ظاهرة تهدد مجتمعنا. أو علي الأقل تبطئ تقدمه. وهي بالتحديد غياب الثقافة الاجتماعية.. هي مختلفة تمامًا عن الثقافة بالمفهوم الذي تنشره الصحف والصفحات الثقافية. أنا هنا أتحدث بلغة الناس البسيطة متدرجة التعليم والفهم. غياب الثقافة الاجتماعية يهدد استقرار المجتمع وتقدمه أيضًا. فالملاحظ أن معظم البرامج الاقتصادية أو التجارية وغيرهما تواجه في بدايتها بحملة تشكيك من الكثيرين. والغريب أن كمًا كبيرًا من الشائعات يحيط بأي تحرك تنموي في أي اتجاه وضد أي شخص مهما كان. فمثلاً لو قررت الحكومة بيع شركة أو مصنع نجد حملة التشكيك تبدأ علي الفور وتتطور إلي هجوم بكل ما يتاح من أسلحة وفي المقابل لو تراجعت الحكومة وقررت عدم البيع تطلق حملات التشكيك. فكما قلت تبدأ فور صدوره مباشرة حملة الرفض تبدأ مباشرة متزامنة مع القرار الحكومي وتتشعب الأمر الذي قد يصيب صاحب القرار بعملية ارباك واضح قد يدفعه إلي العودة للمربع الأول أي ما قبل القرار. نحن في مصر لا نتقبل التغيير بسهولة. وينتابنا الشك في كل قول حكومي ولو قالت لنا الحكومة أن الشمس تشرق من الشرق سأجد بيننا من يشكك فيما تقوله حتي لو كان حقيقيًا. من المهم أن نعلم بأن هذا الأمر يضعف من معنويات الوزراء أو المسئولين ويحد من ضخ الأفكار وفي ظل حملة التشكيك والهجوم التي قد تتحول إلي شخصية يفكر المسئول في بلدي ألف مرة قبل أن يقدم علي مجرد تقديم فكرة. تتسابق دول العالم إلي تطوير صناعتها. والبحث عن موارد مالية جديدة لاقتصادها وفي ظل الظروف الصعبة التي تواجه العالم اقتصاديا نجد أن فوز حكومة بلد ما بمشروع بتمويل أجنبي هو انتصار. لأن هذا معناه شهادة حسن سير وسلوك للوضع الاقتصادي القائم. في مصر الناس غير متفهمه للجهد المبذول في شأن تسويق مصر أمام العالم للحصول علي مشروعات بتمويل أجنبي. ونفس الموضوع آراه بشأن المشروعات الحكومية. مشروع الصرف الصحي أو المياه والمستشفيات والطرق والاستصلاح البعض منا لا يتقبل إطلاق المشروعات الكبري ويظل يرفضها ويهاجمها. وحتي في ظل ظهور حقائق تؤكد ضروريتها. الناس في مصر يحتاجون إلي الثقافة الاجتماعية. وهي تعني عندي تنمية الفهم والإدراك لما يحدث حولنا من حركة تنمية وعمران بكل أشكالها. مطلوب الفهم والإدراك لأي تغيرات اقتصادية أو اجتماعية قد تطرأ علي المجتمع نتيجة تطبيق سياسات محددة. الفلاح المصري الذي يحارب عملية تنظيم الري وهو يرفض هنا لغياب الثقافة الاجتماعية بشأن الفوائد التي قد تعود عليه من وراء عملية الترشيد.. وهو هنا يتصور بأن الري بالتنقيط أو بالرش يعني هبوط أو تقليل إنتاجية الفدان وهو أمر غير وارد بالمرة بل عادة اللجوء إلي الطرق الحديثة بشأن الري تؤدي إلي القضاء علي ظاهرة تطبيل الأرض وزيادة حيويتها والقضاء علي ظاهرة اجهادها! وعندما تقول للفلاح من فضلك زراعة هذا النوع من المحصول هو أفيد لك ولأرضك عادة ما نجد معارضة. أمر آخر قد ندركه لو ركزنا بعض الشيء. عندما تقيم الحكومة مجتمعا عمرانيا للطوارئ. نجد السكان يرفضونه وأيضًا قد نجد بعضهم يحصل علي الوحدات الجديدة ويظل مقيمًا في المهددة.. في مشروع تنمية الألف قرية والتي بدأت حكومة الحزب الوطني في تنفيذ خطة لتطويرها وهي القري الأكثر فقرًا الحكومة اهتمت بكل تفاصيل الحياة. لكن هل سكان تلك القري لديهم من الوعي ما يمكنهم من إدارة شئون حياتهم وفقا لشروط المعيشة الجديدة. أمر آخر بخصوص الطرق وإشارات المرور الاليكترونية والسير في الشارع والحوار بين الحكومة والناس وبين الناس بعضهم وبعض. الموظف ورئيسه حتي في داخل بيوتنا. بين الأب وابنه. أجد تداخلاً واضحًا وصراخًا وعويلاً.. والمحصلة أنه لا أحد يهتم بتعلم الثقافة الاجتماعية والتي نجد فيها كل الحلول من أجل مجتمع متطور بتقبل كل المتغيرات باحثا له عن مكانه.. متفاعلاً معها بسرعة دون تعطيل. الثقافة الاجتماعية من خلالها يمكن أن نتعلم المساحات المخصصة لكل منا وأيضًا كيف يمكن أن ننهض بتلك المساحات دون أي تقاطعات مع الآخرين. علي الحزب الوطني وحكومته الاهتمام بتثقيف الناس وأنا هنا لا أقصد التعليم لكن أقصد نشر الوعي والثقافة الاجتماعية شئ مهم جداً .. لأن هذا يخفف من رفضنا لواقع جديد يتبلور مع الظروف والأفكار أو خطط التنمية الجديدة. أنا أعلم جيدًا أن المصريين وأنا واحد منهم غير مهتمين بتعلم ثقافة الأشياء الأمر الذي قد يتيح لنا جميعًا معرفة ما لدينا وأيضًا قيمة ما ينقصنا لذا نعيش عملية مزعجة تتداخل فيها وبينها الأشياء. لا نري الألوان بوضوح الأمر الذي يجعل من التفكير تجاه الموضوعات عادة ما يكون ناقصًا وبالتالي نجد أنفسنا في انزعاج دائم. دول العالم تسعي إلي جذب الاستثمارات الأجنبية. فأي مشروع يقام بتمويل أجنبي في أي بلد هو اعتراف دولي بأن هذا القطر يحمل ضمانات مطمئنة. في مصر الأمر مختلف. بعض العقول ومع الأسف من بينها ما هو رسمي غير مدرك لتلك العملية. وهو عامل مُنفر ليس للاستثمارات الأجنبية بل والمصرية. أسلحته متنوعة ومخربة في صناعة البتروكيماويات بالذات أجد نفسي مغتاظ جدًا عندما اقرأ عما يحدث في السعودية ودول الخليج وغيرها برغم إنها دول غنية ماليًا ولديها موارد إلا إنها لم تكتف بدور الرجل الغني بل تسعي جاهدة لجذب رءوس الأموال الأجنبية للنفع. مصانع البتروكيماويات بدأت تأخذ طريقها إلي السعودية كأحد أهم الاستثمارات والمؤكد أن الثقافة الاجتماعية بشأن المشروعات هناك وضرورة توفير كل الأجواء لتنشيط تلك الصناعة أمر واضح والدليل أن هناك تطبيقًا علي الأرض لهذا المفهوم والمصانع المقامة ومليارات الدولارات المرصودة لدعم هذه الصناعة دليل علي أن المجتمع السعودي وأقصد هنا الناس والحكومة والصحافة وغيرهم لديه وعي وثقافة بأهمية وضرورية تلك الصناعة لاقتصاد بلدهم. في مصر الأمر مختلف تمامًا. أري هناك مجموعة قوية غير متفهمة لمتطلبات المرحلة الحالية من الاستثمار وهي بدورها ما تقاوم! مشروعات البتروكيماويات.. الحكومة بدورها استجابت لتلك المجموعة رافعة شعار الباب اللي يجي منه الريح.. سُده واستريح هكذا خسرنا عشرات الملايين من الدولارات كأرباح وحركة تنمية كان من الممكن أن تقلل من أعداد العاطلين.. وأسأل: هل المجتمع السعودي أكثر منا ثقافة وشعوراً وهل نجح في الفصل بين ما هو وطني وما هو فردي بينما نحن في مصر لم ننجح في ذلك . والثقافة الاجتماعية. أو ثقافة الأشياء تعلمها ليس مسئولية حكومة.. ولا مدرسة وأسرة أو مركز شباب وصحافة وإعلام. وأحزاب. لكن كل هؤلاء معا شرط أن يندرج التعليم هنا تحت لافتة وطنية. فالمعارضة لا يمكنها تقليب المجتمع إلي الأبد. وبرامج التوك شو بالفضائيات مهما حصلت علي جماهيرية نتيجة معارك تتوهم بها إنها ترضي المشاهد. وأيضًا افتقار الحكومة وإهمالها لنشر تلك الثقافة كلها أشياء أري إنها لن تستمر. فالحكومة تخسر الكثير نتيجة فشلها في رضا الناس وهي هنا بالفعل نجحت في بناء بناية شاهقة. لكن لم تنجح في نزع الخوف من الناس نتيجة سقوط هذا البناء.. أزمة الثقة بين المجتمع والحكومة أري أن مصدرها الافتقار إلي غياب الثقافة الاجتماعية.