هذه هي الصيغة الأخيرة التي اقترحها المبعوث الأمريكي ميتشيل علي الرئيس الفلسطيني لحلحلة الموقف المتجدد علي الصعيد الفلسطيني الإسرائيلي، الناجم عن رفض الإسرائيليين تجميد الاستيطان قبل استئناف المفاوضات، الصيغة تقضي بإجراء مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يديرها الوسيط الأمريكي وتدور في مكان واحد.. أي أن يحضر مفاوضو الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في المكان ذاته وأن يتنقل بينهما ميتشيل لإجراء مفاوضات حول حدود الدولة الفلسطينية. هذه الصيغة التي اقترحها ميتشيل قبل أن يترك المنطقة عائداً إلي بلاده لاقت قبولاً إسرائيلياً، خاصة بعد أن سدت السبل أمام استئناف المفاوضات المباشرة في ظل العراقيل الإسرائيلية، وعباس لم يرفضها ولكنه في الوقت ذاته لم يقبلها، إنما رهن قبوله بها بموافقة عربية عليها. والصيغة من وجهة نظر ميتشيل تلبي رغبة الإسرائيليين الذين يتحدثون كثيراً عن العودة إلي المفاوضات مع الفلسطينيين ويمارسون ضغوطاً علي السلطة الفلسطينية في هذا الصدد مع تهديد أبومازن.. وهي أيضا كما يري ميتشيل تراعي اعتراض الفلسطينيين علي العودة إلي المفاوضات بدون التزام إسرائيل بتجميد الاستيطان خاصة في القدس، ولذلك يراهن ميتشيل علي إمكانية الحصول علي موافقة الفلسطينيين عليها. لكن حتي يتم توفير شروط النجاح لهذه الصيغة فلابد أن تقترن بما طالبته الرؤية المصرية لإطلاق المفاوضات، وهي الرؤية التي تقضي بتحديد نهاية الطريق أولاً، أي الأهداف المطلوب تحقيقها من هذه المفاوضات، وهذا يعني أنه يتعين ألا يكتفي فقط بالتفاوض حول الحدود وتجاهل بقية قضايا الحل النهائي أو إرجائها إلي موعد غير معلوم وغير محدد، كما يجب تحديد موعد للانتهاء من المفاوضات الخاصة بالحدود، بحيث لا تتم إلي أجل غير مسمي.. ويجب أن يسبق هذه المفاوضات اتخاذ إسرائيل مجموعة من الإجراءات المهمة التي تساعد في تهيئة الجو المناسب لانطلاق هذه المفاوضات.. إجراءات تقضي بإزالة الحواجز الأمنية الإسرائيلية في الضفة، وضم مناطق جديدة في الضفة إلي سيطرة السلطة الفلسطينية، والإفراج عن عدد مناسب من المعتقلين الفلسطينيين، بالإضافة إلي تخفيف الحصار الظالم الذي يفرضه الإسرائيليون علي غزة. ومصر تري أن المفاوضات ليست هي الهدف أو الغاية، إنما هي مجرد وسيلة لاستخلاص الحقوق المشروعة للفلسطينيين واستعادة الأراضي العربية المحتلة، ولذلك لا يكفي الاتفاق علي مجرد العودة إلي المفاوضات حتي لو كانت غير مباشرة، وإنما يتعين أن يكون معروفاً سلفاً ما ستقضي إليه هذه المفاوضات.. كما ينبغي توفير شروط نجاح هذه المفاوضات، فكيف تنجح أية مفاوضات حول الحدود والإسرائيليون يقررون سلفاً هذه الحدود بقرارات منفردة بما يمكنهم من التهام مساحات شاسعة من الضفة، تضم الكتل الاستيطانية وغور الأردن، فضلاً عن القدسالشرقية. وهذا ما أبلغته مصر بوضوح لواشنطن في إطار رؤية متكاملة لا تقتصر علي مجرد العودة إلي المفاوضات فقط، ولعل هذا ما سمعه ميتشيل مجدداً من وزير الخارجية أحمد أبوالغيط والوزير عمر سليمان حينما اختتم جولته في المنطقة بزيارة القاهرة. والأرجح أن ميتشيل سمع أيضًا في القاهرة حرصها علي أن يكون الوسيط الأمريكي- سواء خلال هذه المفاوضات غير المباشرة أو أي مفاوضات مباشرة تعقبها- نزيهًا وعادلاً وموضوعياً.. فنحن لا نريد أن تتحول صيغة واحد مقابل واحد التي اقترحها ميتشيل إلي صيغة اثنين مقابل واحد!