رئيس جامعة قناة السويس يشدد على الدقة والسرعة في رصد النتائج    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    وزير الصحة يعتمد خطة التأمين الإسعافية تزامنًا مع بدء امتحانات الثانوية العامة    إزالة حالة بناء مخالفة في المهد بشارع الشيخ مبارك شمال مدينة الأقصر    محافظ سوهاج يبحث الموقف التنفيذي لمشروعات كورنيش أخميم و جرجا    ملك الأردن يحذر من تداعيات العدوان الإسرائيلي على إيران    إعلام عبرى: توقعات إسرائيلية بهجوم إيرانى على تل أبيب خلال ساعات    الهلال السعودي يواصل محاولاته لضم أوسيمين وسط منافسة أوروبية معقدة    بريطانيا تنفي تقديم الدعم لإسرائيل في الهجوم على إيران    يوفنتوس يبحث عن استعادة أمجاده في كأس العالم للأندية 2025    من اليوتيوب إلى التلفزيون.. صناع المحتوى "الأهلاوية" يخطفون الأنظار قبل مونديال الأندية    مولينا: متحمسون لانطلاقة المونديال ومستعدون لمواجهة باريس سان جيرمان    الزمالك يفكر في استعادة مهاجمه السابق    لتفقد المنشآت الرياضية.. وزير الشباب يزور جامعة الإسكندرية- صور    ضبط محطة وقود في الغربية بتهمة التلاعب في 8 آلاف لتر من السولار المدعم    رعاية استثنائية وتنظيم مشرف.. رسائل شكر لحجاج بعثة العلاقات الإنسانية    محافظ القاهرة يتفقد مشروع تطوير منطقة القاهرة التاريخية    ب"فستان جريء".. أحدث ظهور ل ميرنا جميل والجمهور يغازلها (صور)    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    اليوم.. عرض الحلقة الأولى من مسلسل «فات الميعاد»    وزير الأوقاف يفتتح المقر الجديد لنقابة القراء بحلمية الزيتون    طيبة ووحيدة.. 4 أبراج طيبة جدا لكن ليس لديهم أصدقاء    محافظ أسوان: بدء التشغيل التجريبي لبعض أقسام مستشفى السباعية    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    إعلام عبرى: نقل طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى أثينا مع بدء هجوم إيران    والد طفلة البحيرة: استجابة رئيس الوزراء لعلاج ابنتى أعادت لنا الحياة    إزالة 60 حالة تعد على مساحة 37 ألف م2 وتنظيم حملة لإزالة الإشغالات بأسوان    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    إعلان نتائج مسابقة الطلاب المثاليين بكليات جامعة المنيا الأهلية    فايز فرحات: مفاوضات إيران وإسرائيل تواجه أزمة والمواجهة أنهت "حروب الوكالة"    بعد توصية ميدو.. أزمة في الزمالك بسبب طارق حامد (خاص)    هيئة الرقابة النووية: لا تغير في المستويات الإشعاعية داخل مصر    جامعة جنوب الوادي تشارك في الملتقى العلمي الثاني لوحدة البرامج المهنية بأسيوط    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    فضل صيام أول أيام العام الهجري الجديد    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    رئيس الوزراء يتفقد مدرسة رزق درويش الابتدائية بزاوية صقر الطلاب: البرنامج الصيفي مهم جدا لصقل المهارات    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    مصرع شاب سقط من الطابق الرابع بكرداسة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    " وزير الطاقة الأميركي " يراقب أي تطورات محتملة للتوترات علي إمدادات النفط العالمية    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    إحالة عامل بتهمة هتك عرض 3 أطفال بمدينة نصر للجنايات    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود السعدنى.. طفل يحمل سلاحا ضاحكا فى مواجهة ملايين المكشرين
نشر في اليوم السابع يوم 22 - 10 - 2009

الأطفال أحباب الله، ولأنه أدرك هذه الحقيقة مبكرا لم يتخل عن طفولته حتى بعد أن جاوز الثمانين، عاش طويلا وكتب كثيرا، أضحك وأبكى، وبكى وضحك، لف العالم حتى شعر بأنه لا نهاية لاتساعه، وسكن زنازين المعتقلات حتى أدرك أنه لا يوجد ما هو أضيق من حبس الكلمة فى الحلق.
الطفولة هى سمته الغالبة، لأنه أدرك أن الحياة ليست سوى لعبة كبيرة، فقرر أن يلعبها بشقاوة، لكنه أحيانا ما يكتشف أنها لعبة قاسية فيحزن قليلا، لكنه سرعان ما يتمالك نفسه ويضحك على حزنه، ويضحكنا على أحزاننا.
خرج إلى الدنيا فى العشرينيات من القرن العشرين، وإذا كان كل الأطفال يخرجون إلى الدنيا باكين، فغالبا خرج هو ساخرا ضاحكا مما يحدث ومما سيحدث، وحين أتم أعوامه العشرين بدأ يخرج إلى العالم ببنطلون مجفف، أخفت الجاكتة عورته، وجاكتة كاروهات كانت فى الأصل بطانية، وكل عدته قلم حبر رخيص، وكشكول فيه بعض الأزجال، أوله عن عسكرى الدورية، الذى من المفروض أن يكون حارسا للطريق، فإذا به قاطع طريق.
