من الأسطر الأولي لمقدمة المؤلف في كتابه يمكن فهم المنهج الذي يتبعه، يقول بيجوفيتش في «الإسلام بين الشرق والغرب»: «يتميز العالم الحديث بصدام أيديولوجي نحن جميعا متورطون فيه، سواء كمساهمين أم ضحايا، فما موقف الإسلام من هذا الصدام الهائل؟ وهل للإسلام دور في تشكيل هذا العالم الحاضر؟ هذا الكتاب يحاول جزئيا أن يجيب هذا السؤال». إلي جانب الروح الفلسفية العالية، لعب علي عزت بيجوفيتش كما يقول الراحل د. عبد الوهاب المسيري في تقديمه لهذا الكتاب، الدور المزدوج بنجاح: دور المجاهد والمجتهد، ودور الفارس والراهب، ومن هنا يحلل المسيري في قراءته النقدية التي يقدمها عن فكر علي عزت بيجوفيتش في الكتاب الذي أعادت دار الشروق هذه الأيام طبعه بعد صدوره في طبعته الأولي عام 1994 من ترجمة محمد يوسف عدس، موضحا اجتهاد بيجوفيتش المنطقي لإثبات العجز التفسيري لنظرية التطور الداروينية، في تناولها الظواهر الإنسانية غير القابلة للتطور الملحوظ كالظواهر الثقافية، التي تجاهلها داروين برغم ما تحمله في ثناياها من إجابات حاسمة لأسئلة حاسمة عن الوجود الإنساني منها علي سبيل المثال: التضحية والضمير والخوف من الموت والمجهول. فقد أكد بيجوفيتش عجز النظرية الداروينية - بتغافلها هذه الظواهر الثقافية (التي تحوي نشاطات إنسانية مثل الفن والدين والأخلاق والفلسفة) - عن تقديم تفسير لعدم تغير تاريخ البشر «الجواني» أو النفسي، ويقصد به أخطاء الإنسان وخطاياه وفضائله وشكوكه التي تبرهن منذ فجر تاريخ الإنسان البدائي علي عدم قابليتها للتغيير. بمنطق قوي ومنهج تحليلي قدير يكشف علي عزت عن تهافت الفكر الغربي وقصوره، وتناقضه في معالجة موضوع الإنسان والحياة، فضمن منهج بيجوفيتش لتقويض نظرية التطور المادية، ينحاز الرئيس السابق للبوسنة وقائدها السياسي وزعيمها الفكري والروحي لمبدأ الحرية، أو لمقدرة الإنسان علي الاختيار، باعتبارها - الحرية - أيضا تشكل الوجود الجواني غير الخاضع لعالم المادة، وتتجلي هذه المرة في النوايا والإرادة والشوق والرغبة. كذلك مما يؤمن به بيجوفيتش ويحاول برهنته في كتابه، هو الطبيعة الثنائية للإنسان، التي تجعله كائنا طبيعيا ماديا قادرا في نفس الوقت علي تجاوز المادة والطبيعة، وذلك بالفن والأخلاق وحتي الدين، وغيرها من الظواهر الروحية الأخري، وفي كل الأحوال يستنتج بيجوفيتش أن الإنسان بدأ مخلوقا حرا في الوجود، بينما لم يكن ممكنا أن يتحول نتيجة للتطور فقط إلي ذلك الإنسان، بل إن التطور بدون اللمسة الإلهية أو «نظرية الخلق الإلهي» كان سينتج علي الأرجح حيوانا أكثر تطورا أو أكثر مثالية، أو كائنا آخر بجسم وذكاء إنسان. من هذه النقطة يمكن ملاحظة تلامس أفكار بيجوفيتش مع عنوان الكتاب، الذي صدر في أشد لحظات قيادته الزعيم لشعبه وبلاده في مقاومة تاريخية لأبشع عدوان عنصري وقع في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، كانت نتيجته وقتها تدمير جمهورية البوسنة والهرسك وتقسيمها إلي «كانتونات» علي أساس ديني، حيث يخلص بيجوفيتش من كل هذا في كتابه إلي «أن الإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا معلاماته، ولا من جهود النفس والبدن التي يطالب الإنسان بها، وإنما من شيء يشمل كل هذا ويسمو عليه: من لحظة فارقة لوعي باطني، من قوة النفس في مواجهة محن الزمان، من التهيؤ لاحتمال كل ما يأتي به الوجود من أحداث، من حقيقة التسليم لله.. والاسم: إسلام».