في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس حسني مبارك مع المستشارة الألمانية ميركل، بالعاصمة الألمانية بون يوم الأربعاء الماضي.. سأله أحد الصحفيين الألمان عن سر ترحيب الشعب المصري بعودة البرادعي، وعما إذا كان ذلك يعبر عن حاجة الشعب المصري إلي بطل قومي.. فأشار الرئيس مبارك بقوة إلي أن الشعب المصري لا يحتاج إلي أبطال.. ببساطة شديدة لأن الشعب المصري هو البطل الحقيقي. وعلي قدر السرعة التي أبداها الرئيس مبارك في الرد ، كانت القدرة علي تلخيص سر خلود المصريين، في حين اندثرت دول وشعوب كثيرة، وسر الاستمرارية التاريخية، علي الرغم من كثرة المحن والمصاعب التي مر بها المصريون.. السر يكمن في أن الشعب المصري لا يحتاج إلي أبطال يهبطون عليه من السماء، ولا يتوقف علي أساطير تأتيه من الخارج، فهو في حد ذاته البطل، وهو في نفسها الأسطورة . وإذا كان هيرودت يقول إن مصر هبة النيل، إشارة إلي الدور الذي لعبه نهر النيل كبطل في قصة مصر التاريخية، فإن الشواهد تشير إلي أن مصر هي هبة المصريين. فنهر النيل يمر بدول عديدة، ويمر ببلدان متعددة، ولكن لم تقم علي ضفافه حضارة إلا في مصر.. ونهر النيل أكثر ماءً وأكثر تدفقاً في جنوبه، ولكن لم تتم الاستفادة منه حضارياً إلا في شماله في مصر.. ونهر النيل أكثر اتساعاً وأكثر تسطحاً في الجنوب، ولكن لم يتم اكتشاف عبقريته إلا حيث يضيق، وحيث تقل مياهه في الشمال.. العبقرية حدوتة مصرية، صنعت بأيد مصرية، وتمت رواية تفاصيلها بألسنة مصرية، وتم تمثيل أدوارها بممثلين مصريين.. الحكاية أيها السادة اسمها مصر وشعبها.. شعب لا تزيده المصاعب إلا رسوخاً، ولا تزيده المحن إلا شموخاً. الشعب المصري تكوين فريد.. وليست آلاف السنوات التي مرت بها حضارته إلا طبقات وتراكمات حضارية.. كل طبقة تحدث تأثيرها في تفكيره، وكل طبقة تضيف إليه قوة، وتفرداً، ومذاقاً خاصاً.. ليست مجرد سنوات مثل التي يعيشها الفرد، ولكنها نقوش علي جدار الزمن الصلب، وهي أعمال منحوتة في قلب الحياة، وفي أعماقها. لقد مرت علي الشعب المصري لحظات ظن الآخرون أنها كفيلة بالقضاء عليه، وأنها ستؤدي لا محالة إلي اندثاره.. ولكنه في كل مرة يثبت أنه أقوي من كل المحن، وأشد من كل الخطوب . نعم.. إن الشعب المصري هو البطل الحقيقي.. هو الذي يصنع الأبطال، وهو الذي يسقطهم.. وهو القادر علي إدهاش الآخرين دائماً بعبقرية الخلود الكامنة فيه.. لقد كشف الرئيس مبارك في هذه المقولة عن طريقة فهمه للشعب المصري.. ولنا غداً تعليق علي تأثير هذا الفهم علي طريقة تعامله مع شعب مصر البطل.