دولة مصر هي آخر دولة يمكن اتهامها بأنها تساعد علي الحصار الإسرائيلي البشع لغزة، والسبب واضح وبسيط لأن دولة مصر هي أول دولة تعاني من هذا الحصار وآثاره وتداعياته، لذلك لا يصح أن يدعي البعض أن الإنشاءات الهندسية التي تقوم بها الدولة المصرية علي حدودها مع غزة والتي اسماها الاسرائيليون بالجدار الفولاذي الهدف منها أحكام حصار غزة وعقاب حماس علي عدم الانصياع لمصر وتوقيع ورقة المصالحة الفلسطينية. حصار غزة خلق لدولة مصر مشكلة أمنية كبيرة جداً تتمثل في أنفاق حفرها بعض الفلسطينيين تحت الأرض استخدمت في تهريب كل شيء.. سلع وأسلحة ومخدرات بل وبشر أيضا.. وبذلك لم يعد للدولة المصرية سيطرة حقيقية علي حدودها مع غزة، وهو أمر شجع وساعد علي القيام بعمليات تفجير إرهابية داخل سيناء ذاتها. وحصار غزة جدد لدولة مصر خطراً قديماً هو خطر نزوح مليون ونصف فلسطيني من أهل القطاع إلي أراضي سيناء، وتوطين عدد منهم فيها.. وهو ما فكر فيه عدد من قادة إسرائيل وخططوا ورتبوا له للتخلص من مشكلة غزة وتحويلها إلي مشكلة مصرية بدلاً من أن تكون مشكلة لإسرائيل التي مازالت تحتل غزة فعليا حتي وإن كانت قد سحبت قواتها منها، فهي تقتحمها جوا وأرضاً وبحراً في أي وقت تشاء وتتحكم في إغلاق وفتح منافذها ومعابرها كما تشاء. وحصار غزة أيضا عطل ومازال يعطل انخراط بعض المنظمات الفلسطينية في أي جهد للتعاون من أجل إنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية وانقاذ القدس من التهويد.. ففي ظل الحصار الجائر دائما ما ينزع الواقعون تحت الحصار إلي المواقف الرافضة للتفاوض حتي لا يمنحوا من يحاصرهم فرصة تحقيق أهداف هذا الحصار.. كما أن هذا الحصار يمنح المفاوض الاسرائيلي ورقة ضغط يستخدمها في مواجهة المفاوض الفلسطيني. وحصار غزة كذلك منح حركة حماس فرصة ذهبية لتبرير ارتمائها في أحضان الإيرانيين، الذين استخدموا الاموال والعطايا والمنح في التأثير علي قرارات الحركة وتطويع ارادتها وتوجيه قادتها في اتجاه الابتعاد بالقضية الفلسطينية عن الإطار العربي، واستخدامها كورقة من ضمن الاوراق التي حرصت إيران علي تجميعها في أيديها لتساوم بها الغرب علي ملفها النووي، لتسوية هذا الملف بطريقة تضمن لها نفوذاً خاصا في منطقتنا، وبذلك أضاف حصار غزةلإيران وانتقض بما في يد الدولة المصرية من أوراق. وهكذا.. فإن حصار غزة لايفيد الدولة المصرية، بل يضرها ويضرها بشدة، بالحسابات المجردة التي تخلو من أي حديث حول أهمية القضية الفلسطينية لمصر، وحول العدو المشترك للمصريين والفلسطينيين، وأيضا حول العلاقة الوثيقة بين الأمن المصري والأمن الفلسطيني، أو حول الضرورات التي يفرضها دور الشقيقة الكبري التي يغضبها نزق الاشقاء الصغار ولا تستطيع عقابهم كما ينبغي. لذلك كله.. لا يمكن أن يصدق أحد أن الدولة المصرية سوف تتعاون مع الإسرائيليين والامريكان من أجل إحكام حصار غزة كما يدعي البعض.. وحتي إذا افترضنا أن الدولة المصرية غاضبة من ألاعيب قادة حماس فإنها تفرق تماما بين أهل غزة المغلوب علي أمرهم تحت حكم حماس وبين هؤلاء القادة ولا يمكن أن تعامل أهل غزة بتصرفات قادة حماس، والدليل أنها ظلت تفتح معبر رفح رغم ما حدث من اعتداءات علي الحدود. العكس هو الصحيح تماما.. إن من مصلحة دولة مصر إنهاء هذا الحصار الجائر علي غزة أمس قبل اليوم.. بل إن الدولة المصرية لا تتوقف عن العمل من أجل إنهاء هذا الحصار منذ أن تم فرضه.. سعت إلي ذلك بالاتفاق علي تهدئة في غزة.. ثم سعت دون جدوي لتجديد هذه التهدئة قبل الحرب التي شنتها إسرائيل علي غزة في العام الماضي، وهي التهدئة التي قبلتها حماس مرغمة بعد الحرب وبدون اتفاق مكتوب.. ثم سعت دولة مصر لإنجاز صفقة الاسري التي ربط الاسرائيليون بينها وبين رفع الحصار وفتح المعابر.. وكذلك سعت إلي اتمام المصالحة الفلسطينية لإنهاء مشكلة معبر رفح. ونكمل غداً إن شاء الله.