حينما تواجهنا أي أزمة أو مشكلة مع دولة عربية يحاول البعض القفز فوق التاريخ والجغرافيا، داعيا إلي سلخ مصر عن عروبتها، حتي أن وزيرا في الحكومة قال أمام البرلمان "سيبوكم من العرب"! مثل هذه الكتابات والتصرفات والتصريحات، لا تمر مرور الكرام في العالم العربي، ويتم تسليط الضوء عليها، باعتبارها ردة قومية مصرية، ترضي الرأي العام المصري الغاضب في لحظة ما، لكنها تؤثر علي صورة مصر في محيطها، خاصة حين يأتي هذا الموقف من وزير أو مسئول فيبدو للآخرين وكأنه توجه الدولة المصرية رغم أن بعض المواقف الوزارية لا تعبر عن موقف مصر القومي، ولا تتسق مع سياساتها العامة، وتكشف عن قدر كبير من الجهل السياسي لا يفترض في بعض المسئولين. وللأسف فإن البعض يدفع مصر للهروب من محيطها، مما يترك آثارا سلبية في العالم العربي، و يضع عروبة مصر علي المحك، وبالتالي يصبح جائزا التشكيك في مواقفها السياسية، ويتساءل الشارع العربي: هل السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية ملتزمة بالثوابت العربية، أم أنها تتحرك بضغوط خارجية، أو حتي لا تنظر إلي تحت قدميها فقط، وتعتمد سياسة تخدم مصالحها الوطنية الضيقة؟ لذلك فإن أي محاولة لإعادة بناء صورة مصر العربية تبدأ بعودتها للالتحام بالعالم العربي، ليس فقط من خلال مؤسسة الرئاسة، عبر الفاعليات العربية المشتركة، أو اللقاءات الرئاسية الثنائية، وإنما بجهد دولة بالكامل تنهض به الحكومة بمختلف هيئاتها، والمجتمع المدني بجميع مكوناته، وباستخدام أدوات التوصيل والتأثير المصرية كافة وعلي رأسها الثقافة والفن والرياضة. علي سبيل المثال: لماذا لا تقام أسابيع ثقافية مصرية في جميع البلدان العربية، تشمل معارض للكتب المصرية، وأسبوع للفيلم المصري، وحفلات غنائية وموسيقية، وندوات ثقافية، تتخللها لقاءات مفتوحة مع مفكرين وسياسيين مصريين تناقش الموضوعات السياسية الحساسة المطروحة علي الساحة وتشرح الموقف المصري منها، وميزة مثل هذه المنتديات الثقافية الفنية السياسية أنها تخاطب الشعوب مباشرة، وتكون مفتوحة لكل الناس باختلاف انتماءاتهم.. والأهم أنها ستكون محط انتباه وسائل الإعلام المحلية في كل بلد، مما يعني القيام بأسبوع مجاني للترويج لمصر في كل الدول العربية. لماذا مثلاً لا يتم اعتماد خطة رياضية لانفتاح مصر علي محيطها العربي، عبر مباريات ودية دورية للمنتخب القومي المصري مع المنتخبات العربية، بحيث يلعب فريقنا كل شهر في عاصمة عربية مختلفة؟.. ولماذا لا يجري التفاهم مع فريق كبير مثل النادي الأهلي للعودة للبطولات العربية، وقد كان حين يشارك في هذه البطولات سفيرًا فوق العادة لمصر. أما الأحزاب المصرية شبه الغائبة عن مثل هذه القضايا القومية، فلماذا لا تشرع في تكوين روابط للأحزاب العربية المتشابهة، وتعقد مؤتمرات سنوية للتواصل بين الأحزاب الليبرالية.. واليسارية وغيرها، بالتنسيق ودعم الحكومة. لدينا الكثير من أدوات التواصل مع محيطنا العربي لإعادة بناء صورة مصر، لكن البداية تستلزم قناعة القائمين علي مثل هذه الخطط والتحركات أن قوة مصر تنبع من قدرتها علي التأثير في محيطها. وإذا كانت قوة الدولة تقاس بجيشها، وقوتها البشرية، وإمكاناتها الطبيعية، وطبيعة وضعها الجغرافي، إلي آخر تلك العناصر، فإن قوة أي دولة تكمن في الاستخدام الأمثل لهذه العناصر في محيطها، ومصر لن تكون دولة قوية بعلاقاتها الدولية ما لم تستعد قدرتها علي التأثير والفعل في محيطها. ونواصل غدا