خرج قاصدا الصحافة وهو يظن أنها صاحبة جلالة، وأن لها بلاطا، وأنها عبارة عن حفلات ورحلات، ونجم صحفى مشهور يكتب وهو جالس على كرسى فى مقهى أنيق فى الشانزليزيه، ونسوان كما القشطة الصابحة تعاكسه وتباكسه وتجرى وراه، وزعماء يستيقظون فى الليل على هدير صوته، ووزارات تسقط تحت هول كلماته، لكن فاجأته الصحافة بما لم يكن يتخيل، فمن النظرة الأولى شعر بمدى بؤس الصحفيين وفقرهم، كان أول عمله فى مجلة اسمها الضباب التقى فيها الرجل الذى باع الترام، وبنصاب آخر شديد الظل اسمه عسال وهو فنان نصاب، لأنه يحس وهو ينصب بنفس النشوة التى كان يشعر بها تشيكوف أثناء كتابة قصة.
وكانوا ينصبون على الخواجات والحكام وأصحاب النفوذ، لدرجة أن أحد معاونيهم كان يقبض عليه، ثم يتبرأون منه أمام البوليس.
خرج السعدنى من تجربته الأولى فى الصحافة بحسرة، فقد الصورة الزاهية الألوان عن صاحبة الجلالة وبلاطها، وأدرك أن البلاط فى الواجهة فقط، ولكن فى القفا، بدرونات ومزابل ومطابخ ذات رائحة عفنة.
بعد هذه التجربة فكر السعدنى فى الانتحار، وأصابه اليأس، حتى أنه ذهب مرة إلى شاطئ النهر، ووقف يتفرج عليه، وفكر أن ينتحر وأن يلقى ملابسه على الشاطئ ليعلم الناس أن شخصا ما قد غرق فى هذا المكان، لكنه ظل يبكى وينظر إلى القاهرة ويقول: ياللعار، هذه المدينة المترفة الجبارة التى يبعثر أهلها ألوف الجنيهات كل ليلة على موائد القمار لا تستطيع أن توفر لى عشرة جنيهات كل شهر، هى كل ما أتمناه من الحياة؟
خانته شجاعته ولم ينتحر، ليعود إلى المقاهى مرة أخرى، قبل أن يستأنف الرحلة من جديد.
والمقاهى فى حياة السعدنى بمثابة البيت فى حياة سواه، والمقهى لديه ليس كراسى وطاولات ومشاريب، ولكنه ناس تتحرك وتتكلم وتضحكه وتضحك معه، ومن أوائل المقاهى التى كان يجلس عليها قهوة السروجى المواجهة لبيت الفنان طوغان رفيق درب السعدنى فى بداياته الصحفية، كانت كما يصفها قهوة فريدة بين مقاهى ذلك الزمان.
الحياة لعبة، وعلى الإنسان أن يكون لاعبا، لكن بشرط أن يفهم الشروط، فلولا كل ما حدث ما كان محمود السعدنى رائد الكتابة الساخرة فى الصحافة العربية، ربما كان قد انتحر أو اشترك فى عمليات النصب الصغيرة، أو ظل جالسا على قهوة السروجى حتى يومنا هذا، فلم نقرأ له ولم نستمتع بأدبه، شارك السعدنى بعد هذا فى تحرير وتأسيس عدد كبير من الصحف والمجلات العربية فى مصر وخارجها، فرأس تحرير مجلة صباح الخير المصرية فى الستينيات ورفع توزيعها إلى معدلات غير مسبوقة، كما شارك فى الحياة السياسية بفاعلية فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر وسجن بتهم غير محددة، ثم اتُّهِم بالاشتراك فى محاولة انقلابية على الرئيس أنور السادات وتمت إدانته وسجن، ثم سافر إلى لندن وأصدر ورأس تحرير مجلة 23 يوليو فى منفاه بلندن وحققت المجلة معدلات توزيع مرتفعة فى العالم العربى، ثم عاد إلى مصر من منفاه الاختيارى سنة 1982 م بعد اغتيال السادات واستقبله الرئيس مبارك.
خرج السعدنى إلى الحياة بجاكتة كانت بطانية فى الأساس، لكنه أصبح صديقا لعدد من الزعماء العرب مثل قائد الثورة الليبية معمر القذافى والرئيس العراقى السابق صدام حسين.
خرج طفلا وعاش طفلا لأن الطفولة هى كلمة السر فى حياة وشخصية السعدنى، فهو يفرح كطفل ويضحك كطفل ويغضب ويخاصم كطفل، من فهم هذه المعادلة استطاع التعامل معه جيدا وأحبه، ومن حاسبه بقوانين الكبار خسره وكسب عداوته، لأنه يملك دائما القدرة على السخرية حتى فى أحلك الظروف، ويستطيع إضحاك القارئ على أى شىء وأى شخص، وهو السلاح الذى لم يستطع أحد أن يجرده منه، طوال حياته الغزيرة، حتى اعتزل العمل الصحفى والحياة العامة سنة 2006 بسبب المرض.
عم سعدنى، ربنا يقومك لينا بالسلامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.