تناولت بالأمس.. ما جاء بالدراسة القيمة التي أرسلها لي محمد خلف المحامي تحت عنوان (هل التعليق علي أحكام القضاء ممنوع قانوناً؟!). حيث ذكرت الدراسة أن المؤسسة القضائية تتمتع بكم هائل من الحصانات المعنوية التي تمنع من انتقادها. وهذه الحصانات المعنوية تفوق في قدرها الحصانات التي يتمتع بها القضاة وعلي رأسها الحصانات القضائية التي تستلزم في حالات التحقيق مع القاضي موافقة المجلس الأعلي للقضاء لرفعها. كما أصبح الغالبية العظمي من المذيعين والكتاب والصحفيين يعتقدون في صحة المقولة نفسها بأنه لا تعليق علي حكم القضاء.. فالإعلام - للأسف - لا يظهر به سوي اللون الوردي والألوان الفاتحة. واليوم أكتب عما جاء بالدراسة المذكورة عن أهمية النقد الموضوعي لأحكام القضاء في سبيل تحقيق العدالة ودعمها.. حيث يسأل كاتبها: لماذا لم يترك قضاة مجلس الدولة للمتخصصين من رجال الدين الرأي في موضوع تعيين المرأة قاضية؛ فبالرغم من موافقة مفتي الديار المصرية وشيخ الأزهر ووزير الأوقاف علي تعيين المرأة قاضية فقد رفض السادة القضاة بحجة مخالفة ذلك للشرع؟!. إن التعليق علي الأحكام القضائية في وسائل الإعلام يجعل منها منتدي أوسع يطلع فيه رجال القضاء وغيرهم علي خبرات ومهارات بعضهم البعض، ويرفع من مستوي دراية الشعب بالقانون مما يسهم في سيادة أنماط أفضل للتقاضي حيث تتداخل خبرات الأجيال مع بعضها البعض، ونبلغ الدرجة القصوي من الشفافية التي تؤدي لمنع ضبابية الرؤية.. فالحديث عن الأحكام وعن القضايا يرفع من درجة وعي وتفكير المواطنين المصريين. إن تناول هذه الموضوعات من خلال التعليق علي الأحكام.. يجعل هناك حالة من الحراك القانوني لدي العامة. أما التعتيم والصمت فهما أكثر تدميراً لحاضر الأمة ومستقبلها من برامج إعلامية تسعي للتنبيه إلي المخاطر والتركيز علي السلبيات.. ما دام القصد منها تحقيق الصالح العام وبالتالي الخاص. إن نقد الشيء وتفنيده لا يضعف من هيبته، بل يؤدي في النهاية إلي الإيمان به علي أسس راسخة. ثم كيف يمنعنا القضاة من مجرد التعليق علي حكم صدر ضد أي مواطن مصري.. وهو أبسط صور الاحتجاج. وفي الوقت نفسه يقوم بعض القضاة بالاعتصام.. والذي يعتبر من أعنف صور الاحتجاج. وذلك مثلما اعتصم اثنان من القضاة بمطار الأقصر حتي يتم حبس ضابط شرطة.. اتهماه بأنه اعتدي عليهما، ولم يفضا اعتصامهما حتي تم حبس الضابط. نختم هنا بأحد الأمثلة التي ذكرتها الدراسة حينما ألغت محكمة الاستئناف حكما لمحكمة الأسرة أول درجة بالعمرانية بخصوص تطليق زوجة من زوجها.. حيث صدرت الحيثيات برئاسة المستشار عبد الغفور خليل وعضوية المستشارين أحمد عطية يوسف، وكمال عبد العزيز في الدعوي رقم 1051 محكمة الأسرة بالعمرانية: إن حكم محكمة أول درجة جاء هزيلا لا يساوي مداد كتابته الذي جاء علي نموذج تافه، وأن النيابة العامة تقاعست كما تقاعس القضاة عن البحث في الحقيقة، وكان قضاؤها إثبات طلاق المدعية علي المدعي عليه طلقة بائنة. إنها دراسة قيمة لمحمد خلف المحامي.. تستحق القراءة والاهتمام.