علي فضائيات عدة، وفي الصحف والمنتديات المتنوعة علي الإنترنت، لا تبدو صورة مصر في محيطها العربي كما كانت، ودون افتئات علي أحد أو محاولة البحث عن مذنبين لتحميلهم المسئولية، تسري كما النار في الهشيم في العالم العربي من الخليج إلي المحيط، أكذوبة مفادها أن مصر العربية الإسلامية، تخلت عن عروبتها لتنفيذ مخططات أمريكية وإسرائيلية. أنا شخصيا أعرف أن هذه الصورة ليست أكثر من فرية، روج لها إعلام مريض، منذ الحرب الإسرائيلية علي غزة، وساهم بشكل كبير في صرف الاهتمام عن الجاني الرئيسي الذي شن العدوان علي غزة، وأمعن في حصارها، إلي تحويل قضية الحصار والحرب علي غزة وكأنها مخطط مصري، أو علي الأقل تلاقي في الأهداف والغايات بين مصر وإسرائيل. لكن شيوع مثل هذه الصورة في العالم العربي يحتاج إلي جهد جهيد لإعادة صورة مصر العربية الحقيقية التي تحتضن قضايا الأمة كلها ودفعت ولاتزال الكثير في سبيل ذلك. ولم يعد كافيا كتابة مقال هنا أو هناك، أو إجراء مناقشة في برنامج تليفزيوني علي التليفزيون المصري أو حتي فضائية خاصة، ففي الغالب الأعم لا نخاطب غير أنفسنا، ولا يشاهدنا الآخرون في العالم العربي من المحيط إلي الخليج.. قد يكون التراجع الإعلامي المصري سببا في ذلك، وهذا صحيح، لكن مصر ليست فقط جهاز إعلام، وإنما هي دولة بها أحزاب وحكومة ومؤسسات بحثية وأساتذة جامعات ونخبة تحتاج الآن أكثر من اي وقت مضي إلي بحث جدي في أسباب تراجع صورة مصر في محيطها العربي، ومن ثم الخروج بتوصيات عملية والعمل علي تنفيذها لتغيير هذه الصورة المشوهة وغير الحقيقية. وخلال أزمة مباراة مصر والجزائر في أم درمان لم يظهر أي تعاطف أو علي الأقل تفهم للموقف المصري، وبدلا من الحديث عن أجواء غير رياضية أحاطت بمباراة كروية، نضحت الشيفونية المصرية علي مختلف وسائل الإعلام، مما زاد من حالة التنافر العربي من مصر وبدت التعليقات تتجه للهجوم أكثر عليها، حتي أن بعضنا طرح تساؤلا مشروعا هل يكرهنا العرب؟ والحقيقة الجلية أن العرب لا يكرهون مصر، لكنها ابتعدت عن عالمها العربي حين شرعت في مباحثات السلام مع إسرائيل عام 1978 وجرت أكبر عملية لاغتيال مصر معنويا في محيطها العربي، وحين أعاد الرئيس حسني مبارك العلاقات المصرية العربية لم يفطن الكثيرون إلي الشرخ الذي لحق بالصورة المصرية في هذه الأزمة. وطوال ثلاثين عاما حاولت مصر التعاطي مع قضايا أمتها بالكثير من العقلانية حفاظا علي المصالح العليا للأمة، لكن روحا جديدة من الشعبوية كانت قد اجتاحت الشارع العربي في غياب مصر عنه، ولم يعد صوت العقل مسموعا أو مقبولا، بل علي العكس تماما تحول كل من يستخدم عقله إلي مشتبه فيه بالتآمر علي مصالح الأمة! في ظل هذا المناخ غير الطبيعي جاءت الحرب الإسرائيلية علي غزة نهاية ديسمبر 2008 وجري استخدامها وتجييرها ليس للدفاع عن الفلسطينيين وإنما إلي اغتيال مصر وإضعاف دورها، باستخدام سلسلة من الأكاذيب المنظمة التي رافقت هذه الحرب من عينة أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أعلنت الحرب علي غزة من مصر، أو إعداد عناصر من فتح تمهيدا لإدخالها إلي القطاع لإسقاط حكومة حماس، بينما كانت مصر الدولة العربية الوحيدة التي تتحرك جديا لإنهاء تلك الحرب.. لكن صوتها لم يصل! ونواصل غدا