أستكمل اليوم ما تناولته بالأمس.. حول الدراسة القيمة التي أرسلها لي محمد خلف المحامي تحت عنوان (هل التعليق علي أحكام القضاء ممنوع قانوناً؟!). حيث ذكرت الدراسة أنه بمراجعة مواد الدستور ومواد قانون العقوبات ومواد قانون السلطة القضائية.. لم يجد بها ما يشير أو يمنع نقد الأحكام أو التعليق أو التعقيب عليها. بل ويري أن نشر النقد الذي يوجه للأحكام هو مراقبة لها أمام الرأي العام، والرقابة هنا لا تخل باستقلال القاضي خاصة أن الأحكام التي تصدر... تصدر وفقا للدستور، وفي أعلاها جميعا مقولة: حكم باسم الشعب. وبالتالي، فإن التعليق علي أحكام القضاء هو أمر يخالف الأعراف والتقاليد القضائية فقط؛ ولا يرقي بأي حال من الأحوال إلي مستوي التجريم القانوني. تقول الدراسة المذكورة: إن المؤسسة القضائية تتمتع بكم هائل من الحصانات المعنوية التي تمنع من انتقادها. وهذه الحصانات المعنوية تفوق في قدرها الحصانات التي يتمتع بها القضاة وعلي رأسها الحصانات القضائية التي تستلزم في حالات التحقيق مع القاضي موافقة المجلس الأعلي للقضاء لرفعها. وهو ما حكمت به المحكمة الدستورية العليا في حكمها الشهير الذي صدر في القضية رقم 34 لسنة 16 قضائية بتاريخ 15 يونيو 1996 في عبارات قاطعة وواضحة بأنه (لا يجوز أن يكون العمل القضائي، موطئاً لشبهة تداخل أو تدخل، لا يطمئن إليه المتقاضون، أو يستريبون منه بعد أن صار نائياً عن الوظيفة القضائية.. فالنفس لا تميل بطبيعتها إلي تخطئة عملها!). يتناول محمد خلف المحامي قضية أخري مهمة في هذا الصدد، وهي "دور الإعلام مع القضاة"، والذي يري أنه يكيل بمكيالين في هذه القضية حيث يظهر دائماً الوجه الإيجابي دون الوجه الآخر السلبي. وهو ما تمت ترجمته إلي قرارات قيل إنها بناء تعليمات عليا - في التليفزيون المصري بعدم التعليق علي الأحكام القضائية من جانب الضيوف في أي برامج تليفزيونية.. لقد أصبح الغالبية العظمي من المذيعين والكتاب والصحفيين يعتقدون في صحة المقولة نفسها بأنه لا تعليق علي حكم القضاء.. فالإعلام - للأسف - لا يظهر به سوي اللون الوردي والألوان الفاتحة للأحكام القضائية. يرفع القضاة شعار (لا تعليق علي أحكام القضاء)، وهو ما يجعلهم لا يتعاملون سوي مع الأحكام الوردية الجميلة التي أخذت وقتها في المرافعات، وكان بها استجابة لطلبات الأطراف المعنية.. فيعتقدون أن جميع القضايا تسير بالطريقة نفسها. وهو ما جعل السواد الأعظم من التعليقات بالشكل الإيجابي، ولا توجد تعليقات سلبية. وبمعني آخر فإن من يسمح بالاستحسان.. من المفترض أن يسمح بالاستهجان. يتحدث الجميع عن المادة 187 الخاصة بالتأثير علي القضاة. ولم نجد أحدا يطالب المشرع بتجريم التأثير علي المواطنين من خلال وسائل الإعلام. وغداً أتناول في الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة ما جاء بالدراسة المذكورة عن أهمية النقد الموضوعي لأحكام القضاء.. في سبيل تحقيق العدالة ودعمها.