يرصد الفنان محمد الناصر في معرضه المقام حاليا بساقية الصاوي بالزمالك، عمق ملامح الحياة المصرية، من خلال الوجه البشري الذي يلعب دور البطولة في لوحات المعرض، وكان لدراسة الفنان للصورة الشخصية وأبعادها النفسية والاجتماعية بتعمق في رسالتيه للماجستير والدكتوراه أثر كبير في إخلاصه لفن البورتريه، وتعمقه في دواخل ومكنونات الوجه البشري الذي يرسمه، يحرص خلالها علي إيصال التعبير الخاص لكل شخصية علي حدة. "الناصر" يمارس الكتابة الصحفية التشكيلية والرسم في الزميلتين "الأهرام" و"نصف الدنيا" إلي جانب قيامه بالتدريس بكليات التربية النوعية والفنون الجميلة، وهو ما كان له أثر كبير في اختياره لموضوعاته الفنية، التي يرسمها لنا بصدق، يري أعماله بعين الفنان والناقد، كما كان لميلاده في محافظة قنا تأثير كبير أيضا من حيث اختيار أبطال أعماله، وانتقائه باليتته اللونية المميزة ومزاوجته للألوان القاتمة والبنيات بدرجاته المختلفة إلي جوار لونه الأزرق بدرجاته المميزة مازجا معها اللون الأخضر الغامق، واستعمل درجات اللون البني في تناوله للون البشرة، علاوة علي تحليه بالصبر، خاصة في أعماله المنفذة بالألوان المائية التي تتطلب من الفنان تكرار وضع الألوان والصبغات علي مراحل متعددة في اللوحة الواحدة وصولا إلي المرحلة النهائية للعمل الفني. تنتمي أعماله إلي المدرسة الواقعية الأكاديمية في تناول الشخوص وإظهار التفاصيل المختلفة، ويجنح في بعضها نحو التجديد والحداثة من خلال اختيار أوضاع فنية متعددة لأبطال لوحاته، بعضها غير تقليدي غير مكترث بفكرة "القطوعات" لأجزاء من أجساد أبطاله التي تظهر في مقدمة اللوحة Foreground، تتناثر حولهم باقي التكوينات بألوان بسيطة تميل إلي التأثيرية، كما تتنوع أعماله وتختلف موضوعاتها مكانيا، فهو يتناول شخوصها في علاقة مع أماكن مختلفة، فنراه اختار معظمها من البيئة البسيطة، التي جسدها بواقعية تسجيلية كأنه يرسم ملامحها وأبعادها، فتناول السوق والحارة الشعبية والمناطق الريفية خاصة الصعيدية منها متأثرا بجذوره. أعماله الفنية في المعرض تنوعت من حيث الخامة المستخدمة بين الألوان الزيتية والألوان المائية، ونجد الفنان يصنع ثراء لونيا من ضربات الفرشاة المجردة حين يضع اللون الواحد علي هيئة طبقات مثريا مسطح أعماله، يرسم الفنان "الناصر" لوحاته الزيتية بألوان ثقيلة الصبغة يزاوج فيها بين ضربات الفرشاة العريضة وضربات الفرشاة الرفيعة محافظا علي لمعة طفيفة للألوان الزيتية تعمل علي إثراء لوحاته. كما يستعمل الناصر الألوان المائية بحرفية شديدة يظهر خلالها تمكنه وإجادته في استعمال الخامة، لاعبا علي فكرة الشفافية ويظهر فيها حسه العالي في تناول الطبقات المختلفة Layers، ونري ضربات فرشاته شديدة النعومة وتارة أخري نراها شديدة الجرأة والوضوح، تتنوع فيها بالتة ألوانه بين الأزرق المائل إلي السواد واللون البني المائل إلي الحمرة، فهي لون البشرة المصرية، يخضع خلالها أعماله إلي درجات شديدة التعقيد في التراكب والتداخل اللوني لاعبا علي فكرة الإضاءة التي تأتي أحيانا شديدة مباشرة وأحيانا أخري نراها في منتهي النعومة، كما يجيد الفنان في أعماله إظهار التجسيمForm للطبقات القماشية لملابس أبطاله، ونراه في أعماله قد اختار تجسيد الوجه الآدمي البسيط كبطل منفرد في مجمل اللوحة تاركا مسطح اللوحة خلفه بلون بسيط مجرد، وأحيانا ما يزاوجه مع غيره من الشخوص التي تسبح في فضاء لوحاته، كل له دوره المرسوم تتنوع خلالها تعبيراتهم وتختلف أزياؤهم وحركاتهم وتقبع حولهم المباني والمآذن راسمة مجمل اللوحة، أحكم خلالها اختيار تكوين لوحاته وتوزيع العناصر الفنية عليها دون إخلال. وحول تأثيرات ممارسته للرسم والكتابة الصحفية كعمل وظيفي علي أعماله يقول الفنان: العمل في مجال الصحافة يأخذ وقتا كبيرا، لكنني بعد حصولي علي الدكتوراه في الفنون التشكيلية استطعت تحديد أوقات عملي سواء المتعلق بالرسم الصحفي أو الكتابة عن المعارض، بالشكل الذي يتيح لي قدرا أكبر في التفرغ لممارسة عمل اللوحة، والمهم أن يمتلك الفنان الأمانة والصدق وهو أمام عمله سواء كان لوحة أو موضوعا مكتوبا، فقمت بعمل ما أراه أمامي بقناعة كبيرة، لأن العمل الفني لا يؤثر منفردا بل هو جزء من مجموعة كاملة من عوامل التأثير الروحي التي يجب أن يندمج بها، وهذا الاندماج يكون أفضل بمقدار ما يعي الفنان جزئية مهمته. يذكر أن الناصر حصل علي بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم التصوير 1979، ثم دبلوم الدراسات العليا 1981، وناقش رسالته في الماجستير عن مقومات الصورة الشخصية في المدرسة التعبيرية عام 1990، ثم حصل علي الدكتوراه في الصورة الشخصية وأبعادها والاجتماعية والنفسية في التصوير المصري القديم والحديث عام 2001 .