لماذا أصبح من النادر أن نجد مشاركات قبطية ملحوظة داخل الأحزاب السياسية؟!.. وهل عجزت الأحزاب عن ترسيخ فكرة "المواطنة" لدرجة جعلت العديد من الكوادر تحجم عن المشاركة بها؟!.. هل الحزب الوطني هو السبب؟! هل استحوذ علي أغلب الكوادر القبطية لنفسه؟! ثم لماذا يبدو في كثير من الأحيان أن الأحزاب غير قادرة علي المبادرة؟! هل تفتقر للرؤية أم أن شرائح المجتمع أيًا كانت ديانتها تفضل اللجوء إلي المركز الذي تراه أكثر أمانًا؟! كرهت أن تدخل فيما تعتبره رهانًا سياسيًا خاسرًا؟! هذه الأسئلة حملناها لقيادات الأحزاب السياسية المختلفة لنرسم معهم بالأرقام والأسماء خريطة المشاركة القبطية في الحياة الحزبية المصرية. ولن نتدخل من جانبنا في رسم الصورة.. فالأرقام هي التي ستتحدث.. ففي الوقت الذي مثل فيه حزب "الغد" الليبرالي أكبر تمثيل عددي للأقباط داخل هيئاته القيادية، نجد أن هذا التمثيل يضم فقط خمسة أعضاء يمثلون 5 ٪ من إجمالي أعضاء هيئته العليا هم: نجيب جبرائيل وفوزي جيمس هيدرا نائبا رئيس الحزب ورضا فانوس مساعد رئيس الحزب، ومجدي فكري أمين الإعلام وفايز بطرس رئيس لجنة فض المنازعات، بينما لم يتجاوز إجمالي حجم العضوية القبطية نسبة 8 ٪! وفي حين ضمت الهيئات القيادية لحزب مصر العربي الاشتراكي عضوين قبطيين فقط مقابل 38 عضوًا هم: رفعت إمام ميخائيل وإبراهيم بطرس، نجد كذلك أن الحزب الجمهوري الحر لم يخرج كثيرًا من نفس النطاق، إذ ضم عضوين فقط في أمانته العامة هما: حلمي جرجس وبهجت محروس من إجمالي 15 عضوًا.. بينما لم يضم المجلس الرئاسي سوي عضو واحد فقط. وفي حزب الجيل لم تتجاوز نسبة المشاركة الفاعلة داخل الحزب 5 ٪ مقارنة ب95٪ من المسلمين، رغم أن حجم العضوية الرسمي يضم ما يقرب من 10 ٪ من الأعضاء. أما بالنسبة للمواقع القيادية بالحزب، الناتجة بدورها عن حجم التفاعل السياسي الداخلي، فتضم الهيئة التنفيذية العليا كلاً من جمال صموئيل، وأشرف حليم أمين المهنيين فقط. ومقارنة بحزب الجيل، اتسم الحزب الدستوري الاجتماعي الحر بمعدل تمثيل قبطي "علي المستوي القيادي" مرتفع نسبيًا، إذ تضم الهيئة العليا للحزب إلي جانب ممدوح رمزي نائب رئيس الحزب كلاً من كمال حليم وعصام أيوب بشارة، ومنير نسيم سلامة. أي أن معدل التمثيل القيادي كان حوالي 18 ٪ من إجمالي قيادات الحزب "4 أعضاء مقابل 18 عضوًا"، رغم أن حجم العضوية الكلية بالنسبة للأقباط لم يتجاوز 15 ٪ من إجمالي أعضاء الحزب. وفي حين لم يتجاوز حجم العضوية القبطية في الحزب الاتحادي الديمقراطي، العائد - مؤخرًا - للحياة السياسية 8 ٪، ضم الحزب في مواقعه القيادية كلاً من: د. سوزان فؤاد أمينة المرأة المساعدة ولويس جورج بالهيئة العليا وجاكلين منير أمينة الإعلام. نفس نسبة العضوية تقريبًا "8 ٪" تكررت داخل حزب الإصلاح والتنمية، إلا أن المواقع التنظيمية القيادية المستقر عليها، حتي الآن 10 مواقع لم تحظ سوي بمشاركة قبطية واحدة، إذ شغلت جورجيت عدلي فقط، موقع أمين منظمات المجتمع المدني. بينما لا يوجد بحزب "شباب مصر" سوي صموئيل عادل سمعان الذي يشغل موقع أمين الإعلام بأمانة منفلوط، وهي الأمانة التي قال عنها أحمد عبدالهادي رئيس الحزب إنها تحظي بأعلي تمثيل قبطي داخل حزبه، رغم انخفاض نسبة الأقباط بشكل ملحوظ داخل هذه الأمانة نفسها. قال حلمي سالم رئيس حزب الأحرار إن نسبة الأقباط داخل الحزب تقترب من 15 ٪ من حجم العضوية، إلا أن هناك تشكيكات داخلية في صحة هذا التقدير من داخل الحزب! ولم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لحزب الكرامة "تحت التأسيس" الذي يشغل موقع وكيل المؤسسين الحالي له أمين اسكندر، إذ إن نسبة الأقباط لم تتجاوز 1 ٪ من إجمالي عدد المؤسسين. وفي حزب الشعب، رغم وجود أمانات له بمناطق ذات تركز قبطي مرتفع نسبيًا، مثل سوهاج والأقصر وأسوان، إلا أن حجم العضوية القبطية لم يتجاوز ال5 ٪ من إجمالي عدد الأعضاء، وهو ما انعكس بدوره علي تضاؤل تمثيلهم داخل التشكيلات التنظيمية للحزب. وبحسب عبدالمنعم الأعصر، لا تتجاوز العضوية القبطية داخل الخضر نسبة ال10٪ نظرًا لما اعتبره من أن هناك عدم ثقة قبطية كبيرة في مصداقية ما تقوله أو تفعله الأحزاب.. وهو ما انعكس بدوره علي انسحاب نبيلة ميخائيل من الحزب وهيئته العليا، ليبقي فقط منير رزق الله أمين الحزب بالإسكندرية، كقبطي وحيد داخل التشكيل القيادي للخضر! وكانت ميخائيل تمثل ميزة نسبية للحزب، إذ كانت تشغل في وقت سابق موقع سكرتيرة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. من جانبه علق ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل علي تراجع إحصاءات ومؤشرات المشاركة قائلاً إن هناك عزوفًا ملحوظًا علي المشاركة السياسية من قبل العديد من الأقباط، وليس جميعهم، رغم ما يبذله حزبه من تحركات وصفها بالمكثفة، لعرض برامجه علي العديد من رجال الدين المسيحي والنخبة المثقفة، وذلك من خلال العديد من الاحتفالات الخاصة بأشقاء الوطن إلا أن النسبة مازالت "متدنية" رغم هذا وتحتاج في كثير من الأحيان لمحاولات إقناع تتجاوز قدراتنا! وحمل ممدوح قناوي رئيس الحزب الدستوري الاجتماعي الحر الأحزاب السياسية مسئولية انخفاض نسبة المشاركة القبطية.. وقال قناوي إن برامج الأحزاب فارغة المحتوي ولا تتجاوز ال20 أو ال30 صفحة دون مغزي، وهو ما حاول -علي حد وصفه- أن يتجاوزه في برنامج الحزب الدستوري، الذي أراد من خلاله أن يتميز بالشمولية لمفاهيم الإصلاح وهو ما أسفر نسبيا عن تواجد قبطي معتدل عبر شرائح مختلفة، وذلك في إطار إمكانيات الحزب! وبينما أشار حسن ترك رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي إلي أن هناك مميزات يتسم بها الأقباط في الممارسة السياسية منها الكفاءة والحرص علي ممارسة أدوارهم بجدية. علي العكس من باقي القيادات شدد محمد أنور عصمت السادات وكيل مؤسسي حزب الإصلاح والتنمية علي ضرورة خروج الأقباط من حالة العزلة التي وقعوا فيها لأنهم أكثر الناس قدرة علي مواجهة مشاكلهم وقضاياهم بعيدا عن نظرية التكتلات والاستسلام لمزاعم "مهجرية".. ترسم أمامهم صورة قاتمة للواقع.. رغم أنهم هم من يعيش هذا الواقع وأقدر وأجدر لتفسيره وتحليله، مما يمكنهم من الانخراط في الوسط السياسي بشكل أكثر جدوي، مطالبا القيادات الكنسية بأن تستمر في دعم المشاركة السياسية والحزبية بشكل واسع لترسيخ مفهوم الديمقراطية والمدنية. في الوقت الذي قال فيه أحمد عبدالهادي رئيس حزب شباب مصر إنه يكثف من الدور الذي يقوم به حزبه في محافظات الوجه القبلي لحث الأقباط علي المشاركة السياسية بصورة أكبر، ودفعهم نحو القيام بدورهم السياسي علي المستوي الحزبي، لفت أمين إسكندر وكيل مؤسسي حزب "الكرامة"، إلي أن هناك العديد من المعوقات التي تصادف المشاركة السياسية للأقباط.. وهي ظروف تتنوع بين اتجاهات سياسية وأخري اجتماعية، منها علي سبيل المثال تنامي تيار الإسلام السياسي، الذي كان أبرز تداعياته صعود جماعة الإخوان "المحظورة" في الانتخابات البرلمانية الفائتة وحصولها علي 88 مقعدًا داخل مجلس الشعب.. الأمر الذي خلق في المقابل حالة من القلق القبطي دشنت ورسخت لنمو مفاهيم العزلة السياسية! ووصف د.حسام عبدالرحمن رئيس الحزب الجمهوري الحر تمثيل الأقباط داخل الأحزاب السياسية، بأنه تمثيل شرفي، لأن الحزب الوطني بوصفه الحزب الحاكم هو أكثر الأحزاب جذبا للأقباط.. ويحجمون في المقابل عن المشاركة بالأحزاب الأخري بإرادتهم.. فالمناخ السياسي في مصر مفتوح أمام الجميع، رغم أن التجربة الحزبية في حد ذاتها مليئة بالسلبيات. وبينما قال وحيد الأقصري، رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي، إنه برغم ارتفاع الكثافة السكانية للأقباط بمنطقة شبرا إلا أنهم يترشحون بالكثافة نفسها داخل دوائرها لأن هناك حالة من الإحجام السياسي بالفعل عند قطاع عريض منهم، شدد موسي مصطفي موسي، رئيس حزب "الغد"، علي أن مبادئ أي حزب ليبرالي تحافظ علي قيم المواطنة وضمان حقوق الأقباط، مبديا استنكاره لتراجع قطاع عريض من الأقباط عن المشاركة السياسية والحزبية في الوقت الحالي.