منذ مطلع الألفية الثالثة عكفت علي دراسة نفسي!! وأودعت كل طموحاتي في تغيير العالم والوطن في خزينة قلبي.. وحولت خبراتي العلمية والدراسية والعملية إلي سندات خزانة في بنك العمر.. عانيت من وجع الانزواء بعيدا عن الأضواء، وتحملت آلام مخاض الزهد وشعرت بأن جسدي أخف من الريشة بعدما بدأت في نقص وزني النسبي ومكانتي. لم أشعر بذاتي ككاتب محترف سابقا أقصد آلام الكاتب ومعاناته إلا حينما تأملت مقولة الراحل الكبير كامل زهيري فوجدت نفسي قد تحولت إلي «كاتب هاوٍ - وقارئ محترف» وهكذا أصبحت مسكونا بشغف القارئ.. وعرفت لماذا كان مفتتح القرآن الكريم «اقرأ باسم ربك الذي خلق».. وهنا أدركت أن القراءة رؤية وحياة ومسيرة وخبرة خلق مشتركة بين الكاتب والكلمة والقارئ وقادني التأمل إلي المقولة الإنجيلية والكلمة صارت بشرا وحل بيننا» أي أن الكلمة يمكن أن تتجسد وتصير بشرا وتنتقل من معناها الألوهي إلي معناها الإنساني ما بين الكاتب والقارئ وتصبح الكتابة بمعناها الضميري الإنساني مساهمة مع الله في الخلق وتتجسد في جدل العلاقة بين الكاتب والقارئ والتغيير الذي يعني الحركة والتقدم وربما التراجع. وهكذا تصير الكلمة أساس الحياة كمسيرة إنسانية.. الكلمة التي أعنيها لا تتكون من حروف مكتوبة أو منطوقة ولكنها كائن حي من لحم ودم هي موقف ورحم أم وقدرة رجل علي الإخصاب.. هي سيف أو بلسم.. ولذلك نجد فيلسوف المسيحية بولس الرسول يقول: الحرف يقتل أما الروح فتحيي». كل ذلك تراكم في إناء وجداني حتي فاض عشقا في دموع البحث عن الحقيقة.. حقيقة الكلمة والكاتب.. وهل الكلمات هي عقد من الفل نهديه لأحبائنا القراء بستنشقون عطره ويلقونه في القمامة؟ وتري هل ثمن الكلمات يقاس بالمردود المالي للكاتب، أو بمقدار شهرته ومساحة مشاهديه؟ أم بقدرة هذه الكلمات علي أن تحبل وتولد نوراً يدفع بعجلة التغيير الإنسانس والوطني، أم أن الكلمة الضميرية التي تتجسد في أشكال مختلفة التعبير.. بحيث تتحول في قلب الوطن والإنسان إلي خبرة أقرب لتكوين الحجر الكريم الذي كلما انعكس عليه الضوء اعطي لنا لونا يختلف عن الآخر؟ ما بين الألوان المختلفة للباحث والكاتب والمفكر والصحفي يتجسد الإنسان الضميري.. وسوف يتوقف أمام كل لون علي حدة من ألوان الطيف للحجر الكريم في حيرة نبيلة ولذلك يجب عدم الفصل بين الإنسان والمنتج الإنساني وبالطبع في عالم مليء بالتناقضات ووطن تجري له جراحات حادة تتم دون «بنج» أو «مخدر» يصعب أن نطلب من المواطن القارئ ألا يتوجع ويطالب كاتبه المفضل أو صحيفته المفضلة أن يكتب وفق هواه ورغباته في التغيير ولكن ماذا لو كنت تريد أن تكتب للحاضر الآتي بعيدا عن ضوضاء ولغو مفكري «التوك شو»، أو أردت أن تساهم مع الله في الخلق أو علي الأقل أن يلهمك ببعض الكلمات التي قد تساهم في وقف التدهور الإنساني والقيمي في الوطن؟ بالتأكيد إذا أردت أن تكون هذا الرجل الكلمة فسوف تسير علي درب الآلام حاملا قلمك كصليب المسيح فقيرا.. حافيا.. منسيا.. وربما منبوذا ولن تجد التكريم إلا بعد رحيلك مظلوما لا تستطيع أن تدافع عن نفسك حتي أمام أقرب الناس إليك تقدم نفسك كل يوم لنفسك ولكلماتك ولدموع الوجد التي تتحول إلي مداد لقلمك كلما غمسته في قلبك.. هكذا تختلط كلماتي بدموعي وأشعر بأنني من ركاب سفينة سيدنا نوح التي تركزت مهمتها في الحفاظ علي النوع الإنساني النبيل أكثر من المشاركة في التغيير.. ربما لأن الطوفان القادم أكبر من طاقتنا وقدرتنا علي التغيير بعد أن تحول التغيير إلي سلعة أو أحجبة أو أيقونة. تركت قلمي جانبا لكي أشم رائحة الحرية، أتذوق ما كتبت أعرف طعم الكلمات أشاهد لون الحب فإذا بقلبي يتجه إلي صورة ابني وخطيبته الجميلة: تهمس نبضاته في أذنيهما. أحبائي في هذا العالم المزيف القادر علي تحويل الوهم إلي حقيقة والكذب إلي صدق!! حيث يحتضن الذئب الحمل ويوهمه بالخلاص وتقبل الأفعي ضحيتها وتوهمها بالحياة أقول لهما ما قاله الفلسطيني الراحل توفيق زياد: أناديكم أناديكم أشد علي أياديكم.. أبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم.. وأهديكم ضيا عيني وملء القلب أعطيكم.