أشرنا في مقال الأمس إلي رد الرئيس حسني مبارك علي الصحفي الألماني الذي سأله عن مدي حاجة الشعب المصري إلي بطل.. وإشارة سيادته إلي أن الشعب المصري لا يحتاج إلي أبطال من الخارج لأنه هو البطل.. وقد استعرضنا بعض النماذج التي تشير إلي عبقرية الإنسان المصري البطل عبر التاريخ، واليوم نحاول أن نتلمس هذا المعني في فكر الرئيس مبارك، ومدي سيطرة هذه الفكرة عليه. وبداية، فقد يكون لانتماء الرئيس مبارك إلي العسكرية المصرية دوره في ترسيخ هذه الفكرة عن بطولة الشعب لدي سيادته، وفي تعميق جذورها.. فالعسكرية المصرية، التي هي جزء من الشعب، قد أثبتت تفوقها، وأثبت رجالها أنهم أبطال في مواقع عديدة.. والعسكرية المصرية هي موضع فخارنا الدائم، ومصدر ثقتنا وحرية قرارنا. اعتقاد الرئيس حسني مبارك في بطولة الشعب المصري كان هو دافعه لاتباع سياسة المصارحة والوضوح في جميع السياسات التي يقوم بها، دون تزويق أو خداع.. ففي بداية توليه المسئولية، عقد مؤتمراً اقتصادياً موسعاً لدراسة حالة الاقتصاد المصري، وعرض علي الشعب مجمل الوضع الاقتصادي السييء بكل أبعاده وجوانبه.. لم يجنح الرئيس نحو سياسة إخفاء الحقائق عن الشعب.. ولكنه كان صريحاً وواضحاً مع الشعب البطل.. الذي لا يجب أن يخفي عليه شيء من شئونه.. فالشعب البطل يجب أن يكون مشاركاً في كل أموره ومشاكله.. اعتقاد الرئيس مبارك في بطولة الشعب المصري دفعه إلي عدم اتباع سياسات التنويم، أو الخداع الزائف في معالجة القضايا الداخلية .. لم يطلق الرئيس مبارك وعوداً زائفة ، أو يغازل الشعب بكلمات معسولة تستهوي البعض، وتخلق لدي صاحبها بطولات زائفة.. فما أسهل أن تتاجر بالشعارات مع الشعب، ومع أسهل وما أجمل أن يتم تنميق الخطب ، وبث روح الحماسة في كل حرف من حروفها.. ولكن الرئيس مبارك كان واعياً بأن هذا الشعب قد تجاوز مرحلة الطفولة التي تعيش فيها كثير من الشعوب، وأنه شعب بطل يجب احترام نضجه، ويجب صيانة كرامته. اعتقاد الرئيس مبارك في بطولة الشعب المصري دفعه إلي التمسك بكل ذرة في تراب هذا الوطن، وفي العمل علي صيانة حدود الوطن.. ولعل مفاوضات طابا تعكس هذا المعني وتبرزه، ولعل مشكلة حلايب وشلاتين تؤكد ذلك أيضاً.. فالشعب البطل لا يقبل التفريط في ذرة من ترابه، ولا يقبل الهزيمة أياً كانت شكلها أو مجالها. واعتقاد الرئيس مبارك في بطولة الشعب المصري هو الذي دفعه لأن يصون حرية التعبير، وأن يزيد من مساحة الديمقراطية، وأن يحمي كل صاحب قلم ، وكل صاحب رأي.. فالأبطال لا تُكمم أفواههم، والشعب البطل لا يتم ترهيبه وإسكاته، وإنما يتم الاستماع إلي كل كلمة يقولها، وكل إشارة يبديها. واعتقاد الرئيس مبارك في بطولة الشعب المصري هو الذي دفعه إلي اقتراح تغيير الدستور، بحيث يكون للشعب البطل الحق في اختيار رئيسه بالاقتراع المباشر، لأول مرة في تاريخه، وأن يكون صوت الشعب هو الفيصل في الانتخابات.. فلا وصاية علي ناضج، ولا إجبار علي بطل . ولا شك في أن كون الرئيس بطلاً في حد ذاته، قد دفعه لأن يقدر البطولة في شعبه، وأن يعمل علي صيانتها.