غاص وسط الصعاليك، عايشهم علي مقهي كتكوت، فصادق الملوك، علي عكس بني البشر جاء إلي الحياة ساخراً ضاحكاً مستبشراً، أضحك الجميع بسخريته اللاذعة، وبداخله جبال من الألم، حكاء خفيف الظل، عاش حياة ثرية بالأحداث، أبدع واشتهر وقاسي وسجن، نفي اختيارياً، لكنه أبداً لم يخالف مبادئه ولم تغادره سخريته، سلاحه الذي لم يفارقة. إنه عم محمود السعدني، الولد الشقي المولود في 20 سبتمبر 1927 بقرية كفر القرنيين مركز الباجور بمحافظة المنوفية لأب موظف بسيط، رزق بولدين و5 بنات كان محمود ترتيية الثاني، يصغرة شقيقه صلاح السعدني الذي سلك طريق الفن حتي أصبح نجما تليفزيونيا. عاش الولد الشقي في محافظة الجيزة التي عشقها وذكرها في عدد كبير من أعماله، عشق مهنة الصحافة التي كان يعلق عليها الكثير من الآمال، عمل بمجلة الكشكول التي أصدرها كامل الشناوي، ثم جريدة المصري لسان حال حزب االوفد ودار الهلال وأصدر مجلة هزلية بالتعاون مع رسام الكاريكاتير طوغان. عمل السعدني بعد قيام ثورة 1952 بجريدة الجمهورية التي كان يرأس مجلس إدارتها أنور السادات برز خلال تلك الفترة السعدني وما لبث أن تم الاستغناء عن خدماته فاستدعاه إحسان عبد القدوس ليعمل مديراً لتحرير روزاليوسف. وعن روزاليوسف قال السعدني في أحد مؤلفاته أنها كانت مثالية للإبداع حيث غياب المشاحنات والصراعات، وعقب زيارة السعدني لسوريا إبان تجهيزات الوحدة بين البلدين حمل أعضاء الحزب الشيوعي رسالة إلي الرئيس عبد الناصر تطالب بالإفراج عن المعتقلين في مصر من الشيوعيين فنقلها السعدني إلي السادات نائب الرئيس في ذلك الوقت الأمر الذي تسبب في اتهام السعدني بالانضمام للشيوعية ليقضي عامين في السجن. عقب خروجه من السجن عاد ل«روزاليوسف» بعد تأسيسها وتولي رئاسة تحرير صباح الخير ليحدث قفزة في توزيع المجلة وما لبث أن فصل منها بعد رحيل عبد الناصر وتولي السادات السلطة حيث اتهم السعدني في قضية محاولة قلب نظام الحكم مع شعراوي جمعة وسامي شرف ليقضي عامين آخرين في السجن. خرج السعدني من سجنه الثاني ليختار لنفسه منفي اختياريا فتجول في العديد من البلدان العربية وصادق رؤساء مثل القذافي وصدام حسين، وأنشأ صحيفة 23 يوليو من لندن بالتعاون مع محمود نور الدين ضابط المخابرات المستقيل احتجاجا علي اتفاقية كامب ديفيد، لكنها لم يكتب لها الاستمرار لضعف التمويل. فور اغتيال السادات وتولي الرئيس مبارك السلطة عاد السعدني من منفاه الاختياري والتقي الرئيس مبارك لتنتهي بذلك خلافاته من النظام الحاكم ليواصل ابداعه الصحفي حيث أصدر العديد من المؤلفات منها مذكرات الولد الشقي والموكوس في بلاد الفلوس وحمار من الشرق وأمريكا ياويكا ومصر من تاني وغيرها من المؤلفات إلي جانب جمع مقالات مقهي كتكوت. السعدني رائد الكتابة الصحفية الساخرة أنجب الزميل أكرم السعدني نائب رئيس تحرير الكواكب و4 سيدات هن هالة السعدني مذيعة وأمل السعدني بقناة السويس وحنان السعدني مخرجة وهبة السعدني الزميلة التي رحلت بعد معاناة مع المرض. رحل السعدني أمس الأول عن عمر يناهز 83 عاماً بعد صراع دام لسنوات مع المرض وشيع جثمانه من مسجد الحامدية الشاذلية وهو ذات المسجد الذي يقام عزاؤه به مساء اليوم. الراحل حصل علي الجائزة التقديرية لنقابة الصحفيين العام قبل الماضي وأسس نادي الصحفيين وخلف تراثا فكريا وتلاميذ بارزين بمهنة الصحافة.