رغم تأكيده في بداية الندوة أنه لا يحب المحاضرات ولا الموضوعات الأكاديمية والنظرية، وأنه سيتحدث في دقائق قليلة ويترك باقي وقت الندوة للمناقشة، لم يترك المترجم الإسباني بدرو مارتينيث دقيقة واحدة للمداخلات، بعدما استهلكت كلمته حول "الموريسكيون وحوار الحضارات" الوقت كله. تحدث مارتينيث عن موضوع طرد الموريسكيين من إسبانيا قائلا: كان طرد المسلمين من إسبانيا بمثابة بتر ذاتي وجريمة داخلية ضد المواطنين، فقد طردوا إسبانيين يوجدون منذ قرون، مما عرقل تكون مجتمع تعددي ومتسامح، كان من الممكن أن يكون نموذجا للمجتمعات الأخري. ثم قال مارتينيث عن أصل كلمة "موريسكوس" لا نعرف إن كانت إسبانية أم لا، فحتي كلمة إسبانيا دخيلة علي اللغة الإسبانية لأنها من أصل فرنسي، لكن من هم الموريسكيين: إن التسمية تنطبق علي الجماعات الإسلامية التي بقيت إسلامية منذ سقوط غرناطة في نهاية القرن ال15 الميلادي وحتي بداية القرن ال17 الميلادي، التي كانت تسكن في مناطق مختلفة، لكن لماذا تغيرت التسمية؟ لا نعرف ما هي الإجابة الدقيقة عن هذا السؤال، وهم من ناحية العقيدة كانوا مسلمين ومن الناحية غير الدينية كانوا ينتمون للبلد الأصل لهم إسبانيا، وبالتالي كانت لديهم هوية مزدوجة، أو ما نسميه بلغة الأصل الهوية المدنية. وتساءل مارتينيث: أين ذهبت تلك الجماعات من أصل إسباني، فعدد الموريسكيين الذين طردوا من شبه الجزيرة الأيبيرية كانوا تقريبا 300 ألف يشكلون نسبة 7.8% من سكان إسبانيا، وهذا الشتات والهجرة الموريسكية اتجهت إلي مناطق عديدة ليس إلي المغرب فقط، فقد ذهب إليها العدد الأكبر بشكل خاص تونس والمغرب، وعدد منهم ذهبوا إلي المشرق في مصر وسوريا والجزيرة العربية وعدد ذهب إلي الغرب واستوطنوا في ألمانيا والنمسا وإيطاليا وبولندا، وعدد قليل هاجر إلي أمريكا الشمالية والجنوبية، الموريسكيون جزء من الذاكرة المتوسطية المشتركة، ولديهم عدد من الشخصيات البارزة المعروفة حتي الآن من المثقفين الموريسكيين مثل خوان ليون أفريكان الذي عاش في إيطاليا ومنها إلي تونس والمعروف لدينا بالحسن بن محمد الوزان، وقد كتب موسوعة إفريقيا باللغة الإيطالية وترجم فيما بعد للغات الغربية الأخري كما ترجم إلي العربية في المغرب، وفيه يتكلم عن جميع بلدان المغرب: تونس، الجزائر، المغرب حتي مصر، ووصف فيه النبات والحيوان والمجتمع وغيرها، وهناك موريسكي آخر هو أحمد بن قاسم الحجري الذي ولد في 1570 وترجم لبعض المؤلفين العرب والإسبان في العصور الوسطي". وتابع: في العام الماضي نشر بإسبانيا كتاب مهم جدا لباحثة أمريكية معروفة اسمها لوثي بارال بعنوان " الأدب السري لأواخر المسلمين بإسبانيا" أشارت فيه إلي المخطوطات عن السحر وعن الثروات المسمومة والطلاسم والتعاويذ التي تركها الموريسكيون، كما أشارت إلي رواية نموذجية ألفها موريسكي هاجر إلي تونس وينقل فيها أعمالاً لثربانتس وكذلك يأخذ من الكتاب العربي إحياء علوم الدين، وبالتالي نري كيف أنهم جمعوا بين التراث الغربي والشرقي". وأكد مارتينيث: أكثر ما يهمني هو التأمل والتفكير في طرق التفاهم والتعارف المتبادل بين العالم، فيما تعارف عليه بأنه الشرق والغرب وهي تسمية خاطئة، فأنا لا أستطيع أن أقول من هو الشرق أو الغرب، فأنا إسباني غربي لكنني أيضا أنتمي للقطعة العربية التي تمتد من المحيط إلي الخليج، وبالتالي أنا مزيج من الشرق والغرب".