كان لانتخاب باراك أوباما صدى واسع فى الشارع العربى، وتحديدا كان الشارع المصرى الأكثر انشغالا بالحدث، لاعتبارات كثيرة ربما كان أبرزها التغيير الحاصل فى شكل الإدارة الأمريكية من إدارة متعنتة إلى ديمقراطية منفتحة، وفى الوقت الذى انشغل العالم فيه بنتائج الانتخابات، شهد مجلس النواب الأمريكى مشاورات مكثفة عقدتها اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وجنوب آسيا، إحدى لجان الشئون الخارجية بالكونجرس الأمريكى، ففى جلسة استماع تحت عنوان "علاقة الولاياتالمتحدة، إسرائيل، مصر: تعزيز إرساء السلام الإقليمى". شارك فيها السفير الأمريكى السابق بالقاهرة دانيل كورتزر، ودافيد ماكوفيسكى رئيس برنامج عمليات السلام فى الشرق الأوسط فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تم خلالها بحث سبل لتعزيز الروابط بين مصر وإسرائيل، وتفعيل معاهدة السلام ذات الرعاية الأمريكية، مع تقييم أمنى وجيوسياسى واقتصادى وجغرافى، لدور طرفى المعاهدة منذ توقيعها بما يضمن عمرا أطول لهذا السلام الذى استطاع بنجاح، من وجهة النظر الأمريكية، حماية استقرار المنطقة، وكذلك حماية مصالح الولاياتالمتحدة التى ازدادت تعقيداً وتهديداً بعد حرب العراق. السيناتور الديمقراطى جيرى أكرمان رئيس اللجنة الفرعية، زعم أن اتفاقية كامب ديفيد التى تم توقيعها فى سبتمبر 1978، بين إسرائيل ومصر برعاية أمريكية، هى صمام أمان للاستقرار، وتحقيق التنمية الاقتصادية للطرفين المباشرين، ونقطة تحول إيجابية للمنطقة ككل، وعدد إيجابيات هذا الإنجاز الأمريكى فى منع نشوب حرب بين الدول بعد حرب 1973. ويؤكد السيناتور أكرمان، أن مصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل ومصر تحتاج إلى ضمان استمرار واستقرار اتفاقية كامب ديفيد، فهذه العلاقة هى مفتاح استقرار وسلام المنطقة كلها، وأن مسئولية الولاياتالمتحدة هى ضمان هذا السلام المصرى الإسرائيلى. لذلك فإن توجيه الولاياتالمتحدة انتقادات لأوضاع الحقوق السياسية والمدنية فى مصر، يأتى من منطلق أن استقرار الأوضاع فى مصر هو ما يؤدى إلى استقرار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وبالتالى استقرار مصالح الولاياتالمتحدة فى المنطقة بمساعدة مصرية، بالنسبة لمصالحها المباشرة، مثل أمن إسرائيل وعدم صعود إسلاميين إلى الحكم لمنع مساندة حماس وإيران، وضمان حركة الملاحة التجارية والعسكرية فى قناة السويس، وتفادى احتمالات نشوب سباق تسلح فى المنطقة. ومن ناحية تقييم ما تم إنجازه، يرى كورتزر أن هناك ثقة على المستوى العسكرى ما بين الجانبين المصرى والإسرائيلى، وبالرغم من وجود بعض المشاحنات بين الجانبين لترسيم الحدود السياسية، إلا أن المعاهدة ذاتها لم تكن محل تراجع أحد الطرفين طيلة هذه الفترة، مما جعل حماية الحدود على طول سيناء، لا تحتاج لتواجد عدد كبير من القوات متعددة الجنسيات والمراقبين، وهو ما ضمن حدا أدنى لتطبيق واستقرار الاتفاقية على المدى غير القصير. ومن منظور أكثر شمولاً للوقوف على التهديدات التى تُواجه معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، نجد التفسير الذى يرى فى تداعيات السياسة غير المسئولة للإدارة الحالية تجاه العراق، السبب وراء تهديد استقرار السلام القائم، وذلك من خلال تهديد الاستقرار فى الخليج، وكذلك تدفق اللاجئين العراقيين للأردن، مما يسبب خطرا للأمن الإسرائيلى. ومن جهة أخرى تعرض الأمن المصرى للخطر نتيجة تصاعد النفوذ الإيرانى بسبب إخفاق الولاياتالمتحدة فى العراق، وكذلك تعرض الأمن الاقتصادى المصرى للتهديد الناتج عن الظروف الاقتصادية العالمية، والذى تمثل فى عدم قدرة الطبقات الاقتصادية الدنيا على تلبية حاجاتهم، وارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، وهو ما قد ينتج عنه اضطرابات اجتماعية داخلية، وعليه خلق حالة من عدم الاستقرار السياسى، بحيث يُصبح تنامى هذه المخاطر التى يواجهها طرفى المعاهدة، مصدر قلق لحالة السلام التى استمرت 30 عاماً، وهو ما يصب فى خانة ضرب المصالح الأمريكية فى المنطقة، مما يقلل من فرص إرساء السلام مستقبلاً، ويزيد الوضع تعقيداً من خلال إثارة بؤرة توتر خامدة. ويرى السفير دانيل كورتزر أن جميع الإدارات الأمريكية منذ أوائل السبعينيات، وهى تعمل على تخطى العقبات التى تقف أمام إحلال السلام فى الشرق الأوسط، وبالرغم من أن بعض الإدارات قد نجحت بشكل كبير، فهناك إدارات أخفقت فى إتمام هذه المهمة، إلا أن عودة الدبلوماسية الأمريكية الغائبة لمسرح الأحداث فى الشرق الأوسط، ووجود القيادة السياسية الفاعلة بشكل أكبر مما كان عليه خلال العشر سنوات الفائتة، سيكون أحد أهم السبل الناجحة لتخطى العقبات الحالية أمام إحلال سلام متكامل. ففى السنوات الأخيرة اعتمدت السياسة الخارجية الأمريكية على الخطاب شديد اللهجة، وسياسة العقوبات واستخدام القوة العسكرية وتهميش دور الدبلوماسية الأمريكية، والتى استطاعت قبل ذلك تحقيق الاستقرار والسلام فى المنطقة، وتمكين الولاياتالمتحدة من لعب دور حيوى يكشف عن حدود الممكن والمصلحة. وعلى مستوى عملية السلام فى الشرق الأوسط، فإن غياب الدبلوماسية الأمريكية فى عهد الإدارة الراحلة (إدارة بوش)، لم ينجز سوى زيادة الضغوط وارتفاع معدلات عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى والأمنى لدى الفلسطينيين والإسرائيليين، فبالرغم من انعقاد قمة أنابويس قرب نهاية ولاية الإدارة الحالية، والمحاولات الدبلوماسية المتمثلة فى جولات الرئيس بوش ووزيرة الخارجية الأمريكية للمنطقة، والتى لم تسفر عن نتائج واقعية لا على مستوى المفاوضات ولا على مستوى الممارسات، إلا أن جوهر منطق أنابوليس لإحياء السلام ما زال أمامه فرصة، وبالتالى فإن الحفاظ على العلاقة الثلاثية الأمريكية - المصرية – الإسرائيلية، والتى تُعتبر حجر زاوية لما تم إنجازه أمريكياً فى الشرق الأوسط، وما يمكن للولايات المتحدة أن تنجزه فى المستقبل، لابد وأن تضعه الإدارة الأمريكية كأولوية فى أجندتها.