أتمني أن يكون القارئ قد تسني له بالأمس تلاوة سورة القيامة كاملة ويكون قد تفكر فيها وفي سياقها الكامل ويكون قد اقتنع أو لم يقتنع بأن الآيات من (16: 19) (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه ِ(16) إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ(17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ(18) ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيانَهُ) هل كانت بالفعل تتحدث عن استعجال الرسول بالقرآن الكريم، أم أنها تتحدث عن شيء آخر سوي القرآن الكريم؟؟ وأيا كان الأمر فهذه هي سورة القيامة كاملة من أولها إلي آخرها فلنتلها معا علي النحو التالي: (سورة القيامة كاملة) (لا أُقْسِمُ بِيوْمِ القِيامَةِ(1) وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2) أَيحْسَبُ الإِنْسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ(3) بَلَي قَادِرِينَ عَلَي أَن نُّسَوِّي بَنَانَهُ(4) بَلْ يرِيدُ الإِنسَانُ لِيفْجُرَ أَمَامَهُ(5) يسْأَلُ أَيانَ يوْمُ القِيامَةِ(6) فَإِذَا بَرِقَ البَصَرُ(7) وَخَسَفَ القَمَرُ(8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(9) يقُولُ الإِنسَانُ يوْمَئِذٍ أَينَ المَفَرُّ(10) كَلاَّ لاَ وَزَرَ(11) إِلَي رَبِّكَ يوْمَئِذٍ المُسْتَقَرُّ(12) ينَبَّأُ الإِنسَانُ يوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ(13) بَلِ الإِنسَانُ عَلَي نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14) وَلَوْ أَلْقَي مَعَاذِيرَهُ(15) لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16) إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ(17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ(18) ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيانَهُ(19) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ(20) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ(21) وَجُوهٌ يوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ(22) إِلَي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23) وَوُجُوهٌ يوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ(24) تَظُنُّ أَن يفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ(25) كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي(26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ(27) وَظَنَّ أَنَّهُ الفِرَاقُ(28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ(29) إِلَي رَبِّكَ يوْمَئِذٍ المَسَاقُ(30) فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّي(31) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّي(32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَي أَهْلِهِ يتَمَطَّي(33) أَوْلَي لَكَ فَأَوْلَي(34) ثُمَّ أَوْلَي لَكَ فَأَوْلَي(35) أَيحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يتْرَكَ سُدًي(36) أَلَمْ يكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِي يمْنَي(37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّي(38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالأُنثَي(39) أَلَيسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَي أن يحْيي المَوْتَي(40). بعد أن قمنا بتلاوة السورة كاملة من أولها إلي آخرها هل يكون من الصواب الظن مجرد الظن بأن الآيات من (16: 19) تتحدث عن القرآن الكريم؟ أم أنها تتحدث عن شيء آخر سواه؟؟، للجواب عن هذا أقول: هناك كثير وكثير من الموانع التي تمنع الظن مجرد الظن أن هذه الآيات تتحدث عن جمع القرآن الكريم، ويمكن قرء هذه الموانع كالتالي: المانع الأول: كما سبق أن قلنا إن قطع الحديث عن يوم القيامة لنهي الرسول عن تحريك لسانه استعجالا بالقرآن وإخباره بأن الله هو من تكفل بجمع القرآن وقرئه وبيانه ومن ثم العودة مرة أخري للحديث عن يوم القيامة لهو أمر من ثلاث: الأول: إن عمل كهذا هو عمل فج وغير مبرر لا يليق بكتاب كالقرآن الكريم. الثاني: إن القول بهذا يؤيد قول من يقول إن ترتيب آيات القرآن وسوره تم العبث به عبر العصور بدليل الوجود غير المبرر لهذه الآيات في سورة القيامة. الثالث: إن هذه الآيات ليس مقصودا بها لا عجلة الرسول بالقرآن الكريم، بل ليس مقصودا بها القرآن الكريم علي الإطلاق. المانع الثاني: لو قلنا إن الله هو من تكفل بجمع القرآن وبيانه فهناك إشكالان: الأول: يعني القول بهذا أن لا الرسول ولا الصحابة لم يكن لهم أي دور يذكر في جمع القرآن، وأن الأمر برمته يعود إلي تدخل إلهي غيبي، وهذا يخالف الحق والحقيقة وكل فكر سليم ويخالف الواقع والشواهد التاريخية، بل لا يوجد أي برهان تاريخي يقول بهذا، فالقول بهذا يعد من أقوال الصوفية والدراويش الذين لا يقيمون وزنا للتفكير العلمي الجاد ولا البحث العلمي الجاد بل لا يرون في الفكر والعلم أدني قيمة تذكر. الإشكال الثاني: عدم وجود نسخة نبوية عليها تصديق إلهي بأن الله هو من تكفل بجمع القرآن ولا حتي الرسول نفسه، فغياب مثل تلك النسخة النبوية المصدق عليها إلهيا ينفي الزعم بأن الله هو من جمع القرآن. ومن المعلوم للقاصي والداني أن كل مخطوطات المصاحف الموجودة في العالم الآن القديم منها والحديث ليس فيها مصحف واحد خطه الرسول بيده الكريمة، وإنما هي نسخ قام وأشرف علي خطها الصحابة من بعد الرسول، ونسخ أخري خطها التابعون وتابعو التابعين إلي يومنا هذا، وأقدم مخطوطات القرآن الكريم من المصاحف من دون تنقيط ومن دون تشكيل، وهناك كذلك من المخطوطات القديمة ما بها تشكيل وتنقيط وللآن لا يمكن الجزم ببرهان علمي علي من الذي نقط المصاحف ولا من شكلها، فعدم وجود النسخة النبوية المخطوطة بيد النبي محمد يتنافي مع فرضية الجمع الإلهي الرسولي للقرآن الكريم. (للحديث بقية)