تنتشر بين الناس المقولة الشهيرة: (صوت المرأة عورة)، وانتشارها ليس قاصرا وحسب علي عوام الناس، بل هذه المقولة قام بنشرها بين عموم الناس بعض الفقهاء وبعض شيوخ التيارات الدينية المختلفة، حتي صارت دينا يدين الناس به، ورسخ في خلد الناس أن صوت المرأة عورة حتي ولو كانت تقرأ القرآن، وحمل الناس هذه المقولة علي تحريمهم لسماع صوت المرأة بأي كلام كان، وتحريم سماع الغناء منها، وكذلك حرموا مشاركتها في أي نشاط خطابي تقوم فيه بإلقاء خطبة أو محاضرة أو قيامها بالتدريس والشرح للطلاب البالغين وغيرها من الأنشطة التي قد تستخدم المرأة صوتها فيها، والسؤال الآن هل من نص ديني ورد في القرآن الكريم أو في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام يقول أن صوت المرأة عورة؟ أم أنها محض خيالات وأوهام أراد من خلالها بعض شيوخ التيارات الدينية عزل المرأة عن المشاركة في الحياة حتي ولو بصوتها؟ لو تتبعنا ما استدل به القوم من أدلة ونصوص تؤيد ما ذهبوا إليه لما وجدنا في القرآن الكريم ولا في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام أية آية قرآنية أو نص حديث يقول إن صوت المرأة عورة علي الإطلاق، وإنما النص الذي استندوا إليه هو أمر الله سبحانه لنساء النبي تحديدا ودون غيرهن من النساء بألا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وهذا هو النص علي النحو التالي: «يا نِسَاءَ النَّبِي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً) (الأحزاب: 32). في هذا النص الكثير من الأشياء التي يجب تفصيلها، منها أن الأمر في هذه الآية متوجه بشكل حصري إلي نساء النبي عليه الصلاة والسلام لا غيرهن من النساء، مما يدل علي خصوصية الأمر لأمهات المؤمنين وحسب بدليل قوله تعالي: «يا نِسَاءَ النَّبِي»، وليس كذلك وحسب بل قال بعدها مباشرة «لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ» مما يزيد الأمر خصوصية وحصرا وقصرا علي زوجات النبي لا غيرهن، وجاء الأمر بعد توجيه الخطاب لنساء النبي وحدهن وبعد إعلامهن بأنهن لسن كأحد من النساء إن هن اتقين الله فقال آمرا لهن «فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ»، وبعد أمره بعدم الخضوع بالقول ذكر سبب هذا المنع فقال: «فَيطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ»، وذلك لأن الله قد حرم علي المؤمنين الزواج من زوجاته عليه الصلاة والسلام من بعده، وذلك لسد جميع الذرائع التي قد تثير الطمع لدي من كان له قلب مريض يريد أن يصبو للزواج منهن أو ينظر لهن نظرة أخري سوي أنهن أمهات للمؤمنين جميعا، وتم سد هذه الذريعة بمنع نساء النبي من الخضوع بالقول عند التحدث مع الرجال حتي لا ينمو في قلب أحدهم شيئا يطمعه في إحداهن. ونلحظ في هذا النص كذلك أن الله لم ينه نساء النبي عن التحدث بأي قول وكل قول مع الرجال، وإنما نهاهن فقط عن الخضوع في القول وليس كل القول، ويدل علي هذا أمره تعالي لهن في آخر الآية: ««وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً»، أي ليس ممنوعا عليكن سوي الخضوع في القول وحسب، أما لو قلتن قولا لأحد فيجب أن يكون قولكن قولا معروفا، وأقول إنه لا بأس أن تتأسي نساء المؤمنين بما أمر الله به نساء النبي عليه الصلاة والسلام وخاصة المحصنات منهن بالزواج أو بالعفة. وبقيت مسألة مهمة في هذه الآية قد التبست علي كثير من الفقهاء وشيوخ التيارات الدينية لم ينتبهوا لها، ألا وهي أن الآية القرآنية السابقة أمرت بعدم الخضوع بالقول ولم تأمر بعدم الخضوع بالصوت، وشتان بين القول وبين الصوت، فالصوت كما جاء تعريفه في المعجم الوجيز هو: (الأثير السمعي الذي تحدثه الموجات الناشئة من اهتزاز جسم ما)، وأضيف أنا علي هذا التعريف وهو كل اهتزاز يصدر من حنجرة الإنسان حتي ولو لم يكن كلاما مفهوما كالكحة والتنهيد والتأوه والعطس والتثاؤب وغيرها من الأصوات سواء كانت مفهومة كالكلام أو غير ذات دلالة كلامية كالأشياء التي ذكرتها، أما القول فهو الكلام المحكم الذي يدل علي أمر ما يفهم السامع له أو القارئ له جملة مفيدة أو معلومة كاملة، ولو عدنا للنص مرة أخري لوجدنا النهي عن الخضوع بالقول وليس الخضوع بالصوت، ومعني الخضوع بالقول هو التحدث بكلام محكم ومفيد وواضح يفهم منه السامع ما قد يثير طمعه في القائل وهن زوجات النبي أو غيرهن من النساء، وبالتالي نتساءل: فنقول هل تدريس المرأة في الجامعة أو في المدرسة أو إلقائها محاضرة في ندوة أو مؤتمر أو برنامج تلفزيوني أو إذاعي أو تلاوتها للقرآن، أو غيرها من الأقوال التي لا تحمل مضامينها جمل وعبارات تطمع السامع فيها هل كل هذا يدخل تحت الأمر بعدم الخضوع بالقول؟ بالطبع لا يمكن لعاقل أن يقول بهذا، إذاً فليس صوت المرأة عورة ولا قولها عورة ولا حديثها عورة. وبقيت مسألة مهمة ألا وهي: ماذا عن غناء المرأة هل هو حرام أم مباح؟ هذا ما سنجيب عنه في المقال القادم. للحديث بقية