لماذا تحدث مبارك لأول مرة عن البطولة والقومية؟ البرادعي ربما لولا سؤال الصحفية الألمانية للرئيس مبارك حول محمد البرادعي، لما سمعنا الرئيس مبارك ينطق بكلمة «البطل القومي» أبدًا، وهو لم يبادر بها «بطبيعة الحال»، بل سألته الصحفية أثناء لقائه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عما ما إذا كان المصريون ينظرون للبرادعي بوصفه بطلا قوميًا، أجاب الرئيس علي سؤال البطل القومي بنفيه «مصر لا تحتاج إلي بطل قومي»، وعلي الرغم من أنها إجابة تتسق تماما وأسلوب الرئيس وتاريخه وطريقة حكمه، الأسلوب النابع من آداب المصري الموظف لا المصري المغامر، فإن الرئيس سرعان ماتابع إجابته ليربكها عندما قال «الشعب المصري بأكمله هو البطل القومي»، إذن لا يرفض الرئيس نظرية البطل القومي من أساسها، هو فقط يسبغها علي الشعب كله دون أن يشرح كيف؟ هل الشعب المصري هو البطل القومي لأنه تحمل الكثير من الإصلاح الاقتصادي دون جدوي، الكثير من الركود السياسي دون أمل، الكثير من الزمن دون تغيير؟ لن يشرح الرئيس ولن يشرح، إذ إن الجواب علي قدر السؤال، والمؤتمرات الصحفية في الخارج مهما كثرت فهي قليلة، والرئيس - أي رئيس - غير ملزم بأي إجابة إلا أمام شعبه، ولكن الشعب الذي لا ينتخب لا يعد «شعبًا» بالمفهوم الديمقراطي، وإنما هو جمع من الرعايا، أو «عالم مجموعين» كما يقولها زياد الرحباني. بالطبع فإن تصور «شعب من الأبطال» هو تصور أقرب لملاحم الأغاني الوطنية، أما البطولة كمفهوم فهي ترتبط بالفرد في الأساس لأنها تميزه عن البقية، وقد يكون الإنجاز الفردي معبرا عن جماعة «كما في الألعاب الرياضية مثلا»، ينطبق ذلك علي الفن والأدب والرياضة، فنحن نقول «بطل الرواية» و«بطل الفيلم» و«بطل أفريقيا»، والمتأمل لعصر الرئيس مبارك، لا بل حتي المتابع البسيط لذلك العهد يلاحظ أنه عهد قتل البطولة كمفهوم، هو العهد الذي انتشرت فيه أكثر من أي وقت مضي ظاهرة إبعاد مسئولين كبار أو صغار لمجرد أنهم اكتسبوا بعض الشعبية، وبغض النظر عن مدي صحة الربط بين هذه الشعبية وبين ابتعاد أو إبعاد هؤلاء، مثل عمرو موسي أو أحمد رشدي، عبد السلام المحجوب وأحمد جويلي وغيرهم كثيرون، فإن الأهم هو مدي قوة هذه الفكرة وهذا الربط في عقول الناس، وهو ربط لم تحاول السلطة أن تبرره أو تنفيه، الأمر الذي يزيد من تأثيره وتأكيده. بالطبع فإن كل عهد سابق علي الرئيس مبارك مورست فيه الضغوط ضد المعارضة وضد الشخصيات التي تشكل تهديدًا شعبيًا للرئيس سواء من داخل النظام أو خارجه، لكن عهد الرئيس مبارك «يتميز» بأن الرئيس نفسه لم يطرح نفسه في صورة «البطل» أو «الزعيم» علي طريقة سابقيه، وإنما اعتمدت دعاية النظام علي تصوير الرئيس في صورة «الحكيم» الذي لا يستسلم للانفعالات.. إلخ، وبالتالي فإن إبعاد «الأبطال» المحتملين لا يقتصر علي نفيهم أو سجنهم أو محاربتهم سياسيًا، بل يعتمد بالأساس علي تدمير فكرة «البطل» من أساسها، وتصوير كل متمرد أو مغاير أو منافس علي أنه يطلب الشهرة أو ينفذ أجندة خارجية أو حتي مجرد «حنجوري» لا يقدر متطلبات حكم الدولة من «حكمة» ومن «استقرار». الطريف أن يأتي السؤال والإجابة حول البطل «القومي» في العهد الذي حوربت فيه فكرة «القومية» بأقصي قوة ممكنة، حتي أن منتخباتنا الرياضية تحول اسمها إلي المنتخبات «الوطنية»، وبخلاف مشروع الرقم «القومي» فقد تم استيراد كل المفاهيم والأقاويل والشعارات التي تصب في مصلحة ذلك علي غرار «مصر أولا»، إلي أن أصبحت مصر معزولة عن سياقها عربيا وقاريًا، مع تمسكها العجيب بلقب الشقيقة الكبري، وكأن «الكبري» هنا تعني عدد السكان أو سنوات التاريخ، البطل القومي «حتي لو كان شعبا كاملا» يحتاج إلي «قوم» كي يكون بطلهم، وإلا كان بطلا علي نفسه!