 2025    وزير الداخلية: مصر تمضي بثبات وسط عالم يموج بالصراعات والأزمات    سوء تفاهم قد يعكر الأجواء.. برج العقرب اليوم 9 أكتوبر    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا في مفترق طرق
نشر في نهضة مصر يوم 14 - 03 - 2010

تقف تركيا هذه الأيام علي أعتاب تغيير جذري فيما يخص نظامها السياسي وما درج الجيش علي الاضطلاع به من دور محوري في العملية السياسية طيلة العقود الثمانية الماضية . حيث يمكن القول إن تركيا تودع ذلك الدور السياسي النشط للجيش مفسحة المجال أمام دولة ديمقراطية مدنية بكل ما تنطوي عليه تلك الأوصاف من معان ودلالات.
وتعتبر شخصية رئيس هيئة الأركان العامة بالجيش التركي عاملا مهما في تحديد علاقة الجيش بالحكومة في تركيا كما تعد مواقفه من توجهات الحكومة نحو إدخال إصلاحات أو تغييرات في النظام السياسي عنصر حسم في الحكم علي مصيرها، فهو يأتمر مباشرة بأمر رئيس الوزراء، ولو شكليا، وليس وزير الدفاع وهو القائد الأعلي للقوات التركية في وقت السلم نيابة عن رئيس الجمهورية .
فعلي سبيل المثال، كان الجنرال حلمي أوزكوك الذي تولي رئاسة الأركان في الفترة من 28 أغسطس 2002 إلي 30 أغسطس 2006 ، من الحمائم إذ قبل بالرضوخ لمعايير كوبنهاجن المؤهلة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي كما قبل بتقليص دور مجلس الأمن القومي،وأبدي تفهما لمساعي حكومة العدالة والتنمية الإصلاحية علي كافة الأصعدة.وبدوره، نجح بولنت أجاويد في الاستفادة من هذا الوضع وتلمس الخطي علي هذا الدرب العسير، فكان أن نجحت في تمرير بعض الإصلاحات السياسية بفضل مرونة قائد الجيش وقتها حلمي أوزكوك الذي كان أكثر ميلا للحرص علي تلافي أي توتر أو مواجهة مع الحكومة حفاظا علي المصالح الوطنية لتركيا وصيانة لاستقرارها ووحدتها.
ومنذ أغسطس عام 2008، أمسي الفريق إلكرباشبوغ الرئيس ال26 لهيئة الأركان التركية، وهومن الصقور المتمسكين بحماية قيم الجمهورية المبنية علي العلمانية. ويعرف عنه تشدده في مسائل الحجاب منذ البداية، وتحديدا منذ كان قائدا للجيش الأول في إسطنبول، إذ لم يتردد في اتهام بعض المؤسسات الإعلامية وتحميلها مسئولية الحرب النفسية المنظمة والمدروسة ضد المؤسسة العسكرية لإضعافها، مذكرا أن الجيش التركي يستمد قوته ليس من نوعية السلاح الذي يستخدمه، بل من ثقة المواطنين ومحبتهم ووقوفهم إلي جانبه عبر السنين. وقد إستهل عمله الجديد بالرد علي مساعي حكومة العدالة والتنمية لاعتقال المشتبه بتورطهم في قضية "أجينكون" من العسكر ،بالتحذير من توجه البلاد نحو الاسلمة ومزيد من التدين .وطالما إنتقد سياسة حكومة العدالة والتنمية في إفساح المجال أمام طلبة المدارس الدينية للالتحاق بكليات ومعاهد أخري طارحا وقتها قلقه حيال ما يجري من حملات تهدد شكل النظام وأسسه.كذلك، لم يتردد في إرسال أحد الضباط لزيارة المعتقلين بتهمة أرجينكون في سجن "قندرة" احتراما للصداقة والخدمات التي قدموها للبلاد علي الرغم من الكثير من الانتقادات التي طاردته من كل صوب.
وفي شهر أبريل من العام الماضي، كان باشبوغ قد ألقي خطاباً لافتاً في المدرسة الحربية للقوات البرية، حين كان يحتل منصب قائد القوات البرية في هيئة الأركان، حدد فيه منظوراته الفكرية التي كررها في خطابه الجديد. وتتحدد تلك المنظورات بنزعة قومية منغلقة علي ذاتها، رافضة لاندماج تركيا في العالم اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، بما في ذلك موقف غير ودي من عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، لاسيما وأن معايير الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي تقتضي التقليص التدريجي لدور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية وصولاً إلي إلغائه التام، بحيث تصبح هيئة الأركان تحت إمرة الحكومة المنتخبة.
وفي يناير 2009، جدد الجنرال إلكر باشبوغ وللمرة الثانية من نوعها خلال فترة انفتاح الحكومة التركية علي المكون الكردي في البلاد، تصريحاته الرافضة لأيما حل سلمي ديمقراطي علي أسس متينة ، معرباً عن لاءات المؤسسة العسكرية حيال التطورات في الملف الكردي. وقد أوضح الجنرال باشبوغ في تصريحه الصحفي الخطوط الحمر في البلاد التي لا يمكن المساس بها، مركزاً علي المادة الثالثة من الدستور التركي النافذ منذ 1982 .ويفهم من تركيز رأس المؤسسة العسكرية التركية علي المادة الثالثة من الدستور، توجيهه رسالة تحذيرية إلي الحكومة التركية، للحيلولة دون تجاوزها الخطوط الحمر الواردة في المادة إياها، والتي تنص علي أن : " الدولة التركية، وطناً وشعباً كلٌّ لا يتجزأ، ولغتها الرسمية التركية "، وهذا يعني رفض المؤسسة العسكرية لأي مساس بشكل الدولة شديدة المركزية بمقتضي مواد أخري من دستور 1980 ، في رد غير مباشر علي أحاديث ومطالب كردية بحكم ذاتي في مناطقهم، وقبول اللغة الكردية كلغة رسمية أخري في البلاد.
وشدد الجنرال باشبوغ في تصريحه علي أهمية الدور الذي لعبه الجيش في مواجهة حزب العمال الكردستاني، مذكراً الرأي العام التركي والحكومة بفقدان أكثر من خمسة آلاف جندي تركي لحياتهم في المواجهات العسكرية الدائرة منذ 15 أغسطس 1980 ، مؤكداً أن الجيش سيستمر في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، مبدياً موافقته علي مقاربة الحكومة للقضية الكردية المزمنة في البلاد انطلاقاً من تدابير اقتصادية واجتماعية وثقافية فقط. وفي حديثه أمام المجلس التركي الأمريكي، واعتبر باشبوغ أن الحل الوحيد للمشكلة الكردية هي أن "يلقي أفراد الحزب الإرهابي، في إشارة لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الدولة منذ الثمانينيات مطالبا بانفصال جنوب شرق تركيا، السلاح تماما، وإلا فمطاردتهم بالقتل ستكون هي اللغة الوحيدة في التعامل معهم.
غير أن الأشهر القليلة الماضية قد شهدت تحولا ملفتا في مواقف الفريق باشبوغ ،الذي بدأ يعي أن عجلة الإصلاح قد دات في تركيا وأن مساعي حكومة العدالة لتقليص الدور السياسي للجيش تلقي دعما قويا من الخارج، ومن ثم فهو يدرك استحالة وقفها ،وبالتالي سعي إلي الاحتفاظ بمكانة أو وضع مميز للجيش في ظلها بدلا من الإطاحة بتلك المكانة كلية. وفي هذا السياق، بدأ باشبوغ يبدي شيئا من المرونة في مواقفه ويطلق تصريحات مغايرة لتلك التي سبق له أن أطلقها حيال قضايا عديدة كالأكراد ،والموقف من الدين والعلمانية وعلاقة الجيش بالسياسة .
وفي هذا الإطار، وصفت أقلام صحفية تركية الخطاب السنوي لرئيس أركان الجيش التركي، الذي ألقاه في ابريل 2009، بأنه محاولة من الجيش للتأقلم مع التغيرات الحاصلة في تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلامية، خاصة حين أكد باشبوغ علي "تقدير" الجيش للدين "الذي لا يمكن لتركيا العيش بدونه"، و"احترام" الديمقراطية والسلطة المدنية. وبرأي هذه الأقلام في عدد من الصحف فإن محاولة "التأقلم" تلك لا تعني "تسليم" الجيش بهذه التغيرات أكثر من أنها محاولة للحفاظ علي مكانة الجيش في ظل التغيرات التي تبدو أنها تسير في اتجاه سحب البساط من تحت أقدامه، وإعادته إلي حظيرته العسكرية كما "يليق" بجيش دولة تنشد الديمقراطية.
وإضافة إلي العلاقة بين الجيش والدين، تطرق الجنرال لملفات أخري، أبرزها علاقة الجيش بالمدنيين؛ حيث أكد احترامه وتعاونه مع السلطة المدنية ل"تحقيق العدالة والديمقراطية".ومن العبارات التي رددها، أن "الجيش خرج من أوساط الشعب.. وأكبر داعم له هو الشعب"، "الجيش خادم للسلطة المدنية، وإن كان هذا لا يعني أنه في وضع يملي عليه أن يفعل كل ما ستطلبه منه هذه السلطة"، "الجيش يعمل بالتنسيق مع السلطة المدنية، ولا يستطيع حل كل المشاكل بمفرده. وفي ذات السياق وتحديدا في يناير 2010،أعلن الفريق أول باشبوغ أن الانقلابات العسكرية في تركيا صارت جزءا من الماضي.
وفيما يخص ملف الأقليات، استخدم رئيس الأركان للمرة الأولي بتاريخ العسكرية التركية الحديثة، مصطلح "شعب تركيا" بدلا من "الشعب التركي".وتعني الأولي قبول المؤسسة العسكرية لكافة الأقليات التي يتكون منها المواطنون الحاملين للجنسية التركية، سواء كانوا من أعراق تركية أو كردية أو عربية أو أرمينية، وغيرها، فيما تعني الثاني المواطنين ذوي العرق التركي فقط.وأعلن باشبوغ إستعداد الجيش للحوار مع حزب العمال الكردستاني إذا ما ألقي سلاحه وتوقف عن نشاطه العسكري.
وإستنادا إلي ما سبق،يبقي احتمال تفاقم وتصعيد الأزمة الحالية بين الجيش والحكومة ضعيفا في ضوء حزمة تعتبارات أهمها:حرص الحكومة وقيادة الجيش علي التواصل والتفاهم والتنسيق بين بعضهم البعض في كل خطوة برغم التصعيد الظاهري بينهما ،وقد انعكس هذا التنسيق والتواصل في عدة ملامح : فالإعتقالات التي شنتها الحكومة ضد عناصر من الجيش علي خلفية قضية أرجينكون بدأ من العام 2008 قد تمت بالتنسيق بين حكومة العدالة والجيش ،حيث أصدرت قيادة الأركان التركية بيانا أكدت فيه أن الاعتقالات التي نالت جنرالات متقاعدين وحاليين جاءت بحسب الأصول القانونية، وبحضور مسئولين عسكريين وعن طريق الشرطة العسكرية، ما يعني وجود تفاهم بين قيادة الجيش والحكومة حول تصفية المتهمين بالتخطيط للانقلاب.كذلك،أعلن وزير الداخلية أن إلغاء بروتوكول أماصيا جاء بتنسيق بين الحكومة والجيش.ولقد إستمرت الاتصالات واللقاءات المباشرة بين رئيس الحكومة أردوغان وعبد الله جل من جانب ورئيس الأركان الفريق باشبوغ من جانب آخر،ما يشي بأن العلاقات بين الجانبين غير مرشحة للتدهور إلي حد الصدام والمواجهة علي غرار ما كان يجري في الماضي،وإنما هي مقدمة علي مرحلة جديدة يبقي خلالها الجيش محتفظا بمكانته الرمزية مع التوقف عد التدخل في السياسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.