ذكرنا في مقال الأمس المانع الأول والثاني من موانع أن يكون المقصود بالجمع في آيات سورة القيامة القرآن الكريم، واليوم نقدم المانع الثالث. المانع الثالث: الحديث في آيات سورة القيامة من (16: 19) يدور عن يوم القيامة لا عن القرآن، كيف؟: أولا: لأن القرآن لم يرد له أي ذكر علي الإطلاق في سورة القيامة لا قبل الآيات (16: 19) ولا بعدها. ثانيا: لأن ضمير المخاطب (الهاء) الذي يشير إلي الغائب ورد في الآيات: (16: 19) سبع مرات من دون أي تصريح يذكر بلفظ القرآن أو الكتاب أو أي من أسمائه في الآيات المشار إليها وذلك علي النحو التالي: (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ) (لِتَعْجَلَ بِهِ) (جَمْعَهُ) (وَقُرْآنَهُ) (قَرَأْنَاهُ) (قُرْآنَهُ) (بَيانَهُ)، فنجدها جميعا وردت بضمير الغائب فلو أراد الله الحديث عن القرآن لصرح بذكر القرآن ولو مرة واحدة كما فعل في آية أخري في سورة طه حين قال: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه) (114_ طه)، انظر كيف صرح هنا في هذه الآية بذكر صريح للقرآن الكريم، لكن في آيات سورة القيامة لم يأت أي ذكر للقرآن لا في الآيات المقصودة ولا في السورة بأكملها، ومن ثم فضمير (الهاء) في الآيات يعود علي يوم القيامة لأن يوم القيامة وفق التفكير والنظر السليم هو الاسم الصريح الذي يصلح أن يشير إليه المضمون الحقيقي للآيات وليس القرآن الذي لم يذكر ولو مرة واحدة في السورة بأكملها، وقد تحدث الله في هذه الآيات بضمير الغائب عن يوم القيامة مع ذكره في السورة مرتين صراحة لأنه هو الحاضر بالذكر والحديث، والغائب بمحاولة استعجاله وجمعه وقرآنه وبيانه. ثالثا: الاستعجال المقصود في آيات سورة القيامة هو الاستعجال بيوم القيامة وليس الاستعجال بالقرآن، فلقد ورد في أكثر من آية في الكتاب الكريم ذكر استعجال الرسول بعذاب يوم القيامة للمشركين بناءً علي طلبهم هم وتكذيبهم له، وكذلك مشركو مكة كانوا يستعجلون بعذاب يوم القيامة تكذيبا واستهزاًء وسخرية من الرسول، وقد سجل الله هذا الاستعجال من الرسول ومن المشركين علي النحو التالي: استعجال الرسول: (فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَداًّ) (84_ مريم) (وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يوْمَ يرَوْنَ مَا يوعَدُونَ لَمْ يلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ) (35_ الأحقاف) (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (16_ القيامة) استعجال المشركين: (مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) (57_ الأنعام) (قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِي الأَمْرُ بَينِي وَبَينَكُمْ) (58 الأنعام) (قُلْ أَرَأَيتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَياتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يسْتَعْجِلُ مِنْهُ المُجْرِمُونَ) (50_ يونس) (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (51_ يونس) (أَتَي أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ) (1_ النحل) (وَيسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) (47_ الحج) (أَفَبِعَذَابِنَا يسْتَعْجِلُونَ) (204_ الشعراء) (يسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (54_ العنكبوت) أما آيات القيامة فالمخاطب بها هو شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام، بدليل أن سياق السورة من أولها إلي آخرها يخاطب الإنسان بصيغة الغائب إلا الآيات (16: 19) فهي خطاب لمخاطب حاضر وهو شخص النبي محمد وهذا لقوله سبحانه: (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (16_ القيامة)، فانظر كيف التفت في الخطاب من صيغة الغائب من أول السورة إلي صيغة الحاضر في هذه الآية في قوله (تحرك)، فالتاء هنا للمخاطب الحاضر. رابعا: أما الجمع المشار إليه في آية القيامة فهو جمع الناس والأعمال لهذا اليوم العظيم بدليل قوله في آيات أخري: (فَكَيفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيوْمٍ لاَّ رَيبَ فِيهِ) (25_ آل عمران) (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيجْمَعَنَّكُمْ إِلَي يوْمِ القِيامَةِ لاَ رَيبَ فِيهِ) (87_ النساء) (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً) (99_ الكهف) (ذَلِكَ يوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يوْمٌ مَّشْهُودٌ) (103_ هود) (قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ(49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَي مِيقَاتِ يوْمٍ مَّعْلُومٍ) (50_ الواقعة). بل إن الله أسماه يوم الجمع في قوله: (وَتُنذِرَ يوْمَ الجَمْعِ لاَ رَيبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (7_ الشوري) وقال في سورة القيامة: (إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ) (17_ القيامة) (للحديث بقية)