الذي اضطرني لفتح هذا الملف الصعب، وأنا بكل هذا الجهل السياسي، هي الصحفية الألمانية التي سألت السيد الرئيس، أتم الله عليه شفاءه، خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده الرئيس مبارك مع المستشارة الألمانية ميركل بمقرها «ما إذا كانت مصر تعامل البرادعي كبطل قومي؟ فرد عليها قائلا: إن مصر ليست بحاجة إلي بطل قومي، لأن الشعب المصري بأكمله هو البطل القومي، وبصراحة: أنا لم أستطع أن أحدد ما الذي دعا الصحفية الألمانية إلي استعمال لفظ «البطل القومي» وصفا للبرادعي، هل هو الاستقبال الشعبي في المطار؟ هل هو الالتفاف حوله من مختلفين في أمور كثيرة إلا التعلق بأمل التغيير، والبحث عن بديل واقعي محتمل؟ يا تري ما الفرق بين «الزعيم» و«الرئيس» و«البطل القومي» لشعب ما؟ عشت مع النحاس باشا زعيمًا، ومع عبدالناصر بطلاً قوميًا، ومع السادات رئيسًا يحلم بزعامة لم يحققها إلا جزئيًا بعد الحرب ثم الاغتيال، حققها بشقيها السلبي والإيجابي معًا، كمواطن عادي رحت أنكش في ذاكرتي لأتفهم السؤال والرد أكثر: ماذا كان الرئيس - شفاه الله وعافاه- يعني حين قال: إن الشعب ليس في حاجة إلي بطل قومي، سؤال داخلي: إيش عرفه حاجتنا بهذا اليقين نيابة عنا؟ رددت ناهرًا: هو أدري علي أي حال. مثل هذا التعبيرات، «الشعب هو البطل القومي» «الشعب هو القائد» تستعمل في الأزمات كشعارات ليس لها تفعيل علي أرض الواقع: بعد كارثة 1967 تردد مثل هذا الكلام في مواجهة مظاهرات الاحتجاج قبيل صدور بيان 30 مارس، ثم صدر البيان، ثم استغني المسئولون عن خدمات الشعب برمته، حتي عاد يتنفس الصعداء من خلال حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر، ثم عادوا فاستغنوا عن خدماته مرة أخري، ولم يعد الشعب قائدًا ولا بطلاً قوميًا، ولا حتي ناخبًا فاعلاً. في تصوري أنه لم يعد هناك مكان لما يسمي البطل القومي في العصر الحديث، ولا حتي مكان لما يسمي الزعيم، قد يقوم أحد الرؤساء أو القادة بدور فذ في أزمة ما، أو قد يفرض آخر نفسه بألعاب إعلامية قصيرة العمر لفترة أقصر، وقد يكون هذا أو ذاك نائبًا عن ناسه أو مفروضًا عليهم بألاعيب موقوتة المفعول، لكن كل هذا أصبح هو الاستثناء: خذ عندك أمثلة معاصرة مثل شافيز، وكاسترو، وربما القذافي، وحسن نصر الله، وصنفهم أنت كما تشاء، لكنك سوف تكتشف أنه بغض النظر عن التصنيف، أنها أصبحت صفة «بعض الوقت». في ظل أغلب نظم الحكم السائدة، وتراجع الثورات الرائدة، يبدو أنه لم يعد ثم مجال لظهور ما يسمي البطل القومي التاريخي الحقيقي، أو حتي الزعيم، لا أوباما، ولا بيرلسكوني، ولا ميركل، ولا ساركوزي، يعتبر أي منهم بطلاً قوميًا، ولا حتي زعيمًا، هم رؤساء لا أكثر، صحيح أن كل واحد منهم قد حاز علي أصوات أغلبية الناخبين التي سمحت له أن يكون رئيسًا يدير دولتهم لصالح من انتخبه، ومن لم ينتخبه علي حد سواء. الظروف التي كانت تفرز بطلاً قوميًا للناس لم تعد متواترة، تلك الظروف كانت تتمثل في حروب التحرير، وفي مراحل التحولات الأيديولوجية الكبري، وما لا أدري، أعتقد - باجتهادي المتواضع - أن الظروف الحالية قد تغيرت من حيث: تراجَع دور الأيديولوجيا في تجميع الناس حول شخص يمثلها، ويمثلهم. تزايدت فرص تواصل الناس مع بعضهم البعض، فلم يعد لكلمة «القومي» نفس التأثير التاريخي السابق. زادت سطوة الإعلام التزييفي وأصبح وظيفته «صناعة الرئيس تفصيلاً بمواصفات تحددها القوي التحتية» لكنه غير قادر علي إقحام شخص بذاته في الوعي الجماعي العالمي الناقد اليقظ، لا زعيمًا، ولا بطلاً قوميًا اتسعت الشبكة اللامركزية للإعلام، «المواقع الخاصة، والفيس بوك، والمدونات،..إلخ» مما خفف من غلبة تزييف الإعلام المركزي والعولمي، وإن كان لم يقدر بعد علي إفراز «بطل إنساني عالمي». فماذا يا تري كان الرئيس يعني حين أجاب الصحفية العالمية أن الشعب هو البطل القومي. دعونا ندعو مكررًا لرئيسنا بتمام الصحة، والعودة الحميدة إلي شعبه الجميل الوفي المسامح الذي دعا ويدعو له بالسلامة، بحق، بغض النظر عن موقفه منه. هذا شعب كريم، يستحق أن يوصف بما هو أدق، شعب جميل نبيل مسامح صبور. ما نحتاج إليه هو «المشروع القومي»، وليس البطل القومي، ولن يكون المشروع قوميًا بحق في ظروف التحديات المعاصرة فإن كان جزءًا من «المشروع الإنساني العالمي الجديد»(وليس العولمة المشبوهة). ولهذا حديث آخر..