تعددت المناسبات التي أحضر فيها عزاءات لأعزاء فقدناهم وتركوا لنا عبء العيش وحدنا دونهم في هذه الحياة نتذكر بالخير مواقف كثيرة لهم وندعو لهم بالرحمة والمغفرة. شخصيات عظيمة تغيب عنا واحد تلو الآخر وهذه سنة الحياة «فهم السابقون ونحن اللاحقون»! لقد تأملت المشهد المهيب الذي صاحب جنازة المرحوم الأستاذ «محمود السعدني» الكاتب الصحفي الكبير «رحمه الله رحمة واسعة»! وتأملت المعزين من كل أطياف المجتمع مسئولين حاليين ومسئولين سابقين ونخب من المجتمع من شتي مجالات الحياة المهنية في مصر. ولعل ما شدني في هذا الأمر أن كثيراً مما سمعت عن الرجل غير ما تيسر لي من كتب كتبها كلام طيب وسيرة حسنة وزمالة لأجيال من الكتاب والإعلاميين يذكرون عنه طيب الحديث وروعة المواقف في أشد الأوقات صعوبة مر بها الوطن وكان الأستاذ «محمود السعدني» إما مشارك في الأحداث كفاعل أو مفعول به طبقاً لموقفه من السلطة في البلاد. وأتذكر حينما قابلت المرحوم في مكتب الوالد الراحل «وجيه أباظة» وكنت مقرباً من المرحوم «وجيه بك» بعد أن خرج من السجن عام 1975 وجاء في زيارة إلي إيطاليا حيث كان المرحوم «توفيق أباظة» ابن عم «وجيه بك» وزيراً مفوضاً للسفارة المصرية في روما وكانت تربطني به صداقة عميقة وجاء «بعم وجيه» إلي البلدة التي أقيم فيها وهي «فيوماشينو» وبقي فيها معي «عم وجيه» لأكثر من أسبوع وتعلقنا ببعض حتي عودتي إلي القاهرة ودعوته لي بالقيام بأعمال شركة التنمية والتجارة «بيجو» واقتربت من الرجل كأحد أبنائه «حسين وممدوح وشاكر وعزيز» إلي أن توفاه الله «رحمة الله عليه رحمة واسعة». قابلت عند عم وجيه الأستاذ «محمود السعدني» عام 1979 وكان يتزاور «لعم وجيه» مجموعة من نخب المجتمع أذكر الشيخ «متولي الشعراوي» وبعض قيادات مجلس الثورة وكذلك إعلاميين كباراً مثل المرحوم «جلال معوض» والمرحوم «محمود السعدني» وغيرهم وكان استمتاعي بهذه النخبة من زوار «عم وجيه» لا تضاهيها متعة. ولقد أثروني من المناقشات التي كانت تدور بينهم وكنت في هذه المرحلة شاباً لا يزيد عمري عن خمس وثلاثين عاماً فكنت في أغلب الأوقات بل أعظمها «صامتا» أستمع وأتعلم وأنصت بكل جوارحي للتجارب العظيمة التي وهبني الله الفرصة لكي أتعايش بالقرب منها في حجرة واحدة أو كراس متقاربة لكي أستمع وأتكلم كان المرحوم محمود السعدني - شيئاً رائعاً من البشر وشيئاً خيالياً من التجارب الرائعة التي خاضها ولم يبق منه إلا السيرة الحسنة وكذلك هؤلاء العظماء الذين رحلوا عن عالمنا وتركوا لنا ذخيرة من المثل ومن السير الطيبة!! رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة!!