وجد المشاركون في ندوة "أجيال القصة" التي استضافها "المقهي الثقافي" في الحديث عن تجاربهم الإبداعية فرصة لاجترار الذكريات والحنين للماضي، خاصة القرية التي ترفض ذكرياتها مغادرة أغلبهم، ويري سعيد الكفراوي الذي شارك بالندوة مع كل من جار النبي الحلو وسعيد الكفراوي ومنتصر القفاش ونسمة إدريس، وأدارها يوسف الشاروني، أن مهمة الكاتب أن يكتب لا أن يتكلم عن تجربته، وأن يحاول أن يخلق لنفسه ولعمله الفني خصوصية، مؤكدا أن 12 كتابا من أعماله تعرض لتصوراته وتساؤلاته حول تلك العوالم الأسطورية، التي فجرتها لديه القرية. وقال: نبدو ككتاب وكأننا لا موقف لنا تجاه ما يحدث، ولا دور لنا، والحقيقة خلاف هذا تماما، فالكتابة في مصر واكبت، عبر مشروعها، ما يحدث من تعبيرات داخل الوطن، تحسست مناطق الخراب، وتورط الكتاب بشكل أو بآخر في العمل السياسي، مثال نجيب محفوظ، الذي كان دوما يؤكد علي أن رأيه في السياسة موجود في رواياته، كما أن الكثير من كتابنا وشعرائنا تنبأوا بهزيمة 67 منهم الشاعر أمل دنقل وقصيدته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة". وباختصار شديد تحدث علق جار النبي الحلو عن تجربته قائلا: لقد أحببت يوسف إدريس وعشقته تماما كالنجوم، فبمجرد أن قرأت له تغيرت الدنيا بالنسبة لي، وأصبح هو وتشيكوف عالمي الخاص، ونافذتي علي العالم ومرشدي الذي فتح لي كل الأبواب المغلقة، وعلق علي الوضع الحالي قائلا: نحن نعيش الآن في ظل فقر الفكر، وفكر الفقر. وعن تجربته قال منتصر القفاش: والدي كان دائما يردد الشعر الذي حفظه في كلية أصول الدين، وهذا السبب الشخصي جعل علاقتي بالشعر قوية جدا، أما علي المستوي الأدبي فإني أري أن مجموعة "الرقصة المباحة" ليحيي الطاهر عبد الله كانت اكتشافا بالنسبة لي، من حيث القدرة علي السرد بكثافة عالية في الأحداث والدلالات، كما أنه في كثير من مقالات يحيي حقي تجد أن المقالة تبني بشكل قصة قصيرة، حيث كان يحاول أن يكتب قصة قصيرة، وأن يفكر في نفس الوقت مع القارئ في الفكرة أو القضية التي يقدمها، ثم جاءت مرحلة أخري مع بداية تعرفي علي كتابات الأرجنتينيين بورخيس وبورتس، حيث كانت أعمال الأول تجعلني أتوقف قليلا لأعيد النظر في طبيعة الكتابة، حيث العلاقة بين السرد والفلسفة حميمة جدا، أما الثاني فقد جعلني أكتشف فكرة أن تحكي حدثا عاديا جدا يبدو مألوفا لنا جميعا، بأسلوب يجعله يبدو عجيبا، تلك الطريقة في الكتابة أثارتني وكانت السبب في كتابتي كتابي "شخص غير مقصود". واعترف القفاش أنه يميل لفكرة الكتاب القصصي، ذلك الكتاب الذي يجمعه تيمة واحدة، يستطيع القارئ النظر لها من زوايا مختلفة، وكشف أنه مشغول في هذا الوقت بمجموعة قصصية بها نفس سمة التيمة التي تجمع القصص، وملمح حكي الغرابة عبر حكاية تبدو عادية. ولفت إلي وجود علاقة ما، تحتاج إلي تأمل من النقاد، بين القصة القصيرة والرواية، خصوصا في الروايات التي صدرت في الثلاثين عاما الأخيرة، حيث تحتوي الكثير من الروايات علي قصص منفصلة. نسمة إدريس أيضا عبرت عن افتقادها لجو القرية الحميمي، الذي وصفته بأنه موح للغاية، يدفع الإنسان لتذوق الفن والتفكير في حياته، وعبرت عن ضيقها من الهدوء والجمود الذي غير موحيا، لدرجة أنها أحيانا تضع نفسها في مآزق لا تنتمي لها، لإيمانها بأن الهموم موحية جدا، والمعاناة تدفع الإنسان للخروج منها بالإبداع، وتري أن الكتابة هي لحظات الصدق التي تعيشها، وأنها وحدها القادرة علي أن تزيل الأقنعة.