في اللحظات التي تقرأ فيها هذه الزاوية يكون الأسطول البحري المخصص (لفك الحصار) عن غزة والذي انطلق من أحد موانئ تركيا وانضمت إليه سفن أخري قادمة من أوروبا، يكون قد وصل قبالة غزة قبل المياه الدولية ليجد في انتظاره البحرية الإسرائيلية التي أعلنت علي العالم كله أنها ستعترض أسطول الدعم وتعتقل كل هؤلاء الذين جاءوا لفك الحصار عن غزة وتعيدهم إلي بلادهم. وعندما يحدث ذلك في المياه الدولية فإنه يعطي الحق لجماعات فك الحصار في اتهام إسرائيل بالقرصنة الدولية وستكون محقة في ذلك. عجزت حتي الآن عن فهم أنه يمكن فك الحصار عن بلد محاصر بأساطيل تحمل دعما لأهله من الغذاء والكساء وبقية المواد التموينية والطبية. فما أعرفه عن الحصار تاريخيا أنه يمكن فكه بالقتال المباشر للوصول إلي شروط للسلام تضمن حرية المحاصرين، أو بالتفاوض المباشر الذي يؤدي بالفعل إلي سلام ينتهي معه الحصار. المهمة إذن تحمل الاسم الخطأ، والأقرب إلي الصحة هو دعم أهل غزة أو دعم حكومة حماس أو في القليل تأييد سياسة حكومة أحمدي نجاد الإيرانية التي ترغب في إبقاء الشرق الأوسط في حالة غليان، أو التعاطف مع المجهودات التركية الحديثة، التي انطلقت منها القافلة. عرفنا في العصر الحديث ما يسمي بالحقيقة الافتراضية (virtual reality) أوالواقع الافتراضي التي تقوم عليه ألعاب الكمبيوتر، المهمة نبيلة بالطبع فلاشك أن محاولة فك الحصار عن المحاصرين مهمة نبيلة يرحب بها أي شخص طبيعي، بل وكل حكومة علي وجه الأرض، هذه هي بالضبط الحقيقة الافتراضية أما الحقيقة الواقعية فهي أن الوحيد القادر علي فك الحصار عن أهل غزة فهو السيد هنية رئيس الحكومة المقالة الذي رحب بالأسطول الذي يتجمع في عرض البحر الأبيض وتكلم عن (دولة الخلافة في تركيا تقود تحولات استراتيجية في المنطقة) الواقع الحقيقي وليس الافتراضي أن تركيا عندما تقود أفعالا من هذا النوع فلا شك أن تكون قد وقعت في أكبر بحر للأوهام. لم يعد للخلافة الإسلامية وجود، لم يعد هناك خليفة يأتمر المسلمون بأوامره، لقد أعلنت الجمهورية في تركيا منذ زمن بعيد. والدور الوحيد الذي تستطيع تركيا القيام به هو أن تقنع السيد هنية والسيد مشعل والسيد نجاد أن يفكوا الحصار عن أهل غزة وذلك بعمل مصالحة فورا بينهم وبين السلطة الفلسطينية من أجل الوصول لحكومة موحدة تتولي التفاوض من أجل قيام الدولة الفلسطينية. أما الحديث عن دولة الخلافة الإسلامية في تركيا فمعناه الوحيد هو أن السيد هنية منشغل بقضايا أخري تحتل عنده أهمية تفوق مصير الشعب الفلسطيني، هو يصر علي أنه مجرد رئيس جماعة دينية سياسية تعمل علي إعادة الخلافة الإسلامية في تركيا وهو ما أعتقد أن الحكومة التركية لا توافقه عليه. العالم لديه الآن القدرة علي فك شفراتنا وقراءة أفعالنا وفهم كلماتنا وشعاراتنا، الكاميرات من داخل سفن فك الحصار، تنقل صورا لأشخاص يهتفون: خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود. هذاالشعار يدفع العالم كله للمزيد من الفهم الخاطئ لقضية الصراع العربي- الإسرائيلي، وهو أنها صراع ديني بين مسلمين ويهود وأن المسلمين يحلمون بالقضاء علي اليهود، تماما كما حدث في خيبر منذ أكثر من ألف عام، وهذا هو بالضبط ما يصرح به السيد نجاد أيضا وإن كان يقوله علي سبيل التمني. وهو أيضا الشعار والهتاف الذي تكسب به إسرائيل المزيد من تأييد دول العالم وحكوماته